جاء اعتقال وزارة الداخلية في غزة لمجموعة من العناصر التابعة لمحمد دحلان بتهمة التخطيط لإثارة الفتنة وإفشال المصالحة ليضع مجموعة من التساؤلات الهامة التي تحتاج لتوضيح وتبيان حتى لا تمر بعض التجاوزات والأخطاء على أنها من المسلمات.
فما هي طبيعة الجرائم التي ارتكبوها؟ وما هو
الموقف القانوني من اعتقالهم؟ وما هي دلالة توقيت الاعتقال والتداعيات السياسية
لها؟ وهل كونهم صحفيين يعطيهم حصانة؟ وهل هم صحفيون أصلًا؟
بداية لا حصانة للصحفي أمام القانون فإن اخترق
القانون وارتكب جريمة فتجب محاسبته ولا فرق بين كونه صحفيًا أو غير ذلك، ومحاولة
نفي الداخلية كونهم صحفيين والطرف الآخر يؤكد أنهم صحفيين لا أراها ذات صلة.
الصحفي محصن من الحماية عندما يقول رأيه مثله
مثل أي مواطن، ولا يجوز حرمان مواطن من قول رأيه أو نشر آرائه بحجة أنه ليس
صحفيًا، وكليهما ليسا محصنين أمام المحاسبة في حال ارتكبا جريمة.
وفي حالتنا هذه نسأل ما هي الجريمة المرتكبة،
فالقول مؤامرة من أجل إفشال المصالحة وضرب حماس وفتح هو قول فضفاض لا يبين معالم
الجريمة، فما هو الفعل الذي كانوا سيقومون به من أجل إفشال المصالحة؟ وما هي أدوات
الجريمة التي كانت ستستخدم من أجل ارتكابها؟ وما هي الأدلة على نيتهم بالشروع في
تنفيذها (لأنه ربما يكون مجرد كلام غير جدي أو فضفضة أو طق حنك وكلها لا يعاقب
عليها القانون)؟
حسب بيان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة فإن
المجموعة هدفت إلى "استمرار تشويه الخصم الرئيسي وهي حركة حماس بأدوات إعلامية،
وإظهار قيادة فتح التنظيمية الحالية في غزة بأنها لا تمثل قواعد وقيادات الحركة الميدانية،
إضافة إلى المطالبة بالتعامل معها على هذا الأساس، وإشاعة كل محفزات التشكيك فيها."
فنحن نتكلم عن أدوات إعلامية تستخدمها هذه
المجموعة وعن هدف تشويه الخصوم السياسيين واستغلال أخطائهم، وهنا أريد أن أتوقف
بداية عند الجانب القانوني فهل هنالك جريمة بالتشكيك في الخصوم السياسيين؟ هل
هنالك جريمة في رفض قيادة ما لتنظيم ما؟ جماعة دحلان لا تعجبهم قيادة فتح في غزة،
فهل هذه جريمة؟
بالرغم من اشمئزازي من أساليب التشويه الإعلامي
والأكاذيب التي تطلق في الإعلام لتصفية الخصومات السياسية لكن هذه لا ترقى إلى
جريمة يعاقب عليها القانون، فقط في حالة كان هنالك نشر معلومات كاذبة عن شخص (مثل
اتهام بالسرقة أو الزنا أو غير ذلك بدون دليل) تعتبر جريمة تشويه وقذف، وليس أن
تقول فلان لا يمثل فتح أو حماس تخلت عن المقاومة، وحتى في جرائم التشويه والقذف هي
ليست حق عام بل هي حق شخصي، والمتضرر هو من يرفع شكوى إلى المحكمة وهي تنظر بها
وتقرر إن كان هنالك قذف أو افتراء أم لا، لا أن يأتي الأمن الداخلي ويتطوع ويحاسب.
القانون الفلسطيني (وهو مزيج من قانون الطوارئ
البريطاني والقانونين الأردني والمصري والأوامر العسكرية الصهيونية وتشريعات
السلطة) فيه مساحة كبيرة تتيح للأمن في غزة كي يعتقل من يريد، وهنالك قوانين
متخلفة تحكمنا تحوي ثغرات تتيح إساءة استخدامها من قبل الأجهزة الأمنية تجاه
خصومها السياسيين؛ مثل:
1-
قانون الانتماء إلى تنظيم محظور والذي يعتقل بسببه الآلاف سنويًا بالضفة
لدى سلطات الاحتلال بحكم انتمائهم للكتلة الإسلامية أو حماس أو لجان الزكاة.
2-
قانون غسيل الأموال التي ينص على حق السلطة بمعرفة مصدر كل دولار من أين
أتى وإلى إين يذهب، وبموجبه يعتقل مؤيدي حماس وتصادر أموالهم، لأنهم لو أفصحوا عن
مصدر المال عرضوه للضرر والاعتقال والمحاسبة حسب قوانين الاحتلال، وإن لم يفصحوا
سيعتقلوا بتهمة قانون غسيل الأموال.
3-
قوانين إثارة النعرات الطائفية والوطنية والتي يحاكم بسببها الكثير من
الناشطين بسبب انتقاد وجهوه إلى عباس أو فياض، لأن انتقادهم يهدد السلم الوطني
والطائفي الفلسطيني!!
لذلك لا يجوز أن يكون القانون ساحة لتصفية
الحسابات السياسية مع أحد ولا أن تكون الأجهزة الأمنية أداة لذلك، حتى لو كان
دحلان عدو حماس وفتح فلا يجوز الاعتقال بتهمة أن المعتقل متعاطف مع دحلان أو تكلم
مع دحلان أو أحب دحلان أو حلم بدحلان في الليل أو دعا لدحلان بالنجاح والفوز، وما
ذكره بيان الحكومة عن تواصل المجموعة مع دحلان أو ممثلين له ليس بتهمة ذات وزن،
تكون تهمة عندما يتم التواصل من أجل ارتكاب جريمة كأن يدفع لهم دحلان أموال مقابل
تنفيذ تفجيرات.
دحلان نفسه منبوذ سياسيًا ومكروه، وربما عليه
قضايا جرائم سياسية من قتل وتصفية وعمالة للاحتلال الصهيوني وتزويده بمعلومات تضر
المقاومة، لكن مجرد الكلام معه أو إقامة علاقات معه ليست جريمة، هذه أمور يجب
توضيحها حتى تكون لدينا دولة قانون ومشروع حضاري تقدمه حماس وليس إعادة إنتاج دولة
فتح بلحى ومشايخ.
أما من الناحية السياسية فلا أدري ما الحكمة من
هذه الخطوة (وأصلًا ما دخل الأمن الداخلي باتخاذ قرارات سياسية؟) فهل هي محاولة
للعب على تناقضات فتح الداخلية؟ فقد جاءت النتيجة عكسية وتوحدت فتح (بجناحيها
الدحلاني والعباسي) ضد حماس وحكومة غزة.
أم أنها محاولة للضغط على سلطة رام الله من أجل
المعتقلين السياسيين؟ ألا نعلم كلنا أن الاعتقال السياسي في الضفة لا علاقة له
بالانقسام ولا المصالحة؟ أليس التزامًا تقوم به سلطة عباس تجاه المحتل الصهيوني؟
اعتقلت حماس خمسة فتحاويين أو خمسة آلاف فهذا لن يغير موقف عباس من التنسيق الأمني
ولا الاعتقال السياسي، يوجد حلول لهذه المشكلة (فلا توجد مشكلة بلا حل)، لكن
لنخاطب العناوين الصحيحة إلا إن كانت القضية مجرد "فشة غل" لا أكثر،
وهذه ليست من السياسة ولا الأخلاق في شيء (لا تزر وازرة وزر أخرى).
أما عن توقيت الاعتقال فحدث ولا حرج، فكلما كان
هنالك مصالحة خرج علينا حدث في قطاع غزة يوتر الأوضاع مع فتح وبالمرة الماضية كانت
تصريحات الزهار والمرة هذه الاعتقال المفاجئ للصحفيين، فهل هنالك أطراف داخل حماس
تتصرف بمزاجها؟ أم أنها "يا محاسن الصدف"؟ وهل يتحدد قرار حماس في
قيادته العليا وبكافة أماكن تواجد الحركة؟ أم أن مجموعة من ضباط الأمن الداخلي
يملكون حق نقض الفيتو؟
ما طالعنا به اليوم إيهاب الغصين من وجود قرار
لدى رئيس الوزراء إسماعيل هنية بالإفراج عن هذه المجموعة يدل على أن أساس اعتقالهم
كان واهنًا من الأصل (بالرغم من ما ساقه الغصين من تبرير).
وهذا يدل على أن جهاز الأمن الداخلي يجب أن يكون
تحت رقابة لصيقة لكي لا يشط ولا يتجاوز ولكي لا تكرر حماس التجربة المأوساوية
لجهازها الأمني في سجن مجدو أواسط التسعينات عندما ظلم العشرات من أبناء الحركة
وبعضهم فقد حياته تحت ذريعة مكافحة العملاء، فأي جهاز أمني لا توضع له ضوابط
سيتجاوز كل الخطوط الحمراء، ومن يبدأ التجاوزات بحق مؤيدي دحلان فستصل يده يومًا الأستاذ
إسماعيل هنية نفسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق