الاثنين، 18 يناير 2016

لماذا فضيحة التجسس على مكتب عريقات الآن؟





رغم أن الموظف الكبير في مكتب عريقات يتم التحقيق معه منذ فترة إلا أنه تم الإعلان عن قضيته مؤخرًا، وذلك لأحد سببين (أو كليهما):

1) من أجل تحسين صورة الأجهزة الأمنية ورفع معنويات العاملين، بعد سلسلة من الانتكاسات في الشهر الأخير، ابتداءً من قمع المسيرة المتوجهة إلى بيت إيل (موقعة البجامات) وانتهاءً بمهاجمة المتظاهرين لمقر شرطة بيت جالا احتجاجًا على تخاذل الأجهزة الأمنية أمام اقتحامات الاحتلال.

والأمر الذي أثر بشكل عميق على الأجهزة الأمنية هو نشر اسم عماد الخراز الضابط في الوقائي وتوضيح دوره في تسليم خلية عملية ايتمار للاحتلال.

فمن متابعتي لمواقع السلطة ولاعتقال أجهزتها لكل من نشر الخبر، فهو قد أدى إلى هزة كبيرة داخل العاملين في الأجهزة الأمنية، فرغم أنها ليست أول مرة يتم نشر فيها أخطاء وجرائم الأجهزة الأمنية ونشر أسماء المتورطين فيها.

إلآ أن ارتباط هذه الحادثة المباشر والواضح بالعمالة للاحتلال وتسليم خلية نفذت العملية التي فجرت انتفاضة القدس، حفرت عميقًا في وعي العاملين بالأجهزة الأمنية.

لذا كثرت التصريحات عن "وطنية الأجهزة" وأن من يخوِّنها "هم الانقلابيون"، ويأتي إعلان السلطة عن هذه الحادثة في نفس اتجاه رفع المعنويات، وتلميع الأجهزة الأمنية وكأنها تحارب عملاء الاحتلال.

2) إعادة تدوير مشروع السلطة السياسي الذي وصل إلى نهايته وأفلس وانهار، والقائم على المقاومة الدبلوماسية والسعي لنيل اعتراف المجتمع الدولي بالحقوق الفلسطينية.
 
فلم يعد للسلطة أي أهداف تستطيع القول أنها تسعى لتحقيقها، فالاعتراف بدولة فلسطين تحقق عدة مرات، وماذا بعد؟ والمفاوضات انتهت والاحتلال لا يريد العودة لها تحت أي ظرف، والمقاومة الشعبية السلطة تخشى أن تتحول لمقاومة مسلحة لذا قامت بقمعها ووضع كوابح لها.

لذا تسعى السلطة لاختلاق معارك وهمية، فسمعنا تصريح عباس زكي عن التهديد الأمريكي بوضع المنظمة على لائحة الإرهاب فيما لو رفعت السلطة شكوى لمحكمة الجنايات الدولية، والآن تأتي معركة الجاسوس و"صراع الأدمغة" بين الاحتلال والسلطة، أو كما حاول ناصر اللحام تحميل مسؤولية عدم قيام دولة فلسطينية على هذا الجاسوس.

أما عن عملية التجسس نفسها فمن الضروري الإشارة إلى الآتي:

أولًا: لا يوجد أسرار لدى السلطة بما يخص المفاوضات، وكما نقل أدوارد سعيد وغيره فأسلوب التفاوض لدى المنظمة منذ أيام مدريد، قائم على الذهاب إلى المفاوضات بلا تحضير ولا مطالب واضحة، والاكتفاء بالاستماع بما يطرحه الاحتلال (أو الوسيط الأمريكي) ثم رفضه أو قبوله.

وصائب عريقات شخصيًا لا يثق به عباس ليودع عنده أسراره، وهو شخصية دورها ثانوي في عملية اتخاذ القرار في السلطة.

ثانيًا: عندما اجتاح الاحتلال مدن الضفة عام 2002م صادر كل الوثائق والملفات من مقرات السلطة، ولم يبق شيئًا، قام الجيش وقتها بنشر بعض تلك الوثائق على الانترنت، وشكل وحدة خاصة من أجل فرزها وتحليلها.

فالقول أنه كان يتجسس منذ عشرين عامًا فيه نوع من المبالغة والنفخ فما قبل 2002م هو لدى الاحتلال سواء تجسس أم لم يتجسس أحد.

ثالثًا: إذن لماذا يزرع الاحتلال جاسوس في هكذا موقع؟ لأن الاحتلال ببساطة يريد تأكيد المعلومات لديه، ومن المعروف أنه عندما يريد جمع معلومات لا يكتفي بمصدر واحد، بل يوظف عميلين أو ثلاثة عملاء ليجمعوا نفس المعلومة (دون أن يعلموا عن بعضهم البعض)، لكي يتأكد من دقة المعلومة وليتأكد من أن العميل يعمل "بضمير".

وأكثر من ذلك يتم التجسس على الصهاينة العاملين بالأجهزة الأمنية أنفسهم، حتى يضمنوا عدم "خيانتهم" فمما يرويه الأسرى أن الاحتلال يدس جواسيس بين الأسرى، من بين مهامهم محاولة رشوة السجانين حتى يكتشفوا أي السجانين لديه القابلية للرشوة.

فنحن أمام منظومة أمنية متكاملة تتجسس على كل شيء ليس فقط من أجل جمع المعلومات لكن حتى توصل "العدو والصديق" إلى قناعة أن كل شيء تحت الرقابة، مما يولد رقابة ذاتية لدى أعداء الاحتلال وأصدقائهم، فيصبح الخوف من القيام بعمل ضد الاحتلال خوفًا من الاختراق هو سيد الموقف.

ليست هناك تعليقات: