أثارت تصريحات الشيخ راشد الغنوشي عن
"السلفيين" في تونس وضرورة التعامل بحزم معهم التساؤلات حول منطلقاتها
وعما إذا كانت تقييدًا للحريات أو تعبيرًا عن التوجه لمحاسبة الناس على أفكارهم
ومعتقداتهم.
وأتيحت لي الفرصة لمتابعة لقاء عبر الهاتف مع
الغنوشي صباح الجمعة الماضي أجرته فضائية فرانس 24، وألخص بعضًا مما قاله بالآتي: طلب
التعامل الحازم مع السلفيين ومنعهم من استخدام العنف في مظاهراتهم، مؤكدًا على أنّ
الكلام لا ينطبق على كل السلفيين فهنالك منهم من لا يستخدم العنف، وأن الفكر المتطرف
يواجه بالفكر لكن ما يجب الوقوف بوجهه والتصدي له بحزم هو استخدام القوة والعنف.
وختم حديثه بالتأكيد على أنّه لا يجب محاسبة
السلفيين على فكرهم، بل على الفعل يحاسبوا كأفراد وليسوا كجماعة، بمعنى آخر
يعتقلوا ويحاسبوا جنائيًا لأنهم خربوا وكسروا، لكن لا يسجن أو يعاقب بسببهم
الأعضاء الآخرين المنتمين للتيار ولا تحظر أحزابهم وجماعاتهم.
هذا استعراض لمضمون كلامه، ولم أنقله حرفيًا إذ
اعتمدت على ذاكرتي بنقله، فإن أخطأت فأرجو المعذرة.
ما يهمنا في هذا السياق هو أن الغنوشي أكد على
أمرين هامين: تصرفات المحسوبين على التيار السلفي أصبحت خطيرة ولا يمكن السكوت
عليها، وأن رد الفعل عليهم يجب أن يكون متوازنًا فمن كان خلله فكريًا يرد عليه
بالفكر، ومن كان خلله اعتداء على الآخرين حوسب وعوقب من خلال القانون.
وللتيار السلفي في تونس إشكاليات وكان الهجوم
على السفارة الأمريكية وما أدى إليه من مقتل متظاهرين إلا آخر حلقة من حلقات
المشاكل التي تسبب بها، فمنذ بضعة أشهر قام متظاهرون سلفيون بإنزال العلم التونسي
بأحد الجماعات وقاموا بإحراقه ورفعوا مكانه علم تنظيم القاعدة، ومن المفارقات أن
العلم التونسي هو العلم الوحيد تقريبًا في العالم العربي الذي يعود بأصله إلى دولة
الخلافة العثمانية، فهو نفس علم تونس عندما كانت ولاية عثمانية.
وبعدها اندلعت مظاهرات وأعمال عنف بعد تنظيم
معرض مسيء للإسلام في تونس، لكن لم يهاجم المعرض بل هاجم منتسبون للتيار السلفي
مقرات للشرطة وحركة النهضة وقاموا بإحراقها.
فنتكلم عن خلل منهجي لدى هذه الجماعات يتمثل في
اللجوء إلى العنف من أجل التعبير عن رأيها، وهنا يجب أن لا يكون هنالك تهاون معها
بحجة أنهم إخواننا في العقيدة أو أن نيتهم حسنة، وهذا التباس يحصل لدى الكثير من
الإسلاميين عندما يحاولون تفسير ما يقوم به بعض منتسبي التيار السلفي (ومن الضروري
هنا التأكيد على أن التيار السلفي يضم طيفًا واسعًا من الجماعات والأحزاب
والتكتلات فلا نعمم على الجميع).
وتفريق الغنوشي بين التصدي للفكر والتصدي للفعل،
لأن التصدي الأمني للفكر يعني الاعتقال السياسي – أي اعتقال الناس بسبب معتقداتهم
السياسية أو الفكرية، وهذا مرفوض إطلاقًا، وبين التصدي للجريمة السياسية وهذه
واجب، فالجريمة السياسية مثلها مثل الجريمة العادية لكن الدافع لارتكابها يكون
سياسيًا.
ويجب عدم التساهل مع الجريمة السياسية ومحاسبة
مرتكبها، وأن لا تأخذنا العاطفة وأن نحاول تفهم دوافع مرتكبها، مع أنه في حال
الحروب الأهلية عادة ما يتم العفو في نهايتها عن مرتكبي الجرائم السياسية كجزء من
تسوية كاملة (مثلما حصل في الجزائر)، لكن الأصل معاملة مرتكب الجريمة السياسية
مثله مثل المجرم العادي.
وخلاصة الكلام أنه يجب التصدي أمنيًا لظواهر
العنف التي تصدر عن منتسبي التيار السلفي (أو غيرهم طبعًا لكن نخصهم بالحديث لأنه
كثر الكلام عن تجاوزاتهم)، وبنفس الوقت يجب التصدي فكريًا لمن ينظر لأفكار تقود
لارتكاب العنف، وهنا يجب المفاصلة بين الحركة الإسلامية وبين هذه الجماعات حتى لا
نكون ممن يبرر لها، ولهذا فكلام الغنوشي يكتسب أهمية خاصة عندما يقود عملية
المفاصلة الفكرية معها، ونتمنى أن نرى مفاصلة أكثر وضوحًا وحسمًا عند غيره من رموز
الحركة الإسلامية.
هناك تعليقان (2):
عندما كانت تونس تحت القبضة الأمنية البوليسية أين كان موقع هؤلاء ؟؟ لماذا لم نكن نسمع لهم حس ؟؟ أو وقع ؟؟
كانت شريحة عريضة من الشعب تئن تحت وطأة الحرمان من أي حقوق بل والتعسف والآن مع جو الربيع العربي وجو اطلاق الحريات كان الاجدر أن نستثمر هذا الجو في تماسك تونس والعمل لبناءها على أسس متينة وخلق ثقافةالإحترام والتقدير وأن ننعم في كنف جو افسح للكل وفتح ذراعيه حتى يكون الكل فاعل في نهضة توني إذ بنا نقف على البعض وقد اتخذ من العنف طريقا للتعبير !!! بل والتعرض لكل مخالف في الفكر
هذا حقا يجب التعامل معه بحزم حتى لا تنجر البلد للهاوية
وقد يكون البعض للأسف يعمل لأجندة أعداء الأمة بوعي أو بلا وعي منه
حياك الله أختي بالفعل السؤال الذي يطرح نفسه أين كانوا أيام بن علي؟ لو كان العنف مبررا لكان في عهد بن علي الذي يمنع الحجاب ويطارد رواد المساجد، أما عندما جاء عصر حرية لبس الحجاب وارتياد المساجد، فيصبح استخدام العنف غريبا وخارج السياق بالرغم من أي ملاحظات ممكن أن تكون على النظام الجديد.
وشكرًا على مرورك ومرور الأخ راومنج
إرسال تعليق