الثلاثاء، 3 يونيو 2014

أنا ومجلات الحائط




عندما كنت طالبًا في الإعدادية مررت بتجربتين في الكتابة لمجلات حائط كان لهما الأثر على حياتي لاحقًا.

الأولى: وأظن كنت وقتها في الصفة الثاني الإعدادي (الثامن)، ولم يكن وقتها في مدرستنا أي إطار إسلامي لكن كان هنالك إطار طلابي تابع للجبهة الشعبية، وكوني كنت مناهضًا لسعي منظمة التحرير للتفاوض مع الاحتلال (وهذا الكلام قبل أسلو وقبل مدريد)، فقد انضممت إليه رغم وجود ميول دينية لدي، على أساس الالتقاء في الرؤية السياسية (أو هكذا بدا لي في ذلك العمر).

لم أبقَ معهم كثيرًا، حيث أنهم (بعيد الانضمام إليهم) أرادوا إعداد مجلة حائط في المدرسة، وقررت المساهمة فأحضرت صحيفة القدس وقرأت العناوين التي تتكلم عن المفاوضات وعملت مقارنة بينها وبين عناوين "القدس قبل عشرين عامًا"، وجهزت موضوعًا بسيطًا لأثبت أن مساعي المفاوضات لم تتغير طوال الفترة وتدور في حلقة مفرغة.

وأتذكر أني أدرجت المقارنة في عامودين وكتبت مقدمة وخاتمة للموضوع، وفي نهايته كتبت أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا بالجهاد والمقاومة، وأضفت المقاومة من باب "المجاملة"، لأني كتبت كلمة الجهاد فقلت بنفسي أرضيهم بكلمة توازيها بالمعنى.

وعندما نشرت مجلة الحائط وجدتهم عند "تبييض" الموضوع وكتابته قد تركوا مكان كلمة الجهاد فارغًا وأبقوا كلمة المقاومة وحدها، وقد حز ذلك في نفسي وأسررتها ولم أواجههم وقررت أن أتركهم.

وبالفعل أيام قليلة وبلغتهم بأني سأتركهم، ورغم أن المسؤول (وكان طالبًا في الثانوية) جاء وهددني وقال لي "مش لعبة ولاد صغار، وأنت صرت تعرف أسرارنا ما بنخليك تروح"، إلا أنني أصررت وتركت ولم أعد لهم.

الثانية: بعد فترة من تركي لإطار الشعبية جاء إلى مدرستنا بعض الطلاب من مدارس أخرى، فقد كانت مدرستنا أكثر استقرارًا (نسبيًا) من مدارسهم أيام الانتفاضة الأولى، وكان من بينهم أصحاب توجهات إسلامية، فاجتمعنا معًا وقررنا أن نعمل ضمن إطار إسلامي بالمدرسة.

وكأول النشاطات كنا نحضر مجلات حائط من المسجد ونعلقها في المدرسة، وفي ذات يوم قررنا أن نكتب نحن مجلة الحائط واتفقنا فيما بيننا أن نوزع العمل.

جاء أحد زملائي وكنا أيضًا نصلي بنفس المسجد وأعطاني كتاب عن الإخوان المسلمين، وطلب مني أن أنسخ جدول نشاطات مقترحة للإخوان المسلمين منه، لم يرق لي الأمر ولم آخذ الكتاب لسببين: الكتاب كتب في زمن ماض وفي بلد آخر، فهل يلائمنا؟ بالإضافة لأني كنت معنيًا أن أكتب شيئًا بنفسي.

فكتبت الموضوع بنفسي، ونسخت مواضيع أخرى من كتب أخرى أعجبتني، وعندما ألتقينا بالمسجد سألني ماذا أعددت، فاستهجن أني كتبت موضوعًا بنفسي وقال لي هل "نتركك ما كتبه كبار الكتاب مثل سيد قطب وآخرين؟ هؤلاء لا يعلى عليهم".

وذهب إلى شيخنا (رحمه الله) وعرض عليه الأمر لعله يقنعني حتى أتراجع عن موضوعي، فألقى الشيخ نظرة سريعة على الموضوع، وقال له وما المشكلة في أن يكتب؟ بالعكس هذا شيء جيد.

فقال له ولماذا نكتب وهنالك أمور جاهزة لكتاب مميزين، فرد عليه الشيخ بما معناه أن الدنيا لا تسير هكذا وأن الكاتب المميز لا يحيط بكل شيء وأمور عديدة قالها، لا أتذكر أغلبها ولا أظن أني أصلًا تابعت نقاشهما، فقد كنت مزهوًا بنفسي أني انتصرت بهذه المعركة. :)

قد يقول ألف شخص أن الإخوان يقمعون الإبداع وغيرهم هو المنفتح والمتفتح لكن تجربتي الشخصية تقول العكس تمامًا، ومن متابعتي طوال حوالي خمسة وعشرين عامًا أستطيع أقول أن تجربتي الشخصية يمكن تعميمها على أغلب الحالات (لكن ليس جميعها).

ليست هناك تعليقات: