الاثنين، 4 مارس 2013

تصريحات أردوغان: أين كنا وأين صرنا؟




أثار تصريح أردوغان الذي وصف فيه الصهيونية بأنها معادية للإنسانية موجة من الاستنكار في الغرب (وداخل الكيان طبعًا) وذلك رغم أنه انتقد الصهيونية ولم ينتقد الديانة اليهودية ولم يُدلِ بتصريحات "معادية للسامية"، ولم يدع لإبادة اليهود أو ذبحهم إو إلقائهم بالبحر أو حتى لم يدع لإزالة الكيان الصهيوني من الوجود.

هو انتقد عنصرية الفكر الصهيوني والذي كان السبب بتشريد أكثر من سبعة ملايين فلسطيني من أرضهم ومنعهم منذ ستين عامًا حتى اليوم من العودة لها بحجة إبقاء ما تسمى دولة إسرائيل نقية عرقيًا تحافظ على أغلبية يهودية تعيش داخلها، وتم تشريع قوانين تمييز عنصري ضد الفلسطيني وتحابي اليهودي الصهيوني، وبالرغم من الطابع العنصري الفج للصهيونية فإن الغرب لم يكتف بالتغاضي عن هذا الفكر العنصري النتن بل أصبح يستهجن أي انتقاد يوجه لعنصرية الفكر والعقيدة الصهيونية.


والحال لم يكن كذلك في بدايات قيام الكيان الصهيوني والذي خطى خطوات متسارعة نحو تثبيت حقه بالوجود وترسيخ أحقيته في عقول وقلوب الناس بما فيه أعدائه التاريخيين (أي العرب والمسلمين)، فلو عدنا بالوقت إلى عام 1975م نجد أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أقرت القرار رقم 3379 والذي نص على أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وساوى القرار بين الكيان الصهيوني وبين نظامي التمييز العنصري في ذلك الحين في كل من جنوب أفريقيا وزيمبابوي.

مرت السنوات وحارب العالم نظامي التمييز العنصري في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وقضى عليهما، وبعد أن أقرت 72 دولة مقابل معارضة 32 دولة أن الصهيونية هي فكر وعقيدة عنصرية، نجد اليوم تصريحات أردوغان (وهي نفسها تمامًا ما جاء في نص قرار الجمعية العامة) تعتبر على أنها تصريحات غريبة ومستهجنة وتستحق التنديد بمن فيه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي بون.

وكما يقولون إذا عرف السبب بطل العجب فقرار الجمعية العامة ألغي عام 1991م لأن الصهاينة اشترطوا على العرب قبل دخول مفاوضات السلام في مدريد أن يتم إلغاء القرار، وقد قبل العرب (بمن فيهم منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات) أن يتم إلغاء القرار؛ أي أنهم أقروا واعترفوا بأن الصهيونية ليست عنصرية وبالتالي فطرد الملايين من الفلسطينيين وقتلهم وذبحهم وسجن أبنائهم ومنعهم من السفر والتنقل والملكية ليست عنصرية، لأن كل هذه الممارسات القذرة تتم تحت الفكر الصهيوني.

وبينما زال نظام الأبرتهايد من جنوب أفريقيا وقبله زال النظام العنصري من زيمبابوي (والتي كان يسميها المستعمر الأبيض بروديسيا الجنوبية)، فإننا قمنا بترسيخ جذور الكيان الصهيوني وقمنا بإقرار حقه في الوجود وحقه في البقاء، وبالتالي قمنا بتجريم أنفسنا كفلسطينيين وعرب ومسلمين، لأن مجرد وجود الفلسطيني على هذه الأرض جريمة في المعايير الصهيونية.

لقد قمنا بإدانة أنفسنا بأنفسنا عندما طلبنا إلغاء قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية، وقمنا بترسيخ جذور الكيان الصهيوني، وقمنا بتعقيد حلم العودة إلى فلسطين، وذلك مقابل دولة لم تأت ولم نرها، لقد قبض الصهاينة الثمن مسبقًا، ويستغلون ما حصلوا عليه ليكملوا المشروع الصهيوني في القدس وفي جبال الضفة الغربية وفي غور الأردن وفي صحراء النقب.

لذا لم يكن مستغربًا أن يكون أردوغان مغردًا خارج السرب، كما ليس مستغربًا أن لا تلاقي حملات التطهير العرقي وطرد السكان البدو من صحراء النقب ومن غور الأردن أي شجب واستنكار، وليس مستغربًا أن يتم تحويل المسجد الأقصى تدريجيًا إلى كنيس وهيكل يهودي بدون أن يرف جفن للعالم، ولا أن يستنكر أحد وفاة عرفات جرادات في سجون الاحتلال، فكل ذلك يتم لأن الصهيونية أخذت الغطاء الأخلاقي منا، والجاهل عدو نفسه.

ليست هناك تعليقات: