تحيي اليوم الكثير من المواقع وصفحات الفيسبوك ذكرى مرور 521 عامًا على سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس بتاريخ 2/1/1492م، حيث يجدد الكثيرون العهد مع الأندلس "الفردوس المفقود"، ويصممون على عدم النسيان والعودة والتحرير مهما طال الزمان.
وإن كان طول الزمان الذي مرّ وتهجير أكثر مسلمي
الأندلس وتنصير من تبقى منهم بالقوة والقهر، قد جعل من أمر التحرير مستبعدًا وربما
لو قلنا الأندلس بحاجة لإعادة فتح من جديد وليس للتحرير لكان أكثر دقةً وصوابًا،
بل ويتساءل الكثير كيف سنحرر الأندلس وهنالك أراضي محتلة أقرب إلى بلاد الإسلام وفيها
عدد كبير من المسلمين وفيها مقدسات إسلامية أكثر أهمية؛ مثل فلسطين التي ترزح تحت
أغلال الاحتلال الصهيوني والذي لا تختلف أهدافه كثيرًا عن الحروب الصليبية التي
ابتلعت الأندلس.
الفروق بين الصهيونية وحروب الإسبان الصليبية
(والتي يسموها حروب الاسترداد) قليلة وشكلية، مثل أن الصليبيين سعوا لتهجير
المسلمين أو تنصيرهم، فيما اليهود يسعون للتهجير فقط، ونتساءل هنا هل تتكرر مأساة
الأندلس في فلسطين؟
لا يوجد أحد يفكر اليوم جديًا بتحرير الأندلس،
وهو مستبعد من أذهان الناس، فقط هنالك تمسك عاطفي وشاعري بالأندلس وذكريات تدمي
القلوب، وأقلام تسيل فداءً للأندلس، فيما يتسابق أبناء العرب والمسلمين للهجرة إلى
"إسبانيا" للعيش تحت قانونها الأوروبي وملكها المسيحي، بل حتى أن مدنًا
تحتلها إسبانيا مثل سبتة ومليلية لا يفكر سكانها العرب بالانتفاض على الاحتلال
(إلا قلة من الحزبيين الأيدولوجيين) وذلك حتى لا يفقدوا ميزات العيش داخل حدود
الاتحاد الأوروبي.
قد يسلي البعض نفسه ويقول أن اللاجئ الفلسطيني
لن ينسى أرضه، وها هي أجيال اللاجئين تورث أبناءهم حب فلسطين جيلًا وراء جيل، وها
هي الأمة تدعو لفلسطين ليل نهار وقلبها مع فلسطين لا يفارقها للحظة، إلا أن
تجربتنا مع الأندلس تثبت أن كل هذا لا معنى ولا وزن له.
فلحد اليوم ما زال أحفاد اللاجئين من الأندلس
محتفظين بحنينهم للأندلس والكثير منهم يعيشون بمدن وقرى وأحياء في شمال أفريقيا
(وبالأخص في المغرب) تحمل الطابع الأندلسي سكانًا وثقافةً وطابعًا معماريًا، بل
حتى الأطعمة وطرق صناعتها، بل حتى نجد عائلات مشرقية تفتخر بجذورها الأندلسية، ولحد
اليوم ما زال الكثير ممن أجبر أجدادهم على التنصر (ويعرفون بالمورسكيين) يفتخرون
ويعتزون بأصولهم العربية والإسلامية وبعضهم عاد إلى الإسلام.
وما زال المسلمون جميعًا حتى اليوم يتمسكون بحلم
تحرير الأندلس والعودة لها، وقبل خمسمائة عامًا تعاطفوا مع إخوانهم الأندلسيين
وفتحوا لهم بيوتهم وقدموا لهم المساعدات مثلما يفعل مسلمو اليوم مع الشعب
الفلسطيني.
لقد تطبعنا على احتلال الأندلس وأصبح أمرًا
معتادًا ومألوفًا لدينا، نكتفي بالرابط الروحي والحنين إلى أيام الازدهار الإسلامي
بالأندلس وكأننا قمنا بالواجب وزيادة، وهنا مكمن الخطورة أن نطبع ذواتنا وأنفسنا
مع الاحتلال الصهيوني في فلسطين، أن نطبع أنفسنا مع تهويد المسجد الأقصى وتحويله
تدريجيًا إلى هيكلهم المزعوم.
إن تذكر فلسطين وعدم النسيان والشعور بالرابط
الروحي الذي يربطنا بالقدس والمسجد الأقصى، إن لم يكن محفزًا للعمل والفعل، فلا
معنى حقيقي له، بل سيكون مصير المسجد الأقصى مثل مسجد الحمراء الذي أصبح كاتدرائية
تعلوها الصلبان، فمن يتخلى عن قوله تعالى "وأعدوا" فمصيره الهزيمة
والخذلان لا محالة، لأن المولى عز وجل وضع قانونًا إلهيًا "إن تنصروا الله
ينصركم ويثبت أقدامكم".
والجهاد هو بالمال والنفس كما ورد بأكثر من موقع
بالقرآن الكريم وسنة الحبيب المصطفى، وجهاد الكلمة وجهاد الدعاء وإن كانا مهمين
إلا أنهما يأتيان بالدرجة الثانية، لأنه ما لم يقترن الإيمان والاعتقاد والكلام
بفعل وعمل فإنه "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون".
بالنسبة لي فإني أرى مصيرًا مختلفًا بفلسطين عن
الأندلس لسبب بسيط لأني أرى عملًا، لأني أرى سواعد تترجم إيمانها إلى أفعال، في
ملحمةٍ متواصلة منذ انطلاق الانتفاضة الأولى، وقبلها في جنوب لبنان ومعركة الكرامة
وغيرها من الفعل المحارب للكيان الصهيوني.
لكن الطريق ما زالت طويلة وإن القلة التي تحارب
وتفعل من أجل فلسطين لا يجوز أن تبقى لوحدها، وأن الكثرة التي تكتفي بالدعاء
والبكاء سرًا وعلانية، يجب أن تدرك أنها تساهم بجريمة السكوت، صحيح أن الله لا
يكلف نفسًا إلا وسعها، لكن ليسأل كل منا نفسه "هل فعلت حقًا كل وسعي"؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق