الأحد، 17 مارس 2013

هوغو شافيز: ما له وما عليه



تم بالأمس تشييع جثمان الرئيس الفنزويلي إلى مثواه النهائي حيث سيدفن في المتحف العسكري بكراكاس، وقد دار جدل منذ وفاته حول شخصيته وهل كان قائدًا مميزًا أم مجرد دكتاتور أو حليف لأنظمة ديكتاتورية، وفي المنطقة العربية تذكر الكثيرون موقفه الداعم للنظام السوري وهي نقطة لا ريب أنها لطخت سيرته وبالتالي ذهبوا إلى أنه لم يكن إلا مستبد وطاغية مثل حليفه الأسد، بينما تذكر آخرون مواقفه المناهضة لأمريكا والداعمة للقضية الفلسطينية وقضية العراق وغيرها من القضايا العربية.
 
وهنا نشير إلى خطأ منهجي يرتكبه الكثيرون عند تقييمهم للأشخاص وهو الإمساك بموقف معين والبناء عليه كل التقييم، فمن جانب هنالك من أخذ موقف شافيز من الثورة السورية وبنى عليه وحده وجعله شيطانًا رجيمًا، ومن جانب آخر هنالك من بنى على موقف شافيز من فلسطين والقضية الفلسطينية ولم ير شيئًا آخر وجعله صحابيًا جليلًا، وكليهما مخطئ وليس بصاحب منهج علمي.


ومن هذا المنطلق سنحاول هنا تقييم الرجل بشكل علمي قدر الإمكان بعيدًا عن أي تحيزات مسبقة، تقييم شافيز داخل فنزويلا ومحاولته تصحيح الاختلالات الاجتماعية، وتقييم شافيز في أمريكا الجنوبية ودوره بمناهضة الاستعمار ومحاولة إيجاد وحدة في أمريكا الجنوبية، وأخيرًا موقفه من القضايا العربية المختلفة.


شافيز في فنزويلا:


شافيز كان قائدًا شعبيًا فنزوليًا عمل على حماية حقوق الفقراء، وحتى نفهم الأمر في سياقه فانقسام المجتمعات الأمريكية اللاتينية إلى طبقتي فقراء وأغنياء ليس انقسامًا اقتصاديًا فحسب (كما هو الحال في بلادنا والكثير من البلدان) بل هو انقسام له أبعاد عرقية وجذور تعود لعهد الاستعمار.


فطبقة الفقراء في دول أمريكا اللاتينية مكونة من الهنود الحمر (السكان الأصليين) وأغلبهم يعيش بالأرياف وأحفاد العبيد الأفارقة الذين أحضرهم المستعمر الإسباني معه، وأبناء عرقيات مخلطة من السكان الأصليين والأفارقة والأوروبيين البيض (وشافيز نفسه من أصول مخلطة فيجمع في دمائه من السكان الأصليين والأفارقة السود والإسبان البيض)، ويضاف إليهم بعض الفقراء من ذوي الأصول الأوروبية.


ويقابله طبقة الأغنياء وهم في غالبيتهم من ذوي الأصول الأوروبية (وأكثرهم من نسل المستعمرين الإسبان) وعليه فالصراع ليس طبقيًا اقتصاديًا بقدر ما هو صراع عرقي وبقدر ما هو صراع بين من يمثل الاستعمار (الأغنياء) وبين من يمثل التحرر من الاستعمار (الفقراء)، وبما أن الأغنياء في أمريكا الجنوبية تحالفوا مع أمريكا فكان طبيعيًا أن ينظر لها على أنها الاستعمار الجديد.


سيمون دي بوليفار محرر أمريكا الجنوبية
لقد اتخذ شافيز له مثلًا أعلى سيمون دي بوليفار (محرر أمريكا اللاتينية من الاستعمار الإسباني) وأعاد تسمية فنزويلا لتصبح جمهورية  فنزويلا البوليفارية تيمنًا به، كما اتخذ من الاشتراكية طريقًا اقتصادية من أجل النهضة بوضع الفقراء في فنزويلا بوصفها سلاحًا ضد الأغنياء.


وهكذا جاءت سياسته خلال سنوات حكمه الخمس عشر (1998م– 2013م) من أجل تطبيق نظام اشتراكي جديد (كما يراه) من خلال بناء نظام رعاية صحية جيد وبيع السلع بأسعار مدعومة للفقراء والتضييق على الرأسماليين، وبالرغم مما تقوله الدعاية الفنزويلية عن الإنجازات في خفض نسبة الفقر وتحسين مستوى معيشة الناس (وبالفعل بعض تقارير الأمم المتحدة تكلمت عن تحسن في مستوى المعيشة خلال سنوات حكمه)، إلا أنني أشك في فاعلية الإجراءات الاشتراكية التي قام بها لأنها لا تقيم اقتصادًا حقيقيًا.


فما أراه قد قام به هو إعادة توزيع الثروة النفطية التي كان ينهب أغلبها الاقتصاديون المتنفذون وإعطاء الفقراء والطبقات المسحوقة حصتهم منها، وهو ما جعل المعارضة (التي تمثل الأغنياء والليبراليين المتحالفين مع أمريكا) تثور ضده أكثر من مرة، وخيضت بين الطرفين مواجهات عدة حول تأميم شركات البترول وحول الإعلام الذي تسيطر عليه المعارضة والذي كان يحرض ضده وموجات من الإضرابات (وهذا يذكرنا بالعلاقة بين محمد مرسي وجبهة الإنقاذ)، وجرت محاولة انقلاب فاشلة ضد شافيز بالرغم من احتجازه لعدة أيام على يد الإنقلابيين (وهو نفسه حاول تنفيذ انقلاب عسكري فاشل في أوائل التسعينات عندما كان قائدًا في الجيش).


كان من الأولى أن يحارب شافيز الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية (قبل وبعد قدومه للحكم) وأن يسعى لتنمية الصناعة والزراعة وإقامة اقتصاد حقيقي منتج، وذلك بدلًا من تطبيق نظريات اشتراكية طبقت في بلدان عدة بالعالم (من بينها دولنا العربية) ففشلت فشلًا ذريعًا ودمرت الاقتصاد ونشرت الفساد مثل سياسة دعم المنتجات الاستهلاكية.


كما يؤخذ عليه تعديل القوانين بما يعطيه صلاحيات واسعة، وبالرغم من أنه لم يكن ديكتاتورًا وكان هنالك معارضة قوية جدًا تقف بوجهه، إلا أن تلك التعديلات كانت ستصنع منه ديكتاتورًا لو استمر معه الأمر، لأن الديكتاتور لا يولد ديكتاتورًا بل إن قلة المحاسبة والمتابعة هي ما تصنعه.


شافيز في أمريكا اللاتينية:

الرئيس البوليفي ايفو موراليس
الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا
الرئيس النيكاراغوي دانييل أورتيغا
حمل شافيز مشروع بوليفار الذي طرد الاستعمار الإسباني في بدايات القرن التاسع عشر وعمل على إقامة دولة موحدة في أمريكا الجنوبية، فكان شافيز يحلم بإحياء المشروع البوليفاري من خلال تحالفات مع قادة يساريين في دول أمريكا الجنوبية مثل أيفو موراليس (وهو أول رئيس لبوليفيا من الهنود الحمر) ولولا دا سيلفا الرئيس البرازيلي السابق والذي استطاع النهوض بالاقتصاد البرازيلي وجعله من الاقتصاديات المتقدمة عالميًا، وعبر دعم حركات تمرد يسارية في الدول التي تحكمها أنظمة موالية لأمريكا مثل كولمبيا.


وهي سياسة تقوم على محاربة الاستعمار في أمريكا الجنوبية (ويمثلها اليوم أمريكا)، وبناء تحالف للقوى اليسارية في أمريكا الجنوبية يمتد شمالًا إلى دول أمريكا الوسطى مثل كوبا ونيكاراغوا، وأنشأ لهذا الغرض فضائية تيليسور (TeleSur) وهي فضائية ساهمت سبع دول أمريكية جنوبية بإنشائها (وعلى رأسها فنزويلا) وتهدف لتقديم بديل عن الإعلام الأمريكي ولأن تكون خطوة نحو التكامل بين دول أمريكا الجنوبية.


فمشروع شافيز البوليفاري يقوم على ركيزتين: طرد الاستعمار والتوحد بين دول أمريكا الجنوبية.


شافيز والقضايا العربية:


اقتناعًا من اليسار الأمريكي الجنوبي عمومًا (وشافيز خصوصًا) أن مواجهة الاستعمار الأمريكي هي مهمة أكبر من قدرتهم الذاتية حرصوا على مد جسور التواصل مع قوى التحرر الوطنية في العالم.


ومن هذا المنطلق جاء دعم شافيز للقضية الفلسطينية (وهو صاحب قرار قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني خلال حرب غزة الأولى)، كما بنى تحالفًا قويًا مع إيران وخصوصًا مع أحمدي نجاد، وتزامنت هذه التحالفات مع وجود تحالف فضفاض (أو تقارب) بين القوى الإسلامية والقومية في العالم العربي وبعض قوى اليسار ضد الهيمنة الأمريكية (أو ما كان يعرف بمحور الممانعة).


إلا أن هذا المحور أصيب بشرخ كبير: الإسلاميين من جهة والقوميين واليساريين والإسلاميين الشيعة على الجهة الأخرى، بدأ الشرخ مع الثورة الليبية لكنه اتسع مع الثورة السورية وأصبح طلاقًا بائنًا بينونة كبرى، وفي ظل هذا الاصطفاف اتخذ شافيز (وكما هو متوقع) جانب القوميين واليساريين.


وليس دفاعًا عن شافيز بقدر ما هو محاولة فهم موقفه، فهو ليس ابن المنطقة بل يعتمد على حلفائه بنقل الصورة إليه، والإيرانيون والقوميون قاموا بنقل الصورة التي تلائمهم، وفيما نجاد ونصر الله هم أبناء المنطقة ويعرفون تمامًا ما يحصل في سوريا واتخذوا قراراتهم بناءً على مصالح طائفية ضيقة، فقد وصلت الصورة إلى شافيز على أن ما يحصل هو صراع بين أمريكا وعملائها وبين أعداء أمريكا فكان من الطبيعي ان يصطف لجانب أعداء أمريكا كما كان يظن (وربما البعض لا يجد له عذرًا ويقول: كان يجب أن يسمع من جميع الأطراف، وهذه وجهة نظر أحترمها).


وأخيرًا يتحمل الإسلاميون العرب جزءًا من المسؤولية لأنهم فشلوا (كعادتهم) بإيصال وجهة نظرهم، فإعلامهم لا يجيد إلا مخاطبة الذات ولا يكلفون أنفسهم بمخاطبة الآخرين في العالم العربي (فما بالكم بمخاطبة شافيز أو الفنزويليين).


ولا شك أن ركوب بعض الأنظمة الخليجية موجة الثورة السورية كان عبئًا عليها وساهم بإخافة شافيز ومن هو مثله من الربيع العربي (كونها أنظمة محسوبة على أمريكا)، كما وظف النظام السوري معزوفة الخوف على مصير المسيحيين في سوريا في قدوم نظام إسلامي.


وأخيرًا فإن مهاجمة الإسلاميين محور الممانعة وتشنيعهم على فكرة المقاومة والممانعة (وخاصة أن بعضهم وخاصة السلفيين عرف أنهم من المحسوبين على الأنظمة) كان هدية على طبق من ذهب يقدم للنظام الأسدي، فبدلًا من مهاجمة الممانعة والمقاومة كفكرة كان الأصل التركيز على أن معاداة النظام الأسدي ومعاداة إيران ليس بسبب أنهم كانوا يمانعون ويقاومون أمريكا، "بل لأن هنالك نظام مستبد ونحن لسنا أقل منهم عداء لأمريكا وسياساتها بل نحن أكثر إخلاصًا"، لو تبنى التيار الإسلامي مثل هذا الخطاب لأمكن تحييد شافيز ومن مثله لكن للأسف فالإسلاميون أثبتوا أكثر من مرة أنهم أساتذة بصناعة الأعداء من دون مبرر.

ليست هناك تعليقات: