الخميس، 12 يونيو 2014

هل هنالك مجتمع مقاوم؟




قد يتساءل البعض هل يعقل أن أولاء الذي يثورون من أجل رواتبهم في غزة أو يتعاملون مع الاحتلال من أجل ضمان رواتبهم في الضفة يمثلون مجتمعهم الفلسطيني المقاوم؟

وكيف نوفق بين تضحيات الشعب الفلسطيني طوال السنوات والعقود والماضية واللامبالاة تجاه قضية القدس والأسرى؟ وربما يظن البعض أنها ظاهرة جديدة أو مقتصرة على الشعب الفلسطيني.

وهنا أستذكر الانتفاضة الأولى والتي يضرب فيها المثل وحتى انتفاضة الأقصى، فكان هنالك غالبية تتذمر من الإضرابات والتي كانت تفرض بالقوة والتهديد، كما كانت الغالبية تتذمر من العمليات التي تأتي عليهم بإجراءات انتقامية من الاحتلال، وقطاعات كاملة من الشعب لم تكن تشاركه همومه ولا كفاحه ولا حتى معاناته.

وهذا لا ينطبق على الشعب الفلسطيني وحده بل نجده في كل تجارب الشعوب التي حاربت من أجل التحرر الوطني، بل ربما نجد أن نسبة الفئات الخانعة والمتعاونة مع الاحتلال في الشعب الفلسطيني من أقل النسب وأكثرها تدنيًا مقارنة بالتجارب الأخرى.

باختصار المجتمعات المقاومة تقوم على اكتاف أقلية مناضلة ومكافحة تحرق نفسها من أجل الجميع، ويلعنها الناس وقت الكفاح لأنها تغضب المحتل وتجلب "ردات فعل"، ويقدسونها بعد الانتصار ويتمسحون بها ويلصقون أنفسهم بها بعد أن كانوا يلعنوها.
 
وهنا سأحاول تقسيم المجتمع بحسب نسبة الذين يلتزمون بقضاياه المصيرية ودرجة استعدادهم للتضحية من أجلها، وهو تقسيم ينطبق على جميع المجتمعات مع تفاوت بالنسبة من مجتمع لآخر.


1- فئة الرواحل: هذه الفئة النادرة في المجتمع كما شبهها النبي صلى الله عليه وسلم، بالكاد نجد من كل مئة من الأبل راحلة واحدة، والراحلة من الأبل هي تلك القادرة على قطع المسافات الطويلة.

والرواحل هم أصحاب نفس طويل لا تثنيهم الخطوب ولا المخاطر، يقدمون الفكرة التي يؤمنون بها على مصالحهم الشخصية، ويفكرون ليل نهار بكيفية إنجازها وتحقيقها، ومهما كانت المثبطات فهم دومًا بالميدان.

وهنالك الرواحل + (بلص) وهم المستعدون لأن يخرجوا اللقمة من فم أطفالهم من أجل خدمة الدعوة أو المقاومة.

والرواحل لا تزيد نسبتهم بأي متجمع عن 0.5% بأحسن الأحوال، أما الرواحل + فهم أقل بكثير من ذلك، وعملة نادرة بكل معنى الكلمة.


2- فئة المليشيا: وهنا أقصد المعنى العلمي للمليشيا وليس المعني السلبي الدارج لدى الناس، وفكرة المليشيا قائمة على أن أفرادها يعيشون حياتهم الطبيعية لكن يكونون على تأهب في حال تم استدعائهم بأي لحظة، فيكونون جاهزين لخدمة دعوتهم أو تنظيمهم متى اقتضى الأمر، وفي باقي الأوقات هم منشغلون بحياتهم اليومية.

أفراد المليشيا لا يستطيعون العمل بدون توجيه أو وجود من يخطط لهم ويستدعيهم، وهنا نجد مثلًا كيف لعب الاحتلال لعبته في الضفة المحتلة فقضى عمليًا على فئة الرواحل سواء بالاغتيال أو الاعتقال أو التهجير، فبقيت قلة قليلة منهم.

وهذا ترك فئة المليشيا بلا موجه ولا قائد مما جعلها عمليًا غير قادرة على فعل شيء، وقد نجد بعض الأفراد من هذه الفئة يقومون بأعمال فردية لكن أثرهم يبقى هامشيًا، ونسبة المليشيا عادة هي دون الـ5% وفي ظروف معينة قد تصل إلى 7% أو 8%.


3- فئة يالله نجرب: وهي غالبًا مكونة من الشباب الصغير بالسن الذي يريد تجربة كل شيء بالحياة، وتدفعه مثاليته للإنخراط بالعمل الوطني، لكن ما يلبث أكثر هذه الفئة بعد فترة إلى ترك العمل بعد أن يروا الثمن الذي يدفعونه، وأكثرهم يتحولون للفئة التالي (الكتلة الحرجة)، وقلة قليلة التي ترتقي إلى فئة المليشيا أو الرواحل.

المنتسبون لهذه الفئة ينخرطون بشكل سريع ومفاجئ بالعمل العام والعمل المقاوم، ويكونون شديدي الحماس، لكن سرعان ما يفترون بعد فترة (أغلبهم) ويتحول نشاطهم إلى زهد أو خوف من الاستمرار به، والقلة التي ترتقي فإنها تأقلم نفسها مع حياة التضحية والعيش من أجل الآخرين.

ونسبتهم تتراوح حول الـ5% وممكن أن ترتفع إلى ما يقارب 10% في ظل ظروف معينة.


4- فئة الكتلة الحرجة: وأسميها بالكتلة الحرجة لأنه مجرد ما انخرطت بالعمل المقاوم فإننا سنشهد طفرة وموجة كبيرة تميز الانتفاضات والثورات، والكتلة الحرجة مقارنة مع الرواحل والمليشيا تقدم حياتها الشخصية على المقاومة والشأن العام.

وأفرادها مستعدين أن يعطوا الوطن فضول أوقاتهم ليس أكثر، وفي ظل ظروف تعبئة معينة ممكن أن يعطوا أكثر من ذلك بقليل، ومشكلتهم الأخرى أنهم مزاجيون يعملون على نظام "الفزعات"، لا تجدهم دائمًا عندما تحتاجهم، وأحيانًا تجدهم عندما لا تحتاجهم.

والحركة الوطنية الذكية هي التي تعرف كيف تستدعيهم وتحرك فيهم النخوة والدافعية للعمل، وهذا ما أرى أن حماس تحاول فعله من خلال الدعوات للتضامن مع الأسرى في الضفة المحتلة، فهي تحاول إشعال فتيل هذه الفئة.

هذه الفئة هي قوة إسناد لا يستهان بها لطبقتي الرواحل والمليشيا، نظرًا لأنها تشكل قطاعًا واسعًا (نسبيًا) من المجتمع، والعدد مهم في أي ثورة أو حراك شعبي.

تتراوح نسبة هذه الفئة بين 10% و 20% ويحكم نسبتها في المجتمع ظروف عديدة، لكن المجتمعات التي لها تاريخ في النضال والمقاومة تكون نسبتها أعلى فيه.


5- فئة حزب الكنبة: وهو مصطلح مصري يطلق على الذين يكتفون بمتابعة الشأن السياسي من خلال الجلوس على الكنبة ومتابعة الفضائيات، وهذه الفئة بشكل عام غير مستعدة للإنخراط بالعمل المقاوم أو الشأن العام، مكتفية بإبداء رأيها بين أصدقائها، وربما من خلال المشاركة بالانتخابات أو المظاهرات التي لا يوجد منها أذى أو مخاطرة، وربما لو "تهور" عضو هذه الفئة فسيغير بروفايله على الفيسبوك تضامنًا مع الأسرى أو مسلمي بورما أو الثورة السورية.

هذه الفئة تقدم أقل مما هو مطلوب من أجل الوطن، وغالبًا ما يكون على شكل كلمات ورفع عتب ليس إلا، وتعدادها في المجتمعات يدور حول 35% (أي ما يوازي كل الطبقات السابقة).


6- فئة غايب الطوشة: وهذه الفئة مثل ما يقول التعبير الشعبي "غايبة طوشة"، أي أنها لا تعرف ما يدور حولها من أحداث وتطورات سياسية وأمنية وعسكرية، بالكاد تعرف أن هنالك احتلالًا ومقاومة، وهذا لا يكون حاضرًا عندها في حياتها اليومية.

وهنالك غايب طوشة من العيار الخفيف الذي يسمع عن بعض ما يدور حوله ولديه وعي به، وهنالك من العيار الثقيل الذي لا يعرف شيئًا ولا ينتبه للأحداث التي تدور من حوله إلا بعد ان يسقط البرميل المتفجر في غرفة نومه.

هذه الفئة على أكثر تقدير ممكن أن تذهب وتشارك بالانتخابات (بعد مليون واسطة)، وذلك خدمة لمن أقنعها بالذهاب وليس من أجل شيء هي تقتنع به، ونسبتها تتراوح بين 35% و40% من المجتمع (طاقة مهدورة)، ولهذا نجد أن أغلب الانتخابات لا تتجاوز نسبة التصويت فيها الـ60 أو 70% وذلك بأي بلد في العالم.


وهنالك فئات أخرى مثل فئة الاستثمار الآمن التي تريد أن تقوم بعمل وطني لكن بشرط أن لا تدفع ثمنًا لذلك، بل وغير مستعدة أن تبذل أكثر من فضول أوقاتها من أجل هذا العمل، وغالبًا ما يركز أعضاؤها على أمور لا توجد منها مخاطرة أمنية، مثل حزب التحرير وكلامه عن الخلافة، أو السلفيين وحروبهم من أجل النقاب واللحية، أو الناشت الفيسبوكي الذي يتسلى بالتصريحات، أو الذي ينخرط في منظمات الـngo.

ويبقى أن أشير إلى أن الانتماء لأحد هذه الفئات ليس دائمًا، ونسبتها في المجتمع قد تتغير بتغير الظروف، وكثيرًا ما نجد أشخاص كانوا من الرواحل لكن لسبب او آخر انتقلوا لفئة أدنى مثل الكتلة الحرجة أو العكس.

ملاحظة هامة: هذه التقسيمات لا تصف المجتمع بشكل كامل وإنما وضعتها لكي نفهم الآلية التي تسير بها المقاومة، وهنالك ظواهر أخرى بحاجة لتقسيمات مختلفة كي نفهمها، مثل ظاهرة العمالة التي قد نجد أفرادها ضمن فئة حزب الكنبة (ينصرون الوطن بكلماتهم ويخونونه بأفعالهم) أو ضمن حزب الاستثمار الآمن أو ضمن حزب غايب الطوشة، فلا يصلح هذا النموذج لفهم ظاهرة العمالة أو غيره من الظواهر.

ليست هناك تعليقات: