كما نعلم جميعًا فقد قدم الانقلابيون خارطة طريق خاصة بهم منذ اليوم الأول
يوضحون فيها ماذا يريدون وكيف سينفذونه، وهنالك خارطة طريق علنية ووضعوا لها
جدولًا زمنيًا للسير عليه، وفي موازاتها فهنالك خارطة طريق غير معلنة تتضمن إقصاء
وتحجيم الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي بشكل عام، وضربهم حتى يخوضوا الانتخابات
القادمة وهم بأضعف حالاتهم بما يضمن فوز الانقلابيين، وفي حال حصل العكس وفاز
الإسلاميون مرة أخرى فهنالك المحكمة الدستورية والألاعيب ذاتها التي تضمن نقض
نتائج الانتخابات.
وفي المقابل نزل مؤيدو الشرعية منذ أكثر من شهر إلى الشوارع رفضًا لكل
ذلك وتأكيدًا على حق الشعب المصري في نظام حكم يمثلهم ولا يمثل أقلية متغربة متحالفة
مع العسكر، لكن نسأل: ما هي خطة عمل مؤيدي الشرعية؟ هل هنالك تصور عام لما يريدونه
وكيفية تحقيق ذلك؟ ماذا لو عاد مرسي للرئاسة فكيف سيحكم في ظل وجود قادة الجيش
والمحكمة الدستورية الذين انقلبوا عليه ذات يوم؟ كيف سيعمل معهم وكيف سيتصرف؟
يجب أن يكون هنالك تصور واضح لمؤيدي الشرعي بخصوص الهدف الذي يريدون
الوصول إليه، وبخصوص الاستراتيجيات العامة التي يريدون اتباعها، وسأترك الكلام في
تفاصيل الخطط وتكتيكات العمل الميدان لأهل الميدان فهم بكل تأكيد أدرى مني بها،
كما يجب أيضًا أخذ جميع الاحتمالات بعين الاعتبار مهما كانت مستبعدة.
أهداف أنصار الشعبية:
هل الهدف هو عودة مرسي رئيسًا لجمهورية مصر؟ فما أراه (وأغلب مؤيدي
الشرعية مثلي) هو أن القضية ليست مرسي، ولو كانت قضيته وحده أو قضية الإخوان وحدهم
لما وجدنا كل هذا الصمود، ولا أظن أن الملايين التي خرجت للشوارع فعلت ذلك لأجل
سواد عيون مرسي، أو فقط حبًا لجماعة الإخوان المسلمين، بل سنجد من يكره مرسي
والإخوان في ميدان رابعة وغير رابعة، لأنهم يريدون شيئًا محددًا، يطلق عليه مصطلح
"الشرعية".
وهنا نريد توضيح الشرعية التي يناضل الملايين من أجلها، حتى لا تبقى مصطلحًا
هلاميًا يتردد وقد يكون لكل جماعة من الناس تفسيرهم الخاص بالشرعية، لذلك سأطرح أبرز
الأهداف والمطالب التي يجب أن تكون حاضرة دائمًا وأبدًا في ذهن الثوار:
أولًا: يمكن تلخيص مطلب الشرعية بثلاث كلمات: "احترام صندوق
الاقتراع"، هذا الهدف المحوري والمركزي الذي يريده الجميع (باستثناء
الانقلابيين الذين يريدون صندوق اقتراع على مزاجهم)، قد يقول قائل أن خطة طريق
الانقلابيين تتضمن إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.
وهنا نرد بأنه لو كنا نضمن أنها ستكون انتخابات حرة ونزيهة، فوقتها لنلعق
جراح الانقلاب ولنذهب لتلك الانتخابات ولنحتكم لها، لكن لدينا تجربة خمس انتخابات
ملغاة منذ 2011م، وكلها ألغاها الانقلابيون إما بقرارات المحكمة الدستورية مثل
مجلس الشعب، أو بقرارات مباشرة: إقالة مرسي وحل مجلس الشورى وتعليق الدستور، وفوق
ذلك فحملة الاعتقالات ومصادرة الأموال لا تسمح للإخوان المسلمين ولا لغيرهم أن
يخوضوا الانتخابات، فالانتخابات ليست فقط يوم التصويت بل هي أيضًا ما قبلها والأجواء
العامة.
فلدينا تاريخ عامين من الانقلاب على صندوق الاقتراع، ولدينا حاضر غير
مبشر مطلقًا، كله يجعلنا لا نثق بالانقلابيين ولا بالانتخابات التي سينظمونها، فلا
أحد يضمن نزاهتها ولا أحد يضمن أنه لن يتم الانقلاب عليها، ولا أحد يضمن أن لا يعود
الانقلابيون لممارساتهم التخريبية التي قاموا بها طوال فترة حكم مرسي، فيما لو فاز
أحد خصومهم بالانتخابات وتسلم الحكم.
فنحن نريد العودة لخيار صندوق الاقتراع لكن بعيدًا عن الانقلابيين
وبعيدًا عن تحكمهم بمفاصل الدولة.
ثانيًا: إزالة كافة الأشخاص الذين تورطوا بالانقلاب على نتائج صندوق
الاقتراع، سواء بمشاركتهم في الانقلاب أو قبل ذلك بممارساتهم التخريبية داخل الدولة،
فمن الواضح أن دولة مبارك (الدولة العميقة) لم تغب يومًا واحدًا عن المشهد، وإنما
تراجعت قليلًا إلى الظل في عهد الحكم العسكري وبدايات حكم مرسي، قبل أن يتحالفوا
مع المعارضة العلمانية وينظموا انقلابهم.
يجب تطهير القضاء ويجب إعادة هيكلة وزراة الداخلية وحل بعض أجهزتها مثل
أمن الدولة (وعدم الاكتفاء بإعادة تسمية أمن الدولة كما حصل من قبل)، ويجب إعادة
هيكلة قيادة الجيش وإخضاعه للسلطة المدنية وعدم تركه يتصرف كأنه دولة داخل دولة
(أو دولة فوق الدولة كما أصبح في عهد السيسي).
فصل الجيش عن السياسة مبدأ لا يجوز الحياد عنه |
ثالثًا: يجب وقف تدخل الجيش في الحياة السياسية، وإبقائه داخل ثكناته
مهما حصل ومهما كانت الأحداث، سواء كان هذا التدخل لصالح هذا الطرف أو ذاك، فمأساة
الأمة العربية طوال الستين عامًا الماضية تمثلت في التدخل المتكرر للعسكر بالحياة
السياسية، فإن كنا في النقطة السابقة نتكلم عن أشخاص مفسدين وبقايا حكم مبارك يجب
تطهير الدولة منهم، فهنا نتكلم عن منع تدخل العسكر بغض النظر عن هويتهم أو عن طهارتهم
الشخصية.
رابعًا: قطع دابر تدخل أمريكا (وأدواتها من أنظمة عربية) في الوضع المصري
الداخلي، فالانقلاب لم يكن ليتم لولا الدعم المادي المقدم من أدوات أمريكا في
المنطقة، ولولا تواطؤ أمريكي غير معلن، وكل ذلك من أجل شيء واحد ووحيد "حماية
أمن الكيان الصهيوني".
وكنت أيام مرسي أدعو لتفهم موقفه الذي لا يريد المس باتفاقية كامب ديفيد،
وذلك في سبيل تثبيت الوضع الجديد وبعد استقرار الأمور في مصر يمكن الكلام عن
العلاقة مع الكيان، لكن بعد أن تبين أن الأمريكان وأدواتهم أرادوا استباق الأمور
وضرب أي تجربة في مصر لا تضمن أمن الكيان الصهيوني في الحاضر والمستقبل القريب
والمستقبل البعيد، فيجب إلغاء أي حلول وسط، وطرح الأمور بصراحة ووضوح.
مصر لا تريد معونات أمريكية تتحكم بالقرار المصري، ولا تريد علاقات خاصة
مع أمريكا ولا علاقات مع الكيان الصهيوني، ولا أي شكل من أشكال العلاقة مع أدوات
أمريكا في المنطقة، سيكون لذلك ثمن حصار اقتصادي ويدفع الشعب المصري ثمنه لعدة
سنوات، لكن هذا ثمن الحرية والانعتاق من العبودية.
كيف نحقق الأهداف؟
هل تحقق الاعتصامات الأهداف المطلوبة؟ بالطبع لوحدها لن تحققها والمسيرة
ما زالت طويلة، وخصوصًا إن أردنا تحقيق الأهداف المذكورة أعلاه.
ونريد بدايةً أن نقيم دور الاعتصامات والمسيرات في المعركة وحدود
إمكانياتها:
1. الاعتصامات والمسيرات استطاعت تجريد الانقلابيين من الغطاء الأخلاقي الذي
حاولوا التستر وراءه، ورغم أن الكثيرين يظنون أن الأخلاق لا مكان لها في السياسة،
فهذا ليس صحيحًا، فالأخلاق لا دور لها عندما يكون صاحب الحق ضعيفًا، فوقتها لن يلتفت
لحقه أحد، لكن القوي الأمين يحترمه الجميع، ويجبرهم على الالتزام والخضوع.
وقد استطاعت هذه القوة الأخلاقية زيادة حجم المعتصمين والمتظاهرين والمتضامنين مع الشرعية، ودخول شخصيات سياسية وتنظيمات تحت إطار أنصار الشرعية، والكثير من دول العالم اضطرت للتعاطي مع الطلبات الأخلاقية لأنصار الشرعية بفضل الاعتصامات.
وقد استطاعت هذه القوة الأخلاقية زيادة حجم المعتصمين والمتظاهرين والمتضامنين مع الشرعية، ودخول شخصيات سياسية وتنظيمات تحت إطار أنصار الشرعية، والكثير من دول العالم اضطرت للتعاطي مع الطلبات الأخلاقية لأنصار الشرعية بفضل الاعتصامات.
2. لعل القوة الحقيقية والأساسية للاعتصامات والمظاهرات هي تعطيلها للحياة الاقتصادية،
سواء كنا نتكلم عن السياحة أو المواصلات وغير ذلك، فهذا يشكل ضغطًا متراكمًا على
الحكومة الانقلابية.
فسواء تكلمنا عن استحقاق انتخابي قادم فالانقلابيون سيفشلون بسبب سوء أدائهم
الاقتصادي، أو تكلمنا عن إصرار على التمسك بالكرسي فسيفشلون أيضًا لأنهم لن يملكوا
النقد الكافي لتغطية نفقات الدولة التي اختطفوها.لكن يبقى الضغط الاقتصادي غير كافي رغم أهميته، والكثير من الأنظمة استطاعت الصمود في أوضاع اقتصادية أسوأ، وخاصة عندما تكون مصلحة المواطن آخر اهتمامات رأس النظام.
3. استطاع أنصار الشرعية تصدير الأزمة إلى داخل صفوف الانقلابيين، فقد رأينا
تجاذبًا داخل أركان الانقلاب بين السيسي والبراذعي، وبين الانقلابيين وأمريكا،
وذلك نتيجة للإرباك الذي أصابهم بسبب صمود أنصار الشرعية في الميادين.
فكان الأمريكان وأدواتهم والبرادعي يفضلون حلولًا تحتوي الإخوان وتسويات معينة تثبّت أهم انجازات الانقلاب، بينما السيسي وأزلامه يريدون حلًا يسحق الإخوان، وهذا خلاف ليس مبدئيًا بقدر ما هو خلاف حول ما هو الحل الأفضل لإنقاذ الانقلاب، وما يهمنا أن هذا الارتباك والتراشق الإعلامي يضعف من معنويات الانقلابيين، ويضعف أداءهم الميداني.
فكان الأمريكان وأدواتهم والبرادعي يفضلون حلولًا تحتوي الإخوان وتسويات معينة تثبّت أهم انجازات الانقلاب، بينما السيسي وأزلامه يريدون حلًا يسحق الإخوان، وهذا خلاف ليس مبدئيًا بقدر ما هو خلاف حول ما هو الحل الأفضل لإنقاذ الانقلاب، وما يهمنا أن هذا الارتباك والتراشق الإعلامي يضعف من معنويات الانقلابيين، ويضعف أداءهم الميداني.
4. نتيجة الوضع الحالي فأي انتخابات حرة ونزيهة ستؤدي لفوز أنصار الشرعية
بشكل ملحوظ، لذا يجب أن نتوقع مماطلة الانقلابيين قبل إجراء الانتخابات أو أن
يسعوا لتطفيش الإخوان والتضييق عليهم لكي يقاطعوا الانتخابات وتجري في ظل غيابهم.
5. لن يكون هنالك تحولًا باتجاه تحقيق الأهداف التي ذكرناها في البداية إلا
عندما تكسر إرادة الانقلاب وهذا ما لم يحصل لحد الآن.
والسؤال المطروح كيف سنصل إلى مرحلة كسر إرادة الانقلاب؟ الإجابة على هذا
السؤال تعتمد بدرجة كبيرة على ردة فعل النظام، وهنا يمكن تلخيص ردود الفعل المحتملة
كالآتي:
الأول: أن يلجأ النظام للمراوغة والمماطلة، وأن يراهن على ملل الناس
وانفضاضهم من تلقاء أنفسهم، فالجماهير لها قدرة على الصمود في الميادين، ولحد الآن
نرى قدرة عالية على الحشد، لكن هذا ليس أمرًا مضمونًا على المدى البعيد، قد يكون
مضمونًا للأسابيع أو الأشهر القليلة القادمة، لكن أكثر من ذلك فهو أمر مشكوك به.
يجب التخطيط للعصيان المدني منذ اليوم |
لذا يجب التفكير بخيارات تصعيد ضد الانقلابيين تتضمن: إغلاق سكك الحديد
وإغلاق الوزارات والمقرات الحيوية في البلد، وصولًا إلى العصيان المدني ووقف
التعامل مع مؤسسات النظام، من أجل تسريع عملية خنق النظام، ويجب توقع انتقال النظام
إلى ردود فعل أخرى كلما اشتد حبل الخناق حول رقبته.
كما يجب أخذ مناورات الانقلابيين بعين الاعتبار: مثل أن ينظموا انتخابات
في ظل جو الاعتقالات والإرهاب من أجل انتزاع شرعية انتخابية (حتى لو كانت مزورة)،
وفي هذه الحالة لا يجب الكلام عن مقاطعة انتخابات، بل يجب منعها بالقوة؛ مظاهرات
تقتحم مقرات الانتخابات وتمنع سيرها، فإما أن تكون انتخابات نزيهة أو لا تكون، أما
خيار المقاطعة فهو خطيئة كبرى.
إزالة السيسي والانقلابيين هو شرط لنجاح أي تسوية مستقبلية |
الثاني: أن يلجأ الانقلابيون وبرعاية خارجية إلى تسويات وحلول وسط، وهنا
يجب التأكيد على أنه مهما كانت التسوية فيجب أن تلتزم بالأهداف المذكورة أعلاه:
احترام صندوق الاقتراع، وإزالة جميع الشخصيات القيادية الموروثة من نظام مبارك في
القضاء والداخلية والجيش، وتفكيك جهاز أمن الدولة، ومحاسبة الإعلام الداعم للانقلابيين،
وأخيرًا يجب إقرار مبدأ عدم تدخل الجيش نهائيًا بالسياسة.
قد يكون شكل هذه التسوية على غرار ما حصل في اليمن؛ الإتيان بشخص محايد
مقبول من كافة الأطراف ليقود المرحلة، وأن تشكل لجان من أجل تفكيك أركان النظام
السابق، شخصًا بشخص، وموقعًا بموقع، ومؤسسة بمؤسسة.
وقد تكون على غرار ما حصل في ليبيا؛ إقالة جميع من عمل في النظام البائد
بمرتبة معينة فما فوقها، سواء كانوا صالحين أو طالحين، ففي ليبيا شمل القانون قادة
للثورة الليبية مثل مصطفى عبد الجليل ومحمد المقريف الذي استقال من رئاسة المجلس
الوطني ورفض إعطاء نفسه استثناء رغم أنه معارض قديم للقذافي، لكن لأن المعايير
تنطبق عليه (فقد عمل في ذات يوم تحت قيادة القذافي) فقد استقال.
وقد يتم ابتكار قوانين خاصة بمصر، مثل إحالة كل من بلغ سن خمسين عامًا
فما فوق على التقاعد من القضاة أو قادة الجيش أو مسؤولي الداخلية، وتفكيك أمن
الدولة وتوزيع منتسبيه على باقي أجهزة الدولة، وما إلى ذلك.
الثالث: أن يلجأ الانقلابيون إلى استخدام القوة كخيار وحيد لمقاومة أنصار
الشرعية، والتصعيد المسلح، وهنا يمكن أن نتنبأ كيف ستبدأ الأمور لكن يستحيل التنبؤ
بكيفية انتهائها، لكنه خيار يبقى موجودًا في ظل جنون وغرور قادة الانقلاب (وخصوصًا
السيسي)، ويجب الاستعداد له منذ الآن، والبدء بتعبئة الجنود وتوعيتهم من خطورة
إطاعة الأوامر التي تأمرهم بقمع أبناء شعبهم.
الخلاصة:
نحن أمام حراك جماهيري يهدف إلى إعادة الاعتبار لصندوق الانتخابات وإزالة
كافة أركان ورموز وكوادر نظام مبارك، وذلك وفق استراتيجية استنزاف الانقلابيين
إعلاميًا ونفسيًا واقتصاديًا وسياسيًا، ويجب الاستمرار بالضغط والتصعيد المتواصل
حتى تنكسر إرادة الانقلابيين، وقد يطول الوقت وقد يتخذ الانقلابيون اتجاهات عنيفة
للغاية، وبالتالي يجب أن نكون مهيئين لكافة الاحتمالات ومستعدين لها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق