الأربعاء، 29 فبراير 2012

ياسر عبد ربه ووقف التنسيق الأمني: ما بين الشعارات والحقيقة

عندما يلوح أبرز منظري تيار الأسرلة داخل السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني، ويقول في تصريحات صحفية أن "القيادة الفلسطينية" تدرس وقف التنسيق الأمني وحماية المستوطنين والتعاون الاقتصادي مع "إسرائيل"، يتوقع المرء أن هذا مؤشر على جدية السلطة بالمضي قدمًا بالمصالحة الفلسطينية أو أن هنالك توجهًا لدى السلطة للتصعيد ضد الاحتلال الصهيوني.


لكن عندما يتلو ذلك بيوم اعتقال جهاز الأمن الوقائي للناشط الشبابي محمد الزغير من مدينة الخليل والناطق باسم مجموعة "شباب ضد الاستيطان"، يتساءل المرء عن جدية تصريحات عبد ربه، إلا إن كان جهاز الأمن الوقائي جهازًا متمردًا على السلطة ويعمل بمرجعية مختلفة تمامًا.


وفي حين تلقى الاعتقالات السياسية على شماعة الانقسام بين فتح وحماس، فإن اعتقال الزغير لا تنطبق عليه مقاييس الانقسام، فتجمع شباب ضد الاستيطان هو تجمع مستقل يجمع كل ألوان الطيف الفلسطيني، بل أكثر أعضاءه وقيادته من المقربين لحركة فتح، فهو تجمع وحدوي فلسطيني وبعيد عن أي صفة "حمساوية انقلابية" كما هي لغة الأجهزة الأمنية.



ويبدو أن المسيرة التي نظمتها المجموعة الشبابية يوم الجمعة الماضي للمطالبة بفتح شارع الشهداء بمدينة الخليل، والذي يغلقه الاحتلال بشكل متواصل منذ عام 1994م بعد مذبحة المسجد الإبراهيمي، قد شكلت ضوءًا أحمر لجهاز الأمن الوقائي، وخاصة بعد المواجهات العنيفة بين المتظاهرين وقوات الاحتلال.


يبدو أن عبد ربه يعيش في زمن آخر، ولا يدرك أننا نعيش في زمن ثورة المعلومات وثورة وسائل الإعلام، حيث لا توجد خفايا والناس لم تعد تأخذ كلام كهنة الإعلام والسلطة على أنه من المسلمات وتسأل وترى وتسمع كل شيء، وكل لديه عقل ويستطيع وزن الأمور.


هذا التناقض الصارخ بين التصريحات والممارسات يكشف أكثر من أكذوبة تحاول ماكنة الإعلام السلطوية ترويجها:


فالسلطة ما زالت تعتبر راحة مستوطني الخليل أكثر أهمية من حياة سكان المدينة الفلسطينيين، الذين يعانون الأمرين من تبعات تقسيم المدينة وإغلاق شارع الشهداء وعربدة المستوطنين وقوات حرس الحدود وجيش الاحتلال، وفيما يعيش باقي سكان المدن الفلسطينية بالضفة الغربية سعداء داخل الأقفاص الكبيرة والمسماة بالمنطقة أ، فإن معاناة أهل مدينة الخليل يومية ودائمة، لكن لحد اللحظة فمعاناتهم ليست من أولويات جهاز الأمن الوقائي ولا من يقف وراءه.


والاعتقال يفضح أكذوبة أن الانقسام هو المسؤول الأول عن الاعتقالات السياسية، وإن كان التاريخ القريب يقول لنا أن الاعتقالات السياسية هي ممارسة روتينية ترتكبها السلطة منذ إنشائها عام 1994م، ولم تتوقف حتى في ذروة انتفاضة الأقصى، ولنا بالشهيد محمود أبو هنود أكبر مثال عندما كان مسجونًا في سجن نابلس المركزي لدى قيام طيران الاحتلال بقصف السجن في العام 2001م.


إلا أن هذا لا يمنع من طرح الأدلة الحديثة لأصحاب الذاكرة الانتقائية والذاكرة الضعيفة، فما دخل اعتقال ناشط شبابي من إطار مستقل همه الأول محاربة الاستيطان والمستوطنين بالانقسام؟ أي انقسام في إطار شبابي ينضوي تحته أفراد من فتح وحماس والشعبية وكافة الأطياف بدون أي تفرقة أو تمييز؟


والأكذوبة الأخيرة التي تفضحها عملية الاعتقال هي أكذوبة أن السلطة تدعم المقاومة الشعبية ضد المستوطنات؛ لأن مسيرة يوم الجمعة والتي اعتقل بسببها محمد الزغير، كانت إحدى وسائل المقاومة الشعبية التي طالما تغنت سلطة فياض وصلًا بها، وكانت ضد الاستيطان داخل مدينة الخليل، ولم تكن تنظيمًا مسلحًا يخل بالتزامات "خارطة الطريق"، ولم "ترتكب" جريمة المقاومة المسلحة.


في نهاية المطاف نقول لليساري السابق ياسر عبد ربه، أن أساليب مدرسة الدعاية الإعلامية السوفياتية البائدة فاشلة من يومها، وربما كانت أحد أسباب سقوطه، ونرجوك احترم عقولنا وعندما تصدر التصريحات فيجب أن تكون ذات مصداقية وأن لا تكذبها ممارسات أجهزتك الأمنية.

ليست هناك تعليقات: