الأحد، 5 فبراير 2012

أزمة السلطة المالية هل تطيح بفياض أم السلطة؟




تصاعدت في الأسابيع الأخيرة الحركات الاحتجاجية بالضفة الغربية، بعد أن كانت مقتصرة لأكثر من عام ونصف على أهالي المعتقلين السياسيين من حركة حماس، فتوسعت دائرة الاحتجاج والاعتراض لتشمل كافة ألوان الطيف الفلسطيني سياسيًا واجتماعيًا.


بدأنا نرى اعتصامات شبه دورية أمام مقر المقاطعة في رام الله وفي نابلس احتجاجًا على المفاوضات الاستكشافية بين السلطة والاحتلال، مما يعكس استياءً متزايدًا في صفوف الشعب الفلسطيني من المسار السياسي للسلطة وإصرارها على التفاوض مع الاحتلال بغض النظر كان هنالك نتيجة أم لم تكن هنالك نتيجة.


إلا أن الاحتجاجات الأوسع والتي بدأت تأخذ منحنى تصاعدي فهي الاحتجاجات على الوضع الاقتصادي وسياسة فياض المالية والتعديلات على قانون ضريبة الدخل والتي يحاول فرضها منذ حوالي العام، ورفع المتظاهرين في طولكرم ورام الله ونابلس والخليل لافتات تحتج على الضرائب، وتطالب صراحة برحيل فياض.


اللافت في هذه الاحتجاجات أن عدد المشاركين فيها يزداد، وقد شارك السبت الماضي المئات في مدينة الخليل بالمسيرة المنددة بفياض، بالرغم من قرار عباس بتعليق العمل بقانون الضريبة المعدل، وهذا يعني بأن المشكلة بالنسبة للناس لا تنحصر بالقانون، فهو مجرد الشرارة التي أطلقت الحراك.


كما من اللافت للنظر إلى أن المشاركين بهذه الاحتجاجات ينتمون لكافة الأطياف السياسية الفلسطينية من حركة فتح إلى حماس إلى اليسار إلى مواطنين عاديين لا يتدخلون عادة بالسياسة.


وبالرغم من التحالف المتين بين محمود عباس وفياض، والذي منع فتح من التمرد على فياض بأكثر من مناسبة، إلا أنه فشل بوقف الحراك الشعبي هذه المرة، وفشل بمنع مناصري فتح من المشاركة بالاعتصامات، وذلك نظرًا إلى أن عناوين وشعارات الاعتصامات تمس الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني مما جعل من الصعب على فتح أن تقف بمواجهة المجتمع الفلسطيني ككل، ودفعها لركوب الموجة مع الراكبين.


ولعل مشاركة مؤيدين لفتح واليسار بهذه الاعتصامات دفع البعض للاعتقاد بأنها محاولة لامتصاص غضب الشارع، وهذا سيكون صحيحاً فيما لو كان الشارع من قبل هائجًا والوضع خارج السيطرة، لكن الواقع كان العكس تماماً فالشارع كان هادئاً هدوء القبور، (باستثناء اعتصامات محدودة لمؤيدي التيار الإسلامي وفي فترات متباعدة)، ومع اندلاع الحركة الاحتجاجية على الوضع الاقتصادي تشجع الناس وأصبحوا يشاركون، والكثير من غير المنتمين أو مؤيدي حماس الذين يخشون من المشاركة بفعاليات تدعو لها حماس أو جهات مقربة منها، تشجعوا وخرجوا مع هذه المظاهرات والاعتصامات المطلبية في شكلها والسياسية في جوهرها.


والوضع في الضفة الغربية تحديدًا هو شديد التعقيد، ولا يمكن مقارنته بما يحصل في الدول العربية، فهنالك من ناحية الاحتلال الصهيوني الذي بلع أكثر من ثلثي أراضي الضفة الغربية والاستيطان الذي يتوسع بشكل حثيث، وهنالك السلطة التي قررت موادعة الاحتلال بحجة إعطاء التنمية الاقتصادية الفرصة.


وكان سلام فياض عراب التنمية الاقتصادية التي لم ير المواطن الفلسطيني شيئاً منها، وبدلاً من أن يعد بمراجعة سياسته الاقتصادية ألقى فياض اللوم على الشعب الفلسطيني وقرر أن الحل يكمن بالمزيد من تحصيل الضرائب. كما قرر فياض تحميل المواطن الفلسطيني عبئاً إضافياً بدلاً من معالجة أصل المشكلة.


المواطن في الضفة الغربية يدفع ضرائب تساوي تقريباً ما يدفعه المستوطن الصهيوني لدولته، سواء كان على مستوى ضريبة القيمة المضافة أو ضرائب المحروقات وغيرها من الضرائب المختلفة، وفي نفس الوقت فدخله السنوي لا يصل إلى 10% من دخل المستوطن الصهيوني. بمعنى يدفع نفس الالتزامات المالية تقريباً فيما دخله لا يتحمل كل هذا العبء ولا يرى أيضاً خدمات تتناسب مع ما يدفعه من ضرائب.


ويعود هذا التناقض إلى اتفاقية أوسلو وملحقها الاقتصادي (اتفاقية باريس الاقتصادية)، الذي ربط الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة باقتصاد الاحتلال الصهيوني ضمن إطار وحدة جمركية، وأصبح ممنوعٌ على السلطة خفض الضرائب إلا بهامش ضئيل جداً، وهذا لا يعني الإثقال على المواطن الفلسطيني فحسب، بل يعني أيضاً هروب الاستثمارات وتباطؤ الإنتاج داخل الأراضي الفلسطينية.


كما أن اتفاقية أوسلو تعني تحكم الاحتلال بالمعابر والاستيراد والتصدير بالضفة والقطاع، ويضع قيوداً رهيبة على الاستيراد والتصدير بحجة الأمن، مما جعل قيام أي تنمية اقتصادية أمراً مستحيلاً.

في ظل هذا الوضع اقتصر دور السلطة على الوساطة بين المانحين والشعب الفلسطيني، وصرف الرواتب والمخصصات على موظفيها ومؤيديها، فلا تستطيع تقديم أي خطة تطوير اقتصادي حقيقية.


والأزمة المالية التي تعاني منها السلطة موجودة منذ سنوات، وصدرت تحذيرات للسلطة من الجهات المانحة والمالية منذ عام 2005م بخصوص تضخم انفاق السلطة بلا داعي وبدون أن يكون هنالك تحصيل يغطيه، وعندما استلمت حكومة هنية عام 2006م كان يوجد على السلطة ديون مقدارها مليار ونصف المليار دولار غالبيتها ديون للبنوك المحلية.


وحتى نكون في صورة الوضع المالي للسلطة فيجب الإشارة إلى أن السلطة تستخدم إيرادات ضريبة القيمة المضافة والجمارك وضريبة الدخل لتغطية رواتب العاملين فيها (بما فيه المستنكفين في قطاع غزة وما يسمى بتفريغات عام 2005م)، ومخصصات فصائل منظمة التحرير والسفارات الفلسطينية ومؤسسات المنظمة في لبنان وغيرها من أماكن تواجد المنظمة.


كما تستعين بالأموال التي تقدمها الدول العربية من أجل دعم الموازنة العامة، والتي تذهب بشكل أساسي إلى رواتب الموظفين.


فيما تستخدم الأموال القادمة من الدول المانحة للأنفاق على المشاريع المختلفة من تعبيد الطرق إلى بناء المدارس، وبالرغم من ذلك فقد تراكمت الديون على حكومة فياض لما يصل إلى ملياري دولار.


والناس تتساءل أين تذهب كل هذه الأموال؟ وبدلاً من أن يقدم فياض أجوبة حقيقية قرر الهروب إلى الأمام، وقرر تعديل قانون ضريبة الدخل (بدون الرجوع للمجلس التشريعي المعطل) وذلك بهدف زيادة تحصيل الضرائب، حيث أن ضريبة الدخل هي نوع الضريبة الوحيد الذي يسمح للسلطة برفعه وخفضه بدون قيود.


فياض ألغى إعفاء المزارعين من ضريبة الدخل، وزاد الضريبة المفروضة على الشركات (مما يعني هرب الاستثمارات الشحيحة أصلاً)، وزاد الضريبة المفروضة على مكافأة نهاية الخدمة ورواتب التقاعد، وقرر فرض ضريبة دخل على العاملين في مجال العقارات (سواء بيع وشراء أو الإنشاءات) متجاهلاً أنهم يدفعون أصلاً ضريبة أملاك وضريبة قيمة مضافة على مواد البناء، وفي مقابل ذلك خفف بشكل طفيف الضرائب المفروضة على رواتب الموظفين.


كان قانون ضريبة الدخل بمثابة الشرارة التي حركت الشارع، وقد تم تعليق تطبيقه مرتين بتدخل من محمود عباس من أجل احتواء غضب الشارع، لكن في المرة الثانية لم تتوقف الاحتجاجات، مما يجعلنا نتساءل: هل ستتصاعد وتصل لحد المطالبة بالإطاحة بكل السلطة الفلسطينية وليس فقط سلام فياض؟ أم هي مجرد موجة عابرة؟


الشعب الفلسطيني مستعد لتحمل حياة اقتصادية صعبة، لكن عندما يرى ضرائب تفرض عليه وبشكل متصاعد، ويرى في نفس الوقت أن الاحتلال يتحكم بهذه الأموال ويضع الشروط من أجل الإفراج عنها، ويرى في نفس الوقت سلام فياض وهو يسرح الموظفين الموالين لفتح بشروط تقاعد سخية (على حساب خزينة السلطة)، ويرى في نفس الوقت سلام فياض وهو يعين المئات من مؤيديه وبعقود استشارية خاصة تصل لعدة آلاف من الدولارات شهرياً للمستشار الواحد، وعندما يرى أفقاً سياسياً مسدوداً تصر السلطة على السير فيه، فهنا يبدأ بالتساؤل: ما الذي جنيناه من فياض؟ وما الذي جنيناه من السلطة؟


هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

للأسف لم يجني الشعب من هكذا سلطة سوى الإنحدار وغلبة الإحتلال ومزيد من التضييق وكأن المواطن الفلسطيني لا يكفيه ويلات الإحتلال حتى تزيده السلطة إنتكاسات وأثقالا على كاهله والسلطة ما هي إلا أداة في يد الإحتلال يوجهها كما شاء وهي مرآة تعكس أنظمة إستبدادية تخلصت منها الشعوب
نسأل الله أن يفرّج عن الشعب الفلسطيني كما فرج على الشعوب العربية وأن يجعل لهم مخرجا..اللهم آمين

ياسين عز الدين يقول...

صحيح أخي الكريم فبدلاً ان تكون السلطة عوناً للشعب الفلسطيني كانت عبئاً إضافياً عليه.

بوركت وشكراً لك.