اضغط على الصورة لتقرأ لائحة الاتهام الموجهة للشيخ سامح |
الأسير الشيخ سامح عفانة من مدينة قلقيلية اعتقل
لدى السلطة والاحتلال عدة مرات، ودفع من عمره سنوات من أجل القضية التي يؤمن بها،
وضمن سياسة الباب الدوار دخل سجون الاحتلال قبل فترة وما زال محتجزًا فيها حتى
اليوم.
لكن سلطة دولة فلسطين العتيدة لديها مؤسسات
سيادية لا تتنازل عن سيادتها للعدو الصهيوني، ويوم الأحد الماضي (28/1/2013م) وفي
تحدٍ للمحتل الصهيوني قام البريد الفلسطيني بإطلاق طابع بريدي يحمل اسم "دولة
فلسطين" بدلًا من "السلطة الفلسطينية"، ولأن المحتل الذي يتحكم
ببريد السلطة لن يسمح باستخدام هذه الطوابع فهي لن تستخدم في المراسلات البريدية
وسيقتصر استخدامها على المعاملات الرسمية بوزارة الخارجية.
ومن مظاهر إصرار السلطة على سيادتها وتمسكها الشديد
بها توجيهها كما هو في الصورة الظاهرة أعلاه مذكرة تحذر الأسير سامح عفانة بأنه
يجب أن يتوجه لأحد محاكمها بتهمة النيل من الوحدة الوطنية والانتماء إلى ميليشيات
مسلحة.
والمقصود هو عضويته ونشاطه في حركة حماس، ولن
أتكلم عن طبيعة هذه التهمة والتي تشير بشكل واضح إلى التعامل مع حماس على أنها
تنظيم خارج القانون، ولن أتساءل كيف يدعو عباس لانتخابات تشارك بها حماس وأبناؤها
معرضون للاعتقال بتهمة الانتماء لمليشيا مسلحة أو تهمة غسيل الأموال (إن استخدموا
أموال من حماس في حملتها الانتخابية) أو تهمة الإضرار بالوحدة الوطنية (فدخول حماس
للانتخابات قد يعرض الوحدة الوطنية للخطر وقد يتجدد الصراع بينها وبين فتح، أليس
كذلك!!)، ولن أناقش هذه القوانين المتخلفة التي تشكل ستارًا للاستبداد.
فقط أريد الإشارة إلى المفارقة التي لا نجد
مثلها خارج الضفة الغربية، فسامح عفانة لن يستطيع تلبية استدعاء السلطة وسيعامل
على أنه فار وهارب من العدالة، لأنه مسجون لدى المحتل الصهيوني، ولن نجد مثل هذه
المفارقة في بلد آخر لأن الضفة تعيش وضعًا معقدًا واستثنائيًا مليء بالتناقضات
العجائبية، وسببها اتفاقية أوسلو والتعديلات عليها.
اتفاقية أوسلو سميت باتفاقية حكم ذاتي تنتهي
باتفاقية لترتيب استقلال الدولة الفلسطينية لكن ما رأيناه على الأرض لم يكن بهذا
ولا بذاك، فعادةً يكون الحكم الذاتي في بلد من أجل منح أقاليم حرية ترتيب أوضاعها
الداخلية، لكن الاحتلال لم يشأ أن يمنح الفلسطيني حق إدارة شأنه الداخلي بحرية
وأصر على إعطاء نفسه حق دسّ أنفه في كل تفاصيل حياة المواطن الفلسطيني، ابتداءً من
بطاقة الهوية التي يحملها والتي لا يمكن للسلطة أن تصدرها بدون موافقة المحتل
وانتهاءً بالحواجز والإغلاقات وجدار الفصل العنصري.
أوجدت اتفاقية أوسلو ازدواجية في الوضع القانوني
الذي يعيشه المواطن الفلسطيني، صحيح أنها حددت الصلاحيات في كل من المناطق الثلاث
"أ وب وج"، لكن عند التطبيق وجدنا تداخلًا في الصلاحيات وتعقيدات وأمور
مبهمة، وأغلب هذه العقد حلّت لصالح المحتل وجميعها حلت بما ينكد على المواطن
الفلسطيني العادي.
طبعًا هذا فضلًا عن التعقيدات الأخرى فالمواطن
الذي ينتقل بسيارته من مدينة إلى أخرى معرض لأن توقفه شرطة الاحتلال وتحرر له
مخالفة سير، وعليه أن يدفع مخالفته لدولة الاحتلال وليس لسلطته التي يحق لها
مخالفته عندما يرتكب مخالفة داخل مناطقها، والمواطن مضطر لأن يسير في كافة المناطق
دون أن يستطيع التمييز دائمًا إن كان في منطقة نفوذ سلطوي أو صهيوني (حسب أوسلو).
الشيخ سامح عفانة هو أحد ضحايا هذا الازدواج
القانوني فهو مطالب بالحضور أمام محكمة السلطة لكنه مسجون لدى المحتل (وعلى الأغلب
بسبب نفس التهمة)، وهذا لا يحصل في مكان توجد به سلطة واحدة، لكن في الضفة هنالك
سلطتين: سلطة فلسطينية وسلطة الاحتلال، وعندما يحصل تضارب فتقدم سلطة الاحتلال على
سلطة السلطة، إلا في حال واحد وهو عندما يكون في الأمر زيادة بالتنكيل مثلما هو حال
الشيخ سامح عفانة.
ومن المفارقات أنه من الطبيعي جدًا أن تجد
شرطيًا فلسطينيًا يحاكم بتهمة حيازة سلاح غير قانوني، بالرغم من أنه يحمل رخصة حمل
سلاح من السلطة، وذلك عندما تقبض عليه دورية صهيونية وهو يحمل هذا السلاح، ومحاكم
الاحتلال العسكرية لم يصلها أبدًا أي تعليمات للتعامل مع مثل هذه الأوضاع
القانونية ولا كيف تتعامل مع ترتيبات اتفاقية أوسلو، وتستمر بالعمل حتى اليوم
وكأنه لا توجد اتفاقية أوسلو.
وفي ظل هذا التناقض يجد ابن حماس نفسه في دوامة
شريرة، فمن ناحية قانون السلطة كان يتيح له في السابق أن يكون عضوًا نشيطًا بالكتلة
وأن يشارك بانتخابات مجالسها الطلابية (وحتى اعتقالات الأجهزة الأمنية لم تكن ضمن
إطار القانون)، وأتاحت له أن يشارك بانتخابات المجلس التشريعي، وبنفس الوقت يتم
اعتقاله لدى المحتل بتهمة العضوية بتنظيم غير قانوني (الكتلة الإسلامية أو كتلة
التغيير والإصلاح البرلمانية)، وهنا نرى التناقض الأبرز فكتلة التغيير والإصلاح هي
هيئة تشكلت للمشاركة بانتخابات المجلس التشريعي ووفق اتفاقية أوسلو هي كتلة قانونية لكن الاحتلال يشطب أوسلو "وأبو أوسلو" عندما يشاء ويعتبرها
تنظيمًا إرهابيًا وممنوعًا.
هذا الكلام كان في ما مضى، لأن عقلية دايتون
وفياض الشيطانية وبتوجيهات من المحتل الصهيوني، تفتقت عن حلقة جديدة تجعل من حياة
الحمساوي جحيمًا لا يطاق، وهي قانون غسيل الأموال (وهو أحد القوانين القليلة التي
تطبق في الضفة بحرفية ودقة متناهية).
حسب قانون غسيل الأموال يجب أن تعرف السلطة مصدر
كل دولار يتم تداوله في الضفة الغربية، من أين جاء وإلى أين سيذهب ولماذا سيتسخدم
وكيف ومن، ونشطاء حماس عادة لا يفصحون عن مصادر أموالهم (لأن المصدر سيكون معرض
للمحاسبة من قبل الاحتلال ومن قبل أمريكا أيضًا بتهمة تمويل الإرهاب)، وهم يحرصون
كل الحرص على تداول هذه الأموال والتعامل بها في الخفاء لكي لا يكونوا عرضة
لملاحقة المحتل الصهيوني.
قانون السلطة يلزمهم بالإفصاح عنها وعن مصادرها
ووجهتها وإلا ستصادر وسيحاسب صاحبها وقد يحكم عليه بتهمة غسيل الأموال وتهمة تشكيل
مليشيات مسلحة إن كانت وجهتها تمويل عملية مسلحة موجهة ضد المحتل الصهيوني، ولا
يهم السلطة مطلقًا معضلة الناشط الحمساوي والمتمثلة بأن اعترافه بمصدر المال سيضر
بالمصدر وبالناشط نفسه ويعرضه للمحاسبة والعقاب لدى المحتل (هذا إن نجا من
المحاسبة لدى السلطة).
ما يهم السلطة هو سيادتها وهيبتها ووحدانيتها
فلا يحق لحماس أن يكون لها أجنحة عسكرية توازي قوى الأمن التابعة للسلطة، ولا يحق
لها أن تخالف قانون السلطة، ولا يحق لناشط شبابي أن يتطاول على محمود عباس ويصفه
بأبرد من المنخفض الجوي.
لكن يحق للصهاينة أن يتجاوزوا كل قوانين السلطة وأن يدوسوها بالنعال، وأن يهينوا عباس وقريع ومسؤولي السلطة سرًا وعلنًا، هذه سلطة السيادة الوطنية سلطة طابع دولة فلسطين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق