الجمعة، 4 يناير 2013

عداء الإمارات لحكم الإخوان ومرسي في مصر وتصريحات تشومسكي



تناقلت وسائل الإعلام تصريحات للمفكر الأمريكي نوعام تشومسكي حول سبب عداء النظام الإماراتي لحكم الإخوان المسلمين في مصر ورئاسة محمد مرسي، وأنه يأتي بسبب مشروع تطوير قناة السويس وما يمكن أن يشكله من تهديد للموانئ والتجارة التي تمر في دبي.
 
بحثت عن مصدر الكلام فوجدته جاء خلال محاضرة لتشومسكي في جامعة كولمبيا الأمريكية، وهي كانت تتكلم عن التحديات التي تواجه مصر وتكلم خلالها عن مشروع تطوير قناة السويس وأهميته لمصر والتحديات التي تواجه حكم الإخوان، وكان من ضمن ما تكلم عنه هو العداء الذي يبديه النظام الإماراتي للإخوان المسلمين وتجربتهم بالحكم.
 
وذكر أربعة أسباب (كلها اقتصادية) لهذا العداء: أن قناة السويس ستنافس ميناء دبي بتقديم الخدمات للسفن المارة، وأن النفط موجود فقط في إمارة أبو ظبي وبقية الإمارات وخصوصًا دبي تعتمد على الاقتصاد الخدمي الذي ممكن أن يتضرر بوجود منافسة من مشروع قناة السويس، وبروز منافسة باقتصاد الخدمات للإمارات في هونغ كونغ وأسواق شرق آسيا مما يقلل من اعتماد الغرب على الإمارات، والخوف من حرب قادمة بين أمريكا وإيران ستضر اقتصاد الإمارات وهروب الاستثمارات من دبي إلى مصر.

كل الأسباب تدور حول المنافسة الاقتصادية كما تلاحظون، وهو لا يتكلم انطلاقًا من معلومات حاز عليها (كما يظن البعض) بل يتكلم كمحلل سياسي وكمؤرخ ومفكر يتابع التطورات، لذا يجب أن نتوقف هنا ونوضح بعض الأمور:

أولًا، ما زال الكثير من الناس لا يفرق بين المعلومة والتوقع والتحليل، ويتعامل مع توقعات وتحليل البعض على أنها معلومة مؤكدة عن شيء رأوه أو سمعوه.

ثانيًا، نعوم تشومسكي ينطلق بتحليله للأحداث من خلفيته الفكرية اليسارية، وهذا يتجلى بوضوح في تركيزه على العامل الاقتصادي، لأن الفكر الماركسي يقوم أساسًا على أن حركة التاريخ هي حركة آلات الإنتاج، وأن العلاقات الاقتصادية وتطورها هو ما يحكم تصرفات البشر وحركتهم.

ثالثًا، لا شك أن الاقتصاد يلعب دورًا في حركة التاريخ، ولا شك أن العوامل الاقتصادية لها دورها بالتأثير على القرارات والمواقف، لكن آفة الفكر الماركسي أنها اسقطت كافة العوامل الأخرى وحصرت كل شيء بالاقتصاد والصراعات الطبقية.

رابعًا، لا تقتصر هذه الرؤية التحليلية عند الماركسيين بل نجد الكثير من الكتاب والمؤرخين والمحللين قد تأثروا بالتفسير المادي والاقتصادي للتاريخ، سواء لدى المقربين لليسار أو حتى لدى الكثير من الإسلاميين.

خامسًا، لذا من التسطيح تجاهل كافة العوامل التي تحكم العداء الإماراتي للمشروع الإسلامي في مصر، مثل عداء الأنظمة القديمة (سواء الخليج أو غيرها) للربيع العربي وتشكيكهم به، وهو عداء فكري ثقافي كونها لا تستوعب فكرة أن يكون الشعب هو السيد وصاحب القرار، كما أن خوفها من أن تصبح موضع مساءلة ومحاسبة من شعوبها فيما لو نجحت تجارب الثورات العربية دافع غاية بالأهمية، وفي الحالة الإماراتية يمكن أن نلمس عاملًا إضافيًا يفسر تصدر النظام حالة العداء للإخوان المسلمين وهو وجود كم كبير من المستشارين الأمنيين من أشخاص خدموا سابقًا في الأجهزة الأمنية المصرية وأجهزة أمن السلطة، مثل محمد دحلان، وكلهم يمارسون دور التحريض على التجربة الإخوانية، فنتكلم هنا عن العامل الإنساني والشخصي في صياغة المواقف وهذا عامل غائب تمامًا عن الفكر الماركسي والمدرسة القارئة المادية للتاريخ.

سادسًا، لم أكتب من أجل الدفاع عن النظام الإماراتي أو تحليل العلاقة المصرية الإماراتية، بل لكي أنقد المدرسة المادية والماركسية بتفسير التاريخ، ولأحذر من الوقوع بأخطائها لأني أرى الكثير تستهويهم تفسيراتها لحركة التاريخ والسياسة، ومثل ذلك من يقارن بين تدخل الناتو في ليبيا وعدم تدخله في سوريا، فيعزوه إلى النفط، وبالرغم من أن هذا عامل من بين العوامل لكن من التسطيح اعتباره العامل الوحيد، فهنالك مثلًا موقف روسيا والصين اللتان "تعلمتا الدرس" من ليبيا ورفضتا تكرار التجربة واستخدمتا الفيتو، وهنالك مثلًا موقف إيران التي تدعم النظام السوري فيما لم تدعم القذافي، وهنالك أيضًا الكيان الصهيوني والمخاوف الغربية من ما بعد الأسد، وعوامل كثيرة أخرى.

سابعًا، ومن مثل التسطيح اليساري الذي نراه في كتابة التاريخ ما كتبه المؤرخون اليساريون الفلسطينيون عن تاريخ الحركة الوطنية في فلسطين ونشأتها وتصويرها على أنها كانت مجرد صراع بين العائلات الإقطاعية والزعامات التقليدية وبين الطبقة المتوسطة الصاعدة، ونسمع التفسير الطبقي  يتكرر في تحليل الكثير من الثورات العربية والأحوال السياسية.

ثامنًا، لذا من الضروري والحيوي أن نحذر من هفوة الوقوع أسر التفسيرات المختزلة للحراك السياسي والاجتماعي والتاريخي، سواء كانت تفسيرات اقتصادية مادية كما عند اليسار أو غير ذلك، فحركة التاريخ والتجمعات البشرية هي أكثر تعقيدًا من أن نعزوها لسبب واحد أو سببين.

هناك تعليقان (2):

Abed يقول...

قد قرأت أيضاً هذه التصريحات المنسوبة إلى تشومسكي على الصحف المصرية التي ادعت أنها قد ذكرت في إحدى محاضراته في جامعة كولومبيا، لكن وبعد بحث بسيط باللغة الانجليزية لم أجد أي محاضرة لتشومسكي في جمعة كولومبيا مؤخراً.
ثم اكتشفت أن تشومسكي نفسه نفى هذه التصريحات عندما سأله أحد الطلاب العرب في جامعته MIT، و هذا هو نص الرسالة:
http://t.co/4k2w8E2n

ياسين عز الدين يقول...

شكرًالك أخي الكريم على هذا التوضيح. أنا أيضًا قرأتها بالصحافة المصرية وللأسف لا أدري لماذا أصبحنا أقل دقة ومصداقية بالنقل.

يبقى الموضوع الأساسي للمقال وهو نقد التحليل الماركسي للتاريخ وللسياسة، وهو ما أحببت أن أسلط الضوء عليه أكثر من تصريحات تشومسكي، والتي اخذتها كمثال فقط لا غير.

بوركت وشكرًا لك.