السبت، 4 فبراير 2012

الربيع العربي هل يواصل انتشاره؟ وما هي المحطة التالية؟ (2)


الجزء الثاني

 الأردن والسعودية والكويت




نواصل تقييم الموقف في عدد من الدول العربية التي قد تكون مرشحة لحصول تغييرات في المرحلة القادمة.

الأردن:



انطلقت التحركات الشعبية في الأردن منذ بدايات عام 2011م، وأتت في ظل توتر متصاعد بين الحركة الإسلامية والنظام، بدأت مع معاهدة وادي عربة عام 1994م وبلغت ذروتها في الأعوام القليلة الماضية.


إلا أن النظام الأردني يجيد لعبة احتواء الغضب الشعبي منذ سنوات طويلة، ومستعد للإنحناء في وجه العاصفة حتى تنقضي، كما أنه يحسن اللعب على وتر الانقسام الأردني الفلسطيني داخل المجتمع الأردني، حيث بنى له قاعدة شعبية قوية مستعيناً بالعصبية الجهوية والمناطقية.



فحاول أنصار النظام تصوير التحركات الشعبية بأنها تحركات فلسطينية من أجل الاستيلاء على البلد وإقامة وطن بديل للفلسطينيين، وبالرغم من استمرار محاولتهم اللعب على هذا الوتر.


إلا أن التحركات الشعبية استمرت بثبات وقوة مع ارتفاع سقف مطالبها، وذلك لسببين رئيسيين: من يتصدر هذه التحركات (عكس السنوات السابقة للربيع العربي) هم من أصول أردنية وأبناء عشائر فيما بقي الفلسطينيون في الصفوف الخلفية (وهو تصرف ذكي في هكذا وضع)، والسبب الآخر هو أن سبب الشقاق بين الشارع الأردني والحركة الإسلامية وبين النظام هو علاقة النظام بالكيان الصهيوني، ولا يعقل أن من يناهض هذه العلاقة سيكون سبباً في قيام الوطن البديل.


فنحن نقف أمام وضع لم يتطور إلى ثورة شعبية لأن النظام يرتكز إلى قاعدة شعبية وعصبية تقويه في وجه المعارضة، ولأنه لم يستخدم القوة المفرطة في مواجهة المعارضة وفضل تقديم التنازلات بما فيه إقالة رؤساء الوزراء وحل البرلمان وإعادة أراضي دولة أخذها الملك في السنوات السابقة.


وفي المقابل ما زال الاحتقان موجودًا نظرًا إلى أن الإصلاحات لم تترجم إلى شكل ملموس، وأولها إصلاح القانون الانتخابي ووقف تدخل المخابرات في الحياة اليومية والسياسية، ويتوقع أن تبقى الأمور معلقة إلى الانتخابات القادمة، فإما يتم إصلاح قانون الانتخابات وتجري الانتخابات ويتجاوز الأردن خطوة حقيقية نحو الإصلاح، وإما أن يتم تفريغ عملية تعديل قانون الانتخابات من مضمونها، وعندها سيفقد الشارع الأردني صبره ويتجه نحو الصدام.


السعودية:


شهدت السعودية في بدايات عام 2011م محاولات لتكرار تجربة الربيع العربي، وتحديدًا في الرياض، فكانت هناك محاولات خجولة للتظاهر؛ مثل مظاهرة نسائية طالبت بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، ومظاهرة خرجت من أحد المساجد سرعان ما أجهضتا وألقي القبض على المشاركين في كلتا المظاهرتين.


كما شهدت نهاية العام الماضي وبداية هذا العام مواجهات في المنطقة الشرقية، حيث تكثر الأقلية الشيعية، وهي مواجهات أخذت طابعًا مذهبيًا في محاولة من إيران ومؤيديها لارباك النظام السعودي في ظل تصاعد التوتر بين إيران وأمريكا وحلفائها.


أما النظام فيراهن على هدوء الوضع الداخلي واستخدام المؤسسة الدينية لفرض سيطرته، وتخويف الناس من الشيعة، وتصوير الوضع وكأنها مؤامرة شيعية، كما يراهن على الوضع الاقتصادي الجيد نسبياً للمواطن السعودي (مقارنة بمصر وتونس طبعاً وليس مقارنة بأوروبا وأمريكا).


وبهذا يكرر النظام خطأ من سبقوه من أنظمة عندما يظن أن بإمكانه عدم تقديم أي إصلاحات جذرية (أو حتى شكلية) وأن السعودية "غير"، وأن مجرد رفع الرواتب أو تسويق روايات عن مؤامرة خارجية، يمكن أن يسكت الناس وأن تجتاز البلد "الأزمة" بسلام.


أقدم النظام على خطوات إصلاحية بخصوص حقوق المرأة ومشاركتها بالانتخابات البلدية، ويحاول إلغاء منع قيادتها للسيارات، لكنها إصلاحات دوافعها أيديلوجية من بعض المحيطين بالملك السعودي، ولا تهدف لإحداث إصلاح وتغيير حقيقي في النظام السياسي.


الهدوء خادع والناس في السعودية تتكلم وتسأل لماذا تستأثر عائلة واحدة بالنفوذ والقوة والثروة، ولماذا نسمي أنفسنا بلداً إسلامياً وهنالك تغاضي عن مفاسد أخلاقية وهبوط قيمي لدى بعض فئات المجتمع يتم التستر عليها رسمياً، ولماذا توجد جيوب للفساد بمناطق وجود الغربيين.


ما يجهله الكثيرون أن الناس لا تثور بسبب الفقر، لكن تثور عندما تشعر بالظلم، الناس قد تسكت على الفقر إن أحست بالعدل، لكنهم لا يسكتون على سرقة حقوقهم حتى لو كانوا أغنياء ولا يحتاجون لما سرق منهم، وهذه المعادلة البسيطة لم يفهمها النظام السعودي.


على المدى القريب لا يبدو أن الوضع في السعودية سيتغير، لكن حالة التفكير والغليان تحت السطح موجودة وقد تنفجر بأي لحظة في وجه النظام، الذي يبدو مصراً على عدم تعلم الدرس من غيره.


الكويت:


تشهد دولة الكويت عملية إصلاح متواصلة منذ انتهاء حرب الخليج الأولى عام 1991م، لكن وعلى عكس النموذج المغربي فعملية الإصلاح لا يحركها رأس النظام، بل مجلس الأمة الكويتي المنتخب، أي تتم عملية الإصلاح من الأسفل إلى الأعلى.


يقارع السياسيون الكويتيون من التيار الإسلامي والمعارضة النظام بشكل مستمر، واستطاعوا خلال السنوات العشرين الماضية انتزاع عدة إنجازات على صعيد حرية التعبير والمشاركة باتخاذ القرار ومكافحة الفساد.


الاستجابة المتكررة للنظام لضغوط المعارضة ومجلس الأمة، كان كفيلاً بحصر الصراع في إطار سلمي إلى حد كبير، وعندما اقتحم المتظاهرون مجلس الأمة وطالبوا بعزل رئيس الوزراء، كانت الاستجابة من رأس الحكم الكويتي.


وجاءت نتيجة الانتخابات فوزاً غير مسبوق للمعارضة والتيار الإسلامي، وهذا يعطي مؤشراً بأن التغيير ممكن أن يتم من خلال العملية السياسية، فمن استطاع أن يفرض رأيه وهو أقلية بكل تأكيد سيفرضها وهو أغلبية كاسحة.


ونتوقف هنا أمام مفارقة فالانتخابات السابقة عام 2009م أتت بعد مواجهة وتصعيد بين المعارضة والسلطة التي سمت نواب المعارضة بنواب التأزيم، وكان من نتيجة ذلك أن خسرت المعارضة الانتخابات، أما انتخابات هذا العام فأتت بعد مواجهة وتصعيد أكثر حدة مع ذلك فحصدت المعارضة نجاحاً كاسحاً، وهذا لا يمكن تفسيره إلا بأثر الربيع العربي على الشارع الكويتي.


إذا استمرت الأمور على هذا النسق والوتيرة فمن الممكن أن نرى رئيس وزراء من خارج العائلة الحاكمة، وأن نرى حكومة يشكلها مجلس الأمة وليس الأمير، فعجلة التاريخ انطلقت وليس من مصلحة النظام الوقوف بوجهها.


في الختام:


اختلفت درجة تجاوب الأنظمة في الدول الست التي درسناها، ما بين من استبق الأحداث وقرر البدأ بعملية إصلاحية كما في المغرب والأردن والكويت، وبين نظام منقسم على نفسه بخصوص الإصلاح كما في الجزائر، وبين من يعتبر أن الموجة لن تمسه وأنه محصن بما فيه الكفاية كما في السعودية والسودان.


ومثلما قلنا بالجزء الأول الثورة بحد ذاتها ليست مطلباً بل الإصلاح وتحصيل الحقوق، والمغرب والأردن والكويت وإلى حد ما الجزائر تملك فرص طيبة للوصول إلى النتيجة المرجوة من الثورات بدون المرور بمخاض الثورة الدموي. ثورة سلمية على شكل اصلاحات متتالية قد تمتد لعدة أشهر أو سنوات.


وفي المقابل فإن النظام في السودان والسعودية يغلق كل أبواب الإصلاح، وإن كانت الفرصة ما زالت متاحة لتصحيح المسار، لكن كما يبدو فالنظامين لا يريدان استغلال الفرصة، وسيضيعانها كما ضيعها من قبلهما، والسؤال متى يحدث الانفجار؟ قد يحصل بعد أسابيع أو أشهر أو سنوات، لكن الأكيد أنه قادم لا محالة ما لم نشهد إصلاحات حقيقية.

ليست هناك تعليقات: