الأربعاء، 27 مارس 2013

محمد مرسي وافتقاره للعمق



أثارت مقابلة الملك الأردني عبد الله الثاني مع مجلة "ذا أتلانتيك" ضجة كبيرة بسبب انتقاداته اللاذعة التي استهدفت الجميع دون تفريق بين مقربين وخصوم، ولن أتناول جميع ما تكلم عنه الملك ولا عن الوضع الداخلي الأردني، ولا حتى عن حقيقة أن الصحفي الذي أجرى معه اللقاء (جيفري جولدبيرج) يحمل الجنسية الصهيونية وكان ضابطًا في جيش الاحتلال بالضفة الغربية ونكل بالمواطنين على الحواجز العسكرية حيث كان يخدم.
 
ما لفت نظري في اللقاء هو اتهامه للرئيس المصري محمد مرسي بافتقاره للعمق، وقد ظننت أنه ينتقده في طريقة إدارة الشأن المصري الداخلي، لكن تفاجأت عندما اكتشفت أنه يتكلم عن عمق مرسي في فهم القضية الفلسطينية والمفاوضات بين السلطة والاحتلال الصهيوني.
 
فكان ما قاله "لقد حاولت أن أشرح لمرسي كيف يتعامل مع حماس، وكيف يمكن تحريك عملية السلام إلى الأمام، وكان رده الوحيد أن (الإسرائيليين) لن يتحركوا"، وأضاف "عندما ظل مرسي لا يردد سوى "الإسرائيليين، الإسرائيليين"، فإنني حاولت التأكيد على أهمية التركيز على درء الفوضى من الجانب الفلسطيني، لكن الحقيقة أن هذا الرجل ليس لديه أي عمق بالأمور".

فما أزعج الملك هو أن مرسي رفض أن يتعلم طريقته في التعامل بملف المصالحة (ولم يشرح لنا عبد الله ما هو المطلوب) ورفض أن يسعى لتحريك عملية السلام (بين السلطة والاحتلال) لأن الصهاينة لن يقدموا شيئًا.
ولعل هذا أراحني جدًا فهو أثبت أن محمد مرسي يفهم جيدًا أصل المشكلة وهي الاحتلال الصهيوني وصلفه، ومدرك جيدًا عبثية المفاوضات بين السلطة والاحتلال، وما يراه الملك سطحية أراه قمة بالفهم والاستيعاب، لأن النتيجة الوحيدة لهذه المفاوضات العبثية هو تجميل صورة الاحتلال ووضع عراقيل أمام أي محاولة لفرض 
عقوبات على الاحتلال بحجة أن هذه العقوبات تعرقل المسيرة السلمية.

وما يريحني أكثر هو أن هذه الكلمات تثبت أن محمد مرسي يرفض الانخراط في المنظومة العبثية للنظام العربي التقليدي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وكثرة ترداده لكلمة أن "الخطأ هو خطأ الصهاينة" يعني أنه لا يريد التساوق مع هذه المنظومة، ويريد وضع كافة العوائق أمام سيرها.

وهذا ما أغاظ الملك عبد الله، والذي لم يسأل نفسه لليوم لماذا لم تنتج طريقته "العميقة أوي" أي شيء على صعيد استعادة حقوق الشعب الفلسطيني، والتي جعلت القضية الفلسطينية أسيرة مفاوضات عبثية تمنح كل الوقت المطلوب للاحتلال لكي يقوم بتهويد القدس والاستيلاء على الأقصى والتوسع بالاستيطان بدون حسيب ولا رقيب.

ويبدو أن العمق المطلوب عند الملك عبد الله هو التعمق بغيابات الجب الذي ألقى فيه القادة العرب ضميرهم، فأصبحت القضية الفلسطينية مجرد طقوس فارغة نؤديها قبل النوم وبعد الاستيقاظ، أو مستنقع العمالة المسمى التنسيق الأمني الذي يراه الملك عبد الله ومحمود عباس شرطًا ضروريًا وعميقًا من أجل المضي قدمًا بالمصالحة.

كما تنبئنا هذه المقابلة بدرجة الغرور لدى الملك عبد الله، ومثله رجال السلطة الفلسطينية، الذين يرون أن طريقتهم الفاشلة في إدارة المعركة مع الاحتلال هي قمة الفهم وأن من يسائلهم أو يشكك بهم هو شخص سطحي أو عاطفي أو قليل العمق، هذا الغرور الذي قاد عزام الأحمد في الندوة (التي أهان فيها عزيز دويك) إلى التأكيد على أن التنسيق الأمني سيستمر والاعتقال السياسي سيستمر وإغلاق مؤسسات حماس سيستمر بعد المصالحة، وذلك الغرور الذي دفع السلطة لأن تظن التنازلات الكبيرة التي قدمتها حماس على مذبح المصالحة كانت ناجمة عن ضعف واستسلام للمنهج "العميق" الذي تمثله السلطة.

لا أجد وصفًا أبلغ لهذه النرجسية والثقة زائدة الحد بالنفس سوى المثل الشعبي "كبرة ولو على خازوق" (كبرة من الكبر والتكبر).

ليست هناك تعليقات: