الأربعاء، 17 يناير 2018

هل آن أوان الحسم في الضفة الغربية؟

  

عند السماع بمصطلح "الحسم" يتبادر للذهن أحداث الانقسام في غزة عام 2007م، عندما استطاعت حماس الانتصار على أجهزة السلطة الأمنية وطردها من القطاع.

لكن يغيب عن بالنا "الحسم" الذي يخطط له الاحتلال في الضفة الغربية، ويستهدف الوجود الفلسطيني بأكمله، وليس فصيلًا دون الآخر.

ما هي نوايا المستوطنين تجاه الضفة الغربية؟

نشر صباح أمس الثلاثاء "مئير ايتجنر"، وهو المتهم الرئيسي بحرق عائلة الدوابشة، مقالًا بعنوان "لم نأت إلى هنا فقط لنعيش" على موقع "الصوت اليهودي" المحسوب على مستوطني الضفة الغربية.

ناقش ايتجنر في مقاله اليسار الصهيوني، الذي يرى أنه يجب محاربة "الإرهابيين" من الفلسطينيين وليس كل الفلسطينيين، كما ناقش مصير الفلسطينيين في الضفة الغربية، والخيارات المطروحة (بعد ضم الضفة الغربية)، ومن بينها أن يمنح الفلسطينيين حق الإقامة وليس حق المواطنة.

وتساءل هل سيقبل الفلسطينيون بذلك؟ ووصل لنتيجة أنه لا فرق بين "الإرهابي" الفلسطيني وغيره، وأن الفلسطينيين لن يقبلوا بهكذا حلول، وأن ما نراه في الضفة اليوم هو حرب "بيننا (أي الصهاينة) وبين العرب".

وأشار إلى حرب النكبة عام 1948م وكيف استخدم بن غوريون أساليب القتل الجماعي وطرد جميع السكان من أجل ضمان الانتصار في الحرب، في إشارة واضحة للسيناريو الذي يحلم به ايتنجر في الضفة الغربية.

مؤشرات واضحة على خطة الحسم:

قد يقول قائل هو مجرد متطرف يعيش على هامش المجتمع الصهيوني السياسي، وهذه حجة سيكون لها منطق، لو كان كلامه خارج عن السياق الصهيوني العام، وسأسوق لكم بعض المؤشرات الواضحة:


أولًا: تبنت حركة "تكوماه" الصهيونية، وهي إحدى مكونات حزب "البيت اليهودي"، خطة عضو الكنيست "بتسلئيل سموتريتش"، والتي أطلق عليها مسمى "الحسم"، وذلك بتاريخ 12/9/2017م، أي قبل ثلاثة شهور فقط.

وتنص الخطة على الضم النهائي للضفة الغربية، و"تشجيع" الفلسطينيين على الهجرة لخارج فلسطين التاريخية، وقال صاحب الخطة أنه استوحاها "من الإنذار الذي بعثه يوشع بن نون عشية اقتحامه مدينة أريحا قبل ثلاثة آلاف عام"، وحسب الرواية التوراتية فقد حرق بن نون أريحا وقتل جميع سكانها.

ثانيًا: القرارات المتتالية الخاصة بضم الضفة الغربية، سواء قرار حزب الليكود مؤخرًا "تطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة".

فما أعلن عنه يوم أمس على لسان إيلي بن دهان نائب وزير الدفاع الصهيوني عن قرار "شرعنة البؤر الاستيطانية العشوائية" في الضفة، والتي أقيمت بشكل مخالف لاتفاقية أوسلو.

وقانون التسويات الذي أقر عام 2017م ويشرعن بشكل واضح وصريح سرقة أراضي الفلسطينيين، ويمنع إزالة أي بؤرة استيطانية تقام على أراضٍ فلسطينية خاصة.

ثالثًا: الممارسات الفعلية للاحتلال في المناطق "ج" بالضفة الغربية، والتي تشكل 60% من مساحتها، والقائمة على التهجير الممنهج للفلسطينيين الذين يعيشون فيها.

رابعًا: الكلام عن صفقة القرن التي يعرضها ترمب على الفلسطينيين، والتي تنص على إعطائهم أراض في سيناء المصرية مقابل "أراض" في الضفة الغربية، وتصفية القضية الفلسطينية بشكل تام بدون إقامة دولة.

خامسًا: رغم ارتكاب ايتنجر لجريمة قتل حرقًا فلم يسجن سوى بضعة أشهر، ثم أطق الاحتلال سراحه، وهذا يعني أن ما قام به فعل تقبل به حكومة الاحتلال وتقره.

سادسًا: تزايد عدد المستوطنين في الضفة الغربية منذ اتفاقية أوسلو بأكثر من سبع مرات، وهذه أكثر بكثير من نسبة تزايد السكان في الكيان الصهيوني، وهذا يعني أن الفلسطينيين يتحولون تدريجيًا لأقلية في الضفة.

التغيرات الجوهرية في سياسة حكومة الاحتلال:

ما يجب إدراكه أن هنالك تغيرًا جوهريًا في نظرة الاحتلال تجاه الضفة الغربية، ما بين حكومة رابين التي وقعت اتفاقية أوسلو، وحكومة نتنياهو التي تحكم حاليًا.

كان رابين واليسار الصهيوني يؤمنون بأنه يمكن إقامة دويلة فلسطينية منزوعة السلاح من أجل التخلص من العبء السكاني الفلسطيني (القنبلة الديموغرافية).

أما اليمين الصهيوني الحاكم اليوم فيعتبر أن الضفة الغربية أكثر أهمية من تل أبيب، وأنه لا يجب قيام أي دولة فلسطينية في الضفة.

ولحل المشكلة السكانية الفلسطينية فتكلم عنها ايتنجر بصراحة (أي التهجير والطرد والمجازر)، وهو قد مارس ذلك بيديه عندما أحرق عائلة الدوابشة، كما تكلمت عنها بصراحة خطة الحسم.

وتكلم عنها بشكل ضمني مقال نشر في موقع 0404 المحسوب على التيار الصهيوني الديني، قبل عدة أشهر، عندما أوضح الكاتب بأنه لا أساس للخوف من "الخطر الديموغرافي" الفلسطيني، حيث أشار إلى هجرة المتعلمين 

من أبناء الضفة للعمل في الخليج، وأن هذا يساهم بعدم زيادة نسبة السكان الفلسطينيين.

والواقع يقول أن الاحتلال يتعمد التضييق اقتصاديًا في الضفة الغربية وقطاع غزة حتى يخلق بيئة طاردة للفلسطينيين، وهنالك مئات آلاف الفلسطينيين من حملة الهوية (ضفة وغزة) يعيشون في الخارج بشكل شبه دائم، لأنه لا يوجد أفق اقتصادي وحياة كريمة لهم في الداخل الفلسطيني.

في الختام:

في مثل هذه الأيام قبل سبعين عامًا، وقبيل أشهر من بدء حرب النكبة، كانت العصابات الصهيونية تشن هجماتها على الفلسطينيين في يافا وغيرها من المناطق المستهدفة بمشروعهم الاستيطاني في ذلك الوقت.

وتطورت هذه الهجمات لتصبح مذابح واسعة النطاق وتهجيرًا منهجيًا مدمرًا في حرب النكبة.

اليوم نلمس نفس الشيء في الضفة الغربية، هجمات تستهدف السكان في مزارعهم وأرزاقهم، سواء هجمات من الجماعات الصهيونية المتطرفة أو الحكومة نفسها، وذلك تمهيدًا لسيناريوهات أكثر رعبًا.

ولعل الحروب في المنطقة العربية، وجرائم مثل التي يرتكبها نظام الأسد، يشجع الصهاينة على تكرارها في الضفة الغربية.

طبعًا لا أقول أن التهجير سيقع خلال الشهور أو السنوات القليلة القادمة، فهذا ليس وارد على المدى المنظور.

لكن كما يقولون "المكتوب مبين من عنوانه"، فمن يعتبر أن الضفة أهم من تل أبيب، ومن سبق له أن ارتكب المجازر والتهجير الجماعي في نكبة عام 1948م، وكل المؤشرات المختلفة، لا ينوي لنا خيرًا بكل تأكيد.

ما يقوم به الاحتلال حاليًا هو تهيئة الوضع لخطوته التالية والأكثر وضوحًا، مثل الوحوش الضارية التي تحاصر الفريسة قبل أن تنقض عليها.

عندما يصل الصهاينة لمرحلة طرد أهل الضفة من أرضهم، فسيكون الأوان قد فات، ولن نستطيع فعل شيء وقتها.

لكن نستطيع فعل الكثير اليوم، والخطة ما زالت في بداياتها الأولى، وأبسط شيء يمكن فعله هو الاستنزاف اليومي للمستوطنين، فإن لم نشغلهم بالمقاومة، فسينشغلون بطردنا وتهويد الأرض، هذه المعادلة البسيطة التي يجب أن ندركها.

المقاومة ضرورة ليس فقط من أجل طرد الاحتلال، بل حتى لا يطردنا من ما تبقى من وطن.


لا تستمعوا لمن يغشكم ويقول لكم بالإمكان الانتظار حتى قدوم "المهدي المنتظر" أو أن يهبط صلاح الدين من السماء، إن لم تكونوا أنتم المبادرين فستكون فلسطين الأندلس الجديدة.

ليست هناك تعليقات: