عرضت فضائية الجزيرة قبل فترة تقريرًا عن معهدٍ
في السودان متخصص بتحويل اللغات الأفريقية للكتابة بالأحرف العربية، وبالرغم من اهتمام
الكثير من المسلمين بتعلم القرآن الكريم واللغة العربية؛ إلا أننا نعاني من مشكلة
في أكثر الدول الإسلامية فبعد أن كانت اللغات المحلية تكتب بالحرف العربي لقرون
عديدة، فإنها ومع قدوم الاستعمار وبتأثير منه تحولت الكثير من اللغات الإسلامية
لتبني الحرف اللاتيني أو حتى الأحرف السريلية (التي تكتب بها اللغة الروسية).
وإذا استثنينا اللغة التركية التي تبنت الحرف
اللاتيني بقرار فوقي من أتاتورك، فأغلب اللغات تحولت نحو الحرف الغربي بحكم
التأثير الغربي، ومن أمثلة ذلك لغة الملايو في إندونيسيا وماليزيا وجنوب شرق آسيا،
واللغة الصومالية التي تحولت نحو الحرف اللاتيني في سبعينات القرن الماضي.
وتنسحب نفس الظاهرة على اللغة البوسنية، واللغة
الأذرية، وأغلب لغات الشعوب الإسلامية في آسيا الوسطى والتي تحولت للحرف السريلي
بتأثير من الحكم السوفياتي، واللغة السواحيلية والهوسا والفولاني وغيرها من اللغات
الأفريقية التي باتت تكتب بالحرف اللاتيني.
والكتابة بالحرف العربي لها أهمية بالغة من عدة نواحي: فهي تعبير عن التحرر من الاستعمار الغربي، وخطوة ضرورية إذا كنا نريد انتشارًا أوسع لتعلم القرآن واللغة العربية في هذه الدول، وبالتالي زيادة الوعي الديني، ومن زار مثل هذه الدول لا بد أنه أحس مدى ضعف الوعي الديني المرتبط بعدم إتقان اللغة العربية، وتعلم العربية بكل تأكيد سيكون أسهل لو كانت اللغة الأم (للمتعلم) تُكتَب بأحرف عربية.
وأخيرًا إذا كنا نريد أن نعيد دور اللغة العربية
كلغة للتواصل العالمي، أو على الأقل لغة تواصل بين المسلمين، فالعودة لكتابة
اللغات الإسلامية بالأحرف العربية خطوة ضرورية ولا بد منها.
وتعتبر طاجكستان الدولة الوحيدة التي فيها قرار
رسمي بالعودة للحرف العربي مع ذلك فما زال الحرف السريلي يستخدم (وعلى نطاق واسع) بكتابة
اللغة الطاجيكية في الحياة اليومية.
أما باقي الدول فهنالك مبادرات عدة محلية وبجهود
متواضعة نحو تعريب حروف الكتابة سواء في إندونيسيا أو ماليزيا أو أفريقيا أو آسيا
الوسطى، وما جهود معهد كتابة اللغات الإفريقية بالحرف العربي (الذي تكلم عنه
التقرير) إلا مثال على ذلك.
إلا أننا لم نر حتى الآن جهودًا واسعة النطاق
تدفع الناس لتبني الحرف العربي، وهذا بحاجة لإمكانيات واسعة، نحتاج لطباعة صحف
ومجلات دورية تكتب بالحرف العربي وتوزع على نطاق واسع، ونحتاج لإعداد برامج ومعايير
لاستخدامها في البرمجيات لكتابة هذه اللغات بالحرف العربي، ويمكن استغلال الانترنت
للمساعدة بنشر هذه المبادرات، كما أن وجود فضائيات بهذه اللغات تتبنى الحرف العربي
يساعد وبشكل كبير.
كم من أثرياء العرب أنفق على مثل هذه المشاريع؟
كم من الدعاة العرب عمل على تطبيق مثل هذه الأفكار؟ كم من الشباب العربي فكر بإطلاق
مثل هكذا مبادرات؟ لماذا تنحصر اهتماماتنا بقضايا مكررة ومستهلكة؟
كم من الأموال تنفق على فضائيات للقرآن الكريم،
لماذا لا يحول جزء من هذه الأموال لدعم فضائيات تروج للحرف العربي (حرف القرآن
الكريم)؟ في النهاية هي خدمة للقرآن ولمن يريد تعلمه من غير المسلمين. ولا أوجه
كلامي لأصحاب الفضائيات الهابطة لأن أصحابها آخر ما يهمهم هو رفعة اللغة العربية
ولغة القرآن الكريم، فلا يوجد بيننا قواسم مشتركة لأوجه لهم النداء.
إنما ندائي هو لكل غيور على هذا الدين، ولكل من
يريد ويتمنى أن يصبح القرآن الكريم جزءً من حياة كل مسلم، وإن كنا نحن أصحاب اللغة
نواجه مشاكل بقراءة القرآن فضلاً عن فهمه وحفظه واستيعابه، فما بالكم بمن لا يتقن
الحرف العربي ويحتاج لتعلمه من الصفر؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق