سبق الصوماليون إخوانهم العرب بالثورة على
طاغيتهم وأطاحوا بالرئيس المستبد محمد سياد بري عام 1991م؛ إلا أن رفقاء السلاح
الذي اتفقوا على الإطاحة به سرعان ما اختلفوا وتمزق الصومال وانهارت الدولة، ودخلت
الصومال في صراعات قبلية وتفتت إلى دويلات يحكمها أمراء الحرب.
وعندما جاءت تجربة المحاكم الإسلامية عام 2006م
وحاولت إعادة توحيد الصومال، قامت بعض الفصائل القريبة منها بخوض
"مغامرة" لتحرير إقليم أوغادين الذي يقع في أثيوبيا واستجلبوا بذلك
الاحتلال الأثيوبي وأجهضت تجربة المحاكم الإسلامية، وبعد انسحاب الأثيوبيون انقلب
رفاق السلاح من المحاكم الإسلامية على بعضهم البعض وانشقوا وانضم قسم منهم وعلى
رأسهم حسن أويس إلى تنظيم حركة الشباب المجاهد، واستمر القتال العبثي وكأن شيئًا
لم يتغير.
بعد أن يأس الناس من تغير الوضع في الصومال وكأن
الدولة الفاشلة باتت الصفة اللصيقة به، بتنا اليوم في شهر أيلول نرى الوضع وقد بدأ
بالتغير، حيث لفت نظري حدثين لهما دلالة هامة:
الأول، الانتصارات المتتالية التي أحرزتها
القوات الحكومية على حركة الشباب المجاهد، والتي طالما رفضت الحوار والمصالحة
الوطنية بحكم تركيبتها العقائدية التي ترى كل ما لا ينتمي لإطارها الفكري والحزبي
ضلالًا يخرج من الملة، حيث باتت القوات الحكومية اليوم على أبواب مدينة كيسمايو
ثاني أكبر مدينة صومالية والمعقل الحصين لحركة الشباب.
الثاني، انتخاب رئيس جديد للصومال وهو حسين شيخ
محمود، وإن لم يتم انتخابه أو انتخاب البرلمان بطريقة الاقتراع الشعبي المباشر
نظرًا للوضع الصومالي، كما أنني لا أعرف الكثير عن الرئيس الجديد، لكن ما يبعث
الأمل في نفسي هو الروح الرياضية التي تحلى بها الرئيس السابق الشيخ شريف شيخ
أحمد، والذي تقبل خسارته بالانتخابات الرئاسية وحضر حفل تنصيب خليفته.
وذلك بالرغم من أن هزيمة الشيخ شريف جاءت في وقت
بدأت جهوده لتنظيف جنوب البلاد من حركة الشباب تؤتي ثمارها، لكن هكذا اللعبة
الديموقراطية: الكل يعمل من أجل مصلحة البلد وليس من أجل مصلحة الحزب أو المجد
الشخصي.
طبعًا ما زال هنالك مشوار أمام الصومال، وآمل أن
يكون مشوارًا قصيرًا فتكفي واحد وعشرون عامًا من الحرب العبثية، فما زالت حركة
الشباب موجودة في بعض مناطق جنوب الصومال، وهنالك تحدي إعادة بناء الدولة، وما
زالت الحكومة تعتمد على قوات الاتحاد الأفريقي وبعض المليشيا الصومالية مثل تنظيم
أهل السنة والجماعة، وهنالك تحدي إقليم شمال الصومال وإقليم بونت لاند اللذين
أعلنا انفصالهما (بدون اعتراف دولي) وكيف يمكن إعادة دمجهما في الدولة الصومالية،
بطريقة سلمية طبعًا.
الربيع العربي في الصومال طعمه مختلف، فالمطلوب
هو توحيد البلد وانتشاله من فوضى الحرب العبثية، وهنا نلمس المعنى الحقيقي للربيع
العربي، فليست الإطاحة بالرئيس التي تجلب الربيع، بل إن الربيع يتحقق عندما يصبح
الصومال لكل الصوماليين، لا لحركة الشباب وحدها ولا للشيخ شريف، الربيع العربي هو
أن تصبح كل دولة عربية دولة لجميع مواطنيها، وليس لحزب أو تنظيم أو شخص أو قائد أو
طائفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق