الاثنين، 13 فبراير 2012

اتفاق الدوحة: انجاز مهم أم تنازلات مجانية؟




فاجأت اتفاقية الدوحة الكثيرين، نظرًا للاختراق السهل (ظاهرياً) وغير المتوقع إطلاقاً، والمتمثل بموافقة حماس على تولي محمود عباس مهام رئيس الوزراء في الفترة الانتقالية، وهو تنازل كبير من جانب الحركة بكل المعايير.


وإذا وضعنا الخلاف حول صلاحية اتخاذ القرار داخل حماس جانباً، فما هي دلالات هذا التنازل؟ وإلى أين سيوصلنا؟ وهل هي خطوة شجاعة من جانب حماس للسير قدماً في عملية المصالحة أم أنه تنازل مجاني لصالح محمود عباس ومشروع التسوية؟


كان اختيار رئيس الوزراء العقبة الأساسية أمام التقدم بالمصالحة خلال الشهور الماضية، وحاول الطرفين الالتفاف عليها وحل بعض القضايا مثل الاعتقال السياسي والجمعيات المغلقة وأعضاء فتح الهاربين إلى مصر والبدء بإعادة بناء منظمة التحرير؛ إلا أنه لم يحصل تقدم كبير وجوهري وبقيت الأمور على ما هي عليه تقريباً.


وتأجل بحث رئاسة الوزراء بطلب من عباس إلى ما بعد شهر كانون ثاني، وذلك لاعتبارات تتعلق بمفاوضاته الاستكشافية، إلى أن حصل الاختراق وقبلت حماس بتسوية موضوع رئيس الوزراء، كم تم الاتفاق على باقي الأمور العالقة.


لماذا عباس رئيساً للوزراء؟ لأن الكيان الصهيوني والرباعية الدولية وعلى رأسها أمريكا، يرفضون أي شخصية لا يعرفونها جيداً، فأي مستقل لن يقبلوا به، وأي شخص قريب من حماس بكل تأكيد سيكون مرفوضاً.


وإن لم يرضَ الصهاينة والأمريكان برئيس الحكومة المقبلة، فسيعود الحصار ليفرض على السلطة وفي الضفة والقطاع معاً، وبما أن فياض مرفوض لدى حماس فلم يبقَ إلا عباس لاختياره.


هل اختزلت القضية الفلسطينية بالرواتب وتسيير الحياة اليومية؟ بكل تأكيد لا، فالتنازل عن رئاسة الوزراء لا يعني التسليم بسياسة عباس والسلطة، والقضية الفلسطينية أكبر من مجرد تسيير الحياة اليومية والإدارات الحكومية، والحكومة التي سيرأسها عباس ستكون مؤقتة ولتسيير الأعمال حتى تجري الانتخابات.


وماذا لو فازت حماس بالانتخابات مرة أخرى؟ هنالك من يراهن على خسارتها للانتخابات لذا فهو متحمس لها، وهناك من يخشى أن تفوز لذا فهو يتمنى أن تمتد الفترة الانتقالية إلى ما لا نهاية.

وفي حال عقدت الانتخابات وفازت بها حماس مجدداً فهنا سيكون موقف الحركة أقوى أمام الرباعية الدولية وأمريكا، وفي ظل ربيع عربي وجامعة عربية أكثر فعالية، سيكون من الصعوبة تكرار فرض العقوبات مرة أخرى (مع عدم استبعاد اقدام الاحتلال على ذلك).


ما الذي خسرته حماس بالتنازل عن رئاسة الوزراء؟ الكثيرون يقولون أنها خسرت حق تمثيل الشعب الفلسطيني (في الضفة وغزة)، وبالتالي خسرانها الحق بالتعبير عن تطلعاته ورغباته، وفي المقابل يمكن القول أن حكومة غزة كان التعامل معها في أضيق الحدود، وحتى الدول التي استقبلت هنية تتعامل من الناحية الرسمية مع حكومة رام الله وتعتبرها الممثل الرسمي للسلطة.


كما من الضروري الإشارة إلى أن السلطة والحكومة لا تمتلك مقومات الدولة الحقيقية، فالسيادة منتقصة فيما الأعباء الملقاة على عاتق الحركة كبيرة جداً، وحتى بعدما خفت حدة الحصار المفروض على غزة وحكومة غزة بقي العبء كبيراً.


بالتالي يمكن القول بأن ما تخسره حماس قليل، بالمقارنة مع المكاسب المنتظرة الأكبر والأهم، فالشعب الفلسطيني بكافة أطيافه استنزف نتيجة سنوات من الاستنزاف، والمشروع الوطني الفلسطيني تضرر كثيراً ولم يعد مواجهة الاحتلال هو الهم الأول، ووضع حماس في الضفة الغربية كان سيئاً للغاية طوال السنوات الخمس الماضية.


ما هي المخاطر الناجمة عن هذه الخطوة؟ بداية لا بد من الإشارة إلى أن الوضع الحالي ليس مريحاً لا لحماس ولا لفتح ولا لعموم الشعب الفلسطيني، وفي ظل التوسع الاستيطاني وتهويد القدس المتوالي والحصار المباشر وغير المباشر المفروض على الضفة والقطاع، والمقاومة في الضفة تتعرض لملاحقة متتابعة لا تقتصر على مؤيدي حماس، فبالتالي استمرار الوضع الحالي هو مخاطرة بحد ذاتها.


أكبر خطر يأتي من اتفاق الدوحة ككل، هو تحول الفترة المؤقتة إلى دائمة (مثل المفاوضات المزمنة التي تخوضها المنظمة مع الاحتلال منذ أكثر من عشرين عاماً)، كما أنه يخشى من أن تتهرب فتح والسلطة من التزاماتها بعد أن قدمت حماس كل ما لديها.


كما توجد عقبة الانتخابات فهل ستتوفر الأجواء اللازمة لإجرائها (وأولها اطلاق سراح المعتقلين السياسيين)؟ وهل سيسمح الصهاينة بإجرائها؟ وهل سيقبل العالم بنتائجها؟ كلها عقبات ممكن أن تنفجر أو أن تعطل كل شيء وتديم الفترة الانتقالية وتحولها إلى مرحلة دائمة.


وهناك عقدة مواجهة الاحتلال والتي يخشاها محمود عباس، وفضل تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات، لكن في النهاية الاحتلال لن يسكت على أي مشروع وطني فلسطيني، وعند لحظة معينة سيحصل الصدام، فهل عباس مستعد لهذه اللحظة؟ أم سيستمر بالتأجيل والمماطلة وعدم الحسم؟ وهل لحماس خطة بديلة فيما لو مارس عباس وفتح سياسة المماطلة والتسويف (وهذا احتمال وارد للغاية).


كما يخشى البعض أن تعمد الحكومة الجديدة لإقصاء الموظفين المحسوبين على حماس في غزة (كما فعلت حكومة فياض في الضفة)، وربما تفكر بتفكيك البنية العسكرية للقسام، وكله تحت شعار التوافق والحكومة الموحدة، وبعدها تنقلب فتح والسلطة على حماس فتخسر الحركة كل شيء.


لكن هذه المخاوف تتبدد في ظل أن حماس عندما تنازلت كانت في موقف قوة، وجهازها العسكري اليوم من القوة بمكان بحيث لا يمكن اجتثاثه، وبالتالي لو فكر عباس بالمضي قدماً في هذه السياسة فلدى الحركة خط دفاع أخير، وهي القوة العسكرية المجردة، وقد سبق وأن استخدمته سابقاً وبنجاح.


وماذا بعد؟ الأمور تعتمد في المدى القصير على ردة فعل فتح والسلطة، واستعدادهم لتنفيذ الالتزامات المفروضة عليهم، وبالتالي المضي قدماً نحو انتخابات التشريعي، ونحو إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطيني.


أما الاحتلال فهو راضٍ بالأمر الواقع ما دام التنسيق الأمني مستمراً، وما دامت السلطة مدجنة وأليفة. وفي حال مضت المصالحة قدمًا فسيتخذ إجراءات انتقامية ووقتها ستندلع مواجهة بينه وبين الشعب الفلسطيني، لكن كيف شكل المواجهة ومستوى حدتها؟ من الصعب التنبؤ بذلك.


الملخص: ما زالت المصالحة عبارة عن اتفاقيات متتالية، لم تنعكس على الأرض، وتنازل حماس في اتفاق الدوحة عن رئاسة الوزراء يأتي ضمن رزمة كاملة، وعند التطبيق إن أخلت فتح يمكن لحماس أن توقف التنفيذ، وهنا استوقفني تصريح لخليل الحية بأن الحركة ملتزمة باتفاق الدوحة، وتعيين عباس رئيساً للوزراء يستدعي تعديل القانون وهذا غير ممكن في ظل استمرار تعطيل فتح لجلسات التشريعي.


وتطبيق المصالحة متعلق بتصرف فتح وأجهزتها الأمنية إلى حين إجراء الانتخابات، وفي حال أجريت فما يحكم التطورات هو رد فعل الاحتلال، وفي حال لم تجر الانتخابات فالأمور معلقة على ردة فعل حماس وخططها البديلة.


تطرح اتفاقية الدوحة أسئلة أكثر مما تطرح إجابات، حاولنا عرضها واستعراضها، ونترك الإجابات للأيام.

ليست هناك تعليقات: