بعد إقرار الدستور المصري بنسبة تزيد عن 63% نريد أن نفهم ماذا تعنيه هذه النتيجة وهل هي نتيجة جيدة أم سيئة، وهل تعني أن الشعب المصري منقسم أم أن هنالك إجماع ما حول شكل إدارة الشعب المصري لنفسه خلال الفترة القادمة؟
أولًا، أثبتت القوى العلمانية واليسارية المصرية أنها ما زالت غير ناضجة، وتتصرف
بخفة وطيش وما زالت لحد اللحظة غير مستوعبة وجود تيار إسلامي شرعي داخل الساحة
المصرية، وخاصة أن النقاط التي أرادوا إشعال الحرب بسببها ليست تلك الكوارث التي
لا يمكن احتمالها، وأنه يمكن تصحيحها أو احتمال وجودها على عوارها وخطأها.
ثانيًا، أغلبية المصوتين لم يصوتوا بناءً على دراستهم للدستور أو حتى قراءتهم،
وإنما اكتفوا بالمواقف التي أعلنت عنها التيارات والأحزاب التي يميلون لها، دون
كثير تفكير بالأمر، فمن يؤيد الإخوان صوت لصالح الدستور ومن يؤيد التيار الشعبي
صوت ضده وهكذا، ويمكن بالتالي اعتبار التصويت للدستور تصويتًا لمحمد مرسي من هذه
الناحية، وبالتالي فيجب على من يزعم أن شعبية مرسي والإخوان قد انخفضت منذ
الانتخابات الرئاسية فعليه أن يراجع حساباته.
ثالثًا، لو تتبعنا نتائج التصويت منذ انتخابات مجلس الشعب وحتى التصويت على
الدستور، مرورًا بانتخابات الرئاسة، فإننا سنجد أن قوة التيار الإسلامي الانتخابية
تساوي ما بين 40% و45%، يقابلها أقل من 30% للقوى التي تسمي نفسها مدنية (يسار
وعلمانيين ومن لف لفيفهم)، وهنالك كتلة عائمة يتراوح وزنها بين 25% و30%.
فأغلبية التيار الإسلامي هي أغلبية واضحة وليست
أغلبية طارئة، وهي أكبر بشكل واضح من التيار المدني (تقريبًا الضعف)، وفي المقابل
فحجم التيار المدني لا يمكن تجاهله واعتباره غير موجودًا أو لا وزن له.
رابعًا، هنالك أغلبية راسخة (التيار الإسلامي بالإضافة للكتلة العامة) تؤيد
الدستور، ليس لأنه أفضل الدساتير بل لرغبتها بالمضي قدمًا وتطبيع الحياة السياسية
والخروج من دوامة الفوضى.
خامسًا، االقوى المسماة ثورية والتي دعمت محمد مرسي خلال الانتخابات الرئاسية
أثبتت أنه لا وزن لها على الإطلاق، لأنها وبحكم تخليها عنه في معركة الدستور يفترض
أن تنخفض نسبة مؤيدي الدستور مقارنة بمنتخبي مرسي في الانتخابات الرئاسية، بل ظن
الكثير أن يفشل الدستور، لكن ما حصل هو العكس تمامًا، ربما يعود ذلك إلى أن التيار
السلفي وباقي مكونات التيار الإسلامي قد استنفروا قوتهم لدعم الإخوان في معركة
الدستور بشكل أكبر، وربما يعود إلى اقتناع المواطن المصري بأن مرسي لديه القدرة
على إدارة البلد وأن ما يعيقه فعلًا هي "المؤامرة" التي تحيكها المعارضة
وأحد فصول المؤامرة هي رفض الدستور.
سادسًا، بالرغم من الإنجاز الذي حققته جماعة الإخوان وحلفائها بتمرير الدستور
بأغلبية قوية، إلا أن المعارضة تبقى قوية ولها وزن، وعلى عكس ما يردده الكثيرون
فهذا ليس شرًا وانقسامًا، بل الأفضل لمصر أن تكون معارضة قوية حتى يجبر من هو في
السلطة (الإخوان أو غيرهم) على تقديم أفضل ما لديه وعدم الركون إلى أنهم مخلدين
على الكرسي.
فسنة التدافع هي سبب رفعة المجتمعات والأمم
وليست الرتابة التي تورث الفساد والكسل وغيرها من أمراض التخلف، لكن هذا مشروط بأن
ترتقي المعارضة بوعيها وأدائها وأن تتوقف عن اللجوء إلى العنف والشارع لفرض رغبتها،
وهذا ما بدأنا نلمسه ولو بشكل طفيف لدى بعض رموز المعارضة مثل أيمن نور وعمرو موسى
وإلى حد أقل لدى حمدين صباحي.
معارضة ناضجة وقوية أفضل لمصر وللشعب المصري من
معارضة مراهقة وطائشة، وكليهما أفضل لمصر من حزب واحد قوي لا يجد من يراجعه أو
يصححه أو يخالفه.
سابعًا، جرت الانتخابات بشفافية مطلقة، حيث جرى التصويت والفرز علنًا وأمام
المراقبين وعدسات الإعلام، وأعلنت النتائج أولًا بأول حتى لا يتم التزوير، مع ذلك
لا ييأس البعض من الاتهام بالتزوير بدون أي أساس منطقي أو مقبول، فابتداءً من
المطالبة بإثبات أن المشرف على مركز الاقتراع هو قاضي فعلًا، وهو مطلب تعجيزي حيث
أن الموكل بهذه المهمة هي لجنة الانتخابات وإذا كنت لا تثق بها، وإن كنت لا تثق
بالبطاقة التي يقدمها لك القاضي، يجعل الثقة بأي انتخابات بالدنيا أمرًا عدميًا
وغير ممكن.
كما أن التشكيك بالأرقام التي يتم إعلانها عبر
الصحافة هي عدمية أخرى، فما دامت نتائج الفرز باللجان الفرعية علنية ويعلمها
الجميع، وكل ما بالأمر هو جمع أرقام، وكل الناس تستطيع الجمع فلا نتكلم هنا عن
تخصيب اليورانيوم، فهل 0.1% زيادة أو نقصان ستقلب الموازين؟
أم أن العبثية هي وسيلة أخرى لتفريغ شفافية
الانتخابات من مضمونها، ليصبح كل شيء قابل للتشكيك، وكل شيء قابل للنقض، لنعيش
دوامة بناء المنزل ثم هدمه ثم إعادة بنائه؟
ثامنًا، مصر تمر بمرحلة تحول نحو إدارة البلد من خلال صندوق الاقتراع ومن خلال
الآليات الديموقراطية المختلفة، بعيدًا عن لغة الجبر والإجبار أو لغة القتال
والاقتتال والشجار، ولا شك أن الكثير من الناس بحاجة لكي يتعلموا لغة الحوار
الجديدة وقواعد اللعبة الديموقراطية، وحتى ذلك الحين سنرى ونشاهد الكثير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق