الخميس، 4 ديسمبر 2014

سياسة إبعاد الأسرى من جديد




لطالما كان القبول بإبعاد الأسير الفلسطيني جريمة يوجد إجماع وطني على رفضها وعدم القبول بها وتجريمها، كون المشروع الصهيوني كله مبني على تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، فلا يجوز أن تكون عونًا للمحتل.

وفي صفقات التبادل المختلف كان يتم القبول بإبعاد الأسير كخيار أخير بدلًا من بقائه في السجن المؤبد وتخفيفًا عن الأسرى، لكن بقي ذلك استثناءً.

إلى أن اكتشف الاحتلال لعبة جديدة لتفريغ فلسطين من أهلها، وهي الاعتقال للمساومة على الإبعاد، سواء من خلال الاعتقال الإداري المتكرر أو من خلال إعادة اعتقال الأسرى المحررين في صفقات التبادل.

الموضوع انتقل من بعده الإنساني والتخفيف عن الأسير إلى سياسة صهيونية لابتزاز الناس من أجل شرعنة الإبعاد وتحويله إلى أمر مقبول فلسطينيًا تمهيدًا للتوسع بعمليات الإبعاد.

الاحتلال يعتمد على مبدأ التدرج بالعدوان، يبدأ بخطوات صغيرة فإن وجد ردة فعل ضعيفة زاد الجرعة إلى أن يقف بوجهه أحد، وعندها يتوقف قليلًا ثم يكمل.

المشكلة مع الإبعاد كانت عند القبول بإبعاد أيمن الشراونة ومن تبعه من الأسرى المحررون إلى غزة، بتريرات مختلفة وصلت عند البعض إلى اعتبار الإبعاد أفضل من البقاء في الضفة.
 
وبعد أن كان الإبعاد بالآحاد أصبح اليوم بالعشرات، فقد عرض الاحتلال على واحد وخمسين أسيرًا معاد اعتقالهم الإبعاد (دون تحديد الوجهة)، والحمد لله فقد كان الجواب الرفض النهائي، وهكذا يجب أن يكون، لأنه إن كان بالأمس الإبعاد بالآحاد واليوم بالعشرات، فغدًا سيكون بالمئات وبعده بالآلاف.

والاحتلال بدأ يمهد إعلاميًا لإبعاد أهل القدس، مرة بإتجاه غزة ومرة بإتجاه الضفة ولنفس الهدف أي تفريغ المدينة من سكانها الفلسطينيين، وسيتم الضغط على الأسرى المقدسيين وتخييرهم بين السجن والإبعاد، فالأمور بدأت بالتخفيف الإنساني وانتهت إلى خطة ممنهجة صهيونية.

والمشكلة أن التعامل مع الأمر يدور في الإطار الضيق؛ أي مصلحة الأسير والبحث عن حياة أفضل أو أقل سوءًا!! لكن هذا المعيار لا يصلح في فلسطين لأننا في مرحلة تحرر والتحرير له ثمن، ومن يتحاشى دفع الثمن سينتهي به الأمر إلى المساومة ثم الانبطاح.

ومما يزيد الأمر سوءًا أن الإعلام العاطفي (بما فيه جزء لا بأس به من إعلام حماس) يروج لأفكار غير واقعية وأثرها على الأرض مدمر، وهي أن غزة هي جنة المقاومة، والضفة هي جحيم المقاومة، ومن أراد أن يفلح فحلمه أن يدخل جنة غزة وأن يهرب من جحيم الضفة.

كلام يصلح للرومانسيات لكن تطبيقه على أرض الواقع كارثي، صحيح أن غزة هي جنة لكل مقاوم، فعلى الأقل ليس معرضًا للاعتقال والمطاردة والمنع من العمل كما هو واقع الضفة، لكن منذ متى المقاوم يسعى وراء الراحة والدعة؟

أجر المقاوم في الضفة أعلى لأنه يعمل في ظروف أصعب وأعقد ويتعرض لضغوط أكبر، مثلما هو أجر المواطن العادي في غزة أعلى لأنه يتحمل ظروفًا حياتية أصعب.

يجب ترسيخ ثقافة الصمود في الضفة لا ترويج ثقافة الهروب منها، فالضفة هي ميدان المعركة اليوم مع الاحتلال، ويجب أن يزين إعلام المقاومة البقاء فيها وتحمل الأذى لمقاومة السلطة والاحتلال.

لا أريد الكلام عن من قبلوا الإبعاد وربما لبعضهم ظروفًا نتفهمها أو لا نتفهمها، لكن متى تحول الأمر إلى سياسة يريد الاحتلال تكريسها فيجب الوقوف في وجهها ورفض الإبعاد بأي شكل كان، والأهم من ذلك أن يتوقف مؤيدي المقاومة عن تزيين فكرة الهجرة أو التهجير من الضفة فهذه أكبر جريمة.

ليست هناك تعليقات: