السبت، 27 يناير 2018

هل مقاومو علار "أغبياء"؟


يستند المشككون في قيام مقاومين بزرع العبوات الناسفة في بلدة علار، على أن طريقة الزراعة مكشوفة والشارع ليس خط سير لمستوطنة أو قاعدة عسكرية.

بداية نحن لا نملك كل الحقائق لكي نجزم بنظريات محددة، لكن الحقيقة الوحيدة التي نحن متأكدون منها هي أنه لا أحد يلجأ لأسلوب زراعة العبوات الناسفة الكبيرة وبهذه الطريقة سوى المقاومة الفلسطينية.

هذه حقيقة لا يمكن التشكيك بها انطلاقًا من تاريخ خمسين عامًا من الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية؛ لا توجد عصابات تستخدم هذا الأسلوب، ولا يوجد نشاط مسلح للجماعات التكفيرية مثل داعش وغيرها، ولا عصابات المستوطنين (تدفيع الثمن) تجرؤ على الدخول بعيدًا إلى داخل المناطق الفلسطينية لتنفيذ عملياتها الانتقامية.

فأي تحليل لهذا الحدث يتجاوز الحقيقة الوحيدة الثابتة لدينا، نافيًا أي علاقة للمقاومة في العبوات، فهو لا يعدو عن كونه ضرب في المندل أو مسلسل خيال علمي.

الزعم بأن طريقة الزراعة مكشوفة ينقضه شهادات الناس بأن الحفر موجودة في الشارع منذ شهر تقريبًا، وطوال هذه المدة لم يشك بها أحد، وفقط بالأمس بعد الفيضانات والأمطار انكشفت بعض العبوات وعرف بها الجميع.
 
وهذا طبيعي فكل شوارعنا الفلسطينية العظيمة فيها حفر ومطبات، فالغريب هو أن تجد شارعًا بلا حفر ولا مطبات، فوجود حفر على جانب الشارع لا يستدعي الانتباه، فهي من الديكور اليومي الذي ألفناه.

ولا أحد يعرف متى زرعت العبوات، هل زرعت عند حفر الحفر قبل شهر، أم أنها زرعت بعد حفرها بمدة؟ ربما زرعت قبل يومين، لا أحد يعرف.

أما بالنسبة لاختيار الشارع الذي يراه الناس اختيارًا غريبًا، فهنالك عدة مواصفات تجعلني أتفهم لماذا اختاروه:

أ- الشارع تستخدمه قوات الاحتلال في الاقتحامات الليلية للبلدات والقرى المجاورة، وغالبًا ما يكون الاقتحام على شكل قافلة سيارات عسكرية مع شاحنة الاعتقالات، ونتكلم عن خمس إلى ست سيارات على الأقل.

وهذا ربما يفسر العدد الكبير للعبوات، حتى تستهدف أكبر عدد ممكن من سيارات القافلة، ورغم كبر حجم العبوات إلا أنه نظرًا لتصفيح الآليات ووسائل الحماية المختلفة التي يلبسها الجنود، فهذه العبوات بالكاد تكفي لإحداث خسائر بشرية في القافلة فيما لو نجحت العملية.

ب- المنطقة نائية وغير محمية بكاميرات مراقبة، مما يعطي أريحية كبيرة في الحفر والزراعة والتمديدات، عكس الطرق الاستيطانية المزروعة بكاميرات المراقبة ودوريات المراقبة.

ج- استهداف الدوريات العسكرية ليلًا يعني خلو الطريق من السيارات الفلسطينية وهكذا يضمنوا أن الاستهداف لن يصيب فلسطينيين عن طريق الخطأ.

د- مجرد أن المنطقة غير متوقعة هي أفضلية للمقاومين، لأن جيش الاحتلال لا يتوقع حصول عملية فيها، وبالتالي تكون احتياطاته غير كاملة.

وإحدى أساسيات الحرب الذكية هي أن تهاجم الخصم في نقاط ضعفه، وفي الأماكن التي لا يتوقع أن تهاجمه فيها.

د- لا يدرك الكثيرون أن مثل هذه العمليات، تحتاج لرصد المنطقة على مدار أسابيع طويلة وربما أشهر، ولولا أن الراصد حدد أهدافًا معقولة للجيش في المكان لما ساروا بالخطة قدمًا.

وأخيرًا: من سمع قصص الأسرى وخططهم وعملياتهم، فأكيد سيسمع خططًا وعمليات نفذها المقاومون أكثر غرابة من هذه العملية.

وللعلم ليست المرة الأولى التي يخطط فيها مقاومون لاستهداف دوريات تسير في شوارع فلسطينية نائية، وأحيلكم لما كتبه الأسير القسامي محمد عرمان في كتابه "نظرة للمقاومة من الداخل"، وتكلم فيها عن عبوة عمل على زراعتها في شارع فرعي، تأتيه دوريات عسكرية على فترات متباعدة.

وكانت العبوة على شكل تلفاز تالف يتم إلقاؤه على قارعة الطريق، ولم تنجح العملية بسبب تسرع أحد أعضاء الخلية وتفجيرها قبل أن تمر الدورية، وألغيت بعدها الفكرة تمامًا.

في الختام:


بغض النظر عن الأخطاء أو الملاحظات التي يمكن الإدلاء بها حول أداء المقاومين الذين زرعوا هذه العبوات، فلا يوجد أي أساس للتشكيك بدوافع غير المقاومة، فلا توجد أية أسبقيات تدعم مزاعم المشككين، ولا الظروف مشبوهة كما يزعمون.

ليست هناك تعليقات: