إعلان خالد مشعل عدم ترشحه لمنصب رئيس المكتب
السياسي لحركة حماس هي خطوة أعتبرها رائدة في الساحة السياسية الفلسطينية، فأن
يتخلى قائد عن منصبه طوعًا ليس أمرًا مألوفًا في العالم العربي عمومًا (مع وجود
استثناءات تزداد) والساحة الفلسطينية خصوصًا.
وسواء كانت الاستقالة بدافع إتاحة الفرصة للجيل
الجديد وتماشيًا مع الربيع العربي كما قال مشعل، أو كانت بسبب خلافاته مع قيادة
غزة حول المصالحة، وعدم انصياعها لتفاهماته مع عباس، فإنها تبقى خطوة رائدة لأنه
في حال عجز القائد عن إقناع مرؤوسيه بخطته فأمامه خيارين: إما أن يجد طريقة ما
ليقنعهم بالالتزام بخطته أو ليترك القيادة لغيره لعله ينجح، أما بقاء الوضع معلقًا
فهذا خلل لا يصح.
ولو جئنا لأرض الواقع فنجد أن استراتيجية حماس
التي اتبعتها طوال السنوات الماضية قد استنفدت أغراضها ووصلت حدها الأقصى الممكن،
تلك الاستراتيجية القائمة على إفشال مشاريع تصفية القضية الفلسطينية إلى حين تغير
الوضع العربي العام، والقائمة على استنزاف العدو بالمقاومة، وأن تضع حماس نفسها في
مركز صناعة القرار الفلسطيني.
فالأولى قد تحققت إذ أصبحت مشاريع التصفية اليوم
أبعد ما تكون عن التحقق والواقع العربي تغير (والسؤال الآن: وماذا بعد)، والثاني
بلغت حدها الأقصى بانسحاب الصهاينة من غزة، فالضفة لن يفرطوا بها من خلال حرب
استنزاف وكذا باقي فلسطين، والثالثة قد تحققت (والسؤال أيضًا: وماذا بعد).
والشلل الذي يصيب الحركة اليوم لأن استراتيجيتها
استنفذت أغراضها، وبات من الضروري مراجعتها وتجديدها والتحضير لمرحلة جديدة، وسواء
كان الشلل ناجمًا عن عوامل خارجية أم داخلية يفضل دومًا (من ناحية إدارية) أن
تتولى قيادة جديدة المهمة، وخصوصًا أن خمسة عشر عامًا في القيادة تستنزف الإنسان
مهما كان مبدعًا ومخلصًا ومتفانيًا، ولا يبقى لديه الكثير ليقدمه.
وإن كان التغيير ضروريًا ليس فقط لتغيير الوجوه
بل لتجديد الحركة وإعادة الحيوية لها، إلا أنه مما يحزن أن النقاش حول عملية
التغيير وعدم ترشح مشعل قد اتخذت طابعًا جهويًا ومناطقيًا بين الخارج وقطاع غزة (وربما بين الضفة والقطاع)، والكلام عن استعادة غزة لقيادة الحركة.
لا يمكن لعملية التغيير أن تكون نحو الأفضل إن
شابها حظوظ النفس أو اعتبارات عاطفية أو اصطفافات شللية ومناطقية، والاستقطاب
الغزاوي – الضفاوي موجود على الساحة الفلسطينية اجتماعيًا وسياسيًا (ويبدو أن
هنالك غرام في منطقتنا للانقسام إن لم يكن طائفيًا أو عرقيًا فجهويًا ومناطقيًا)،
وإن كان فكر حماس يحارب النعرات الجهوية والمناطقية، إلا أنها وبصفتها جزء من المجتمع
المبتلى بهذه النعرات لا بد لها وأن تتأثر بها.
وإن كان الأصل أن لا تكون هنالك مشكلة بتولي
شخصية قيادية من غزة رئاسة المكتب السياسي، لكن المحظور هو نقل القيادة إلى داخل
قطاع غزة، فغزة عبارة عن سجن كبير لا يشكل أكثر من 1.5% من مساحة فلسطين، ووجود
القيادة داخله يجعلها رهينة بيد الاحتلال، كما هي قيادة فتح في رام الله رهينة بيد
الاحتلال، خرج عن طوع الصهاينة عرفات فقتلوه، وأما عباس فأطاعهم فدجنوه، فلا يجوز
أن تكرر حماس نفس الخطأ.
إن فلسطين ليست غزة وليست الضفة، وليست كليهما،
وحكومة حماس في غزة ليست مشروع حماس الأوحد، وأي قيادة جديدة يجب عليها أن تضع
إجابات وتصورات للمرحلة القادمة؛ الأقصى واللاجئين وحق العودة والاستيطان والتخلص
من تبعات الانقسام، كلها أسئلة وتحديات لم تستطع حماس بالفترة الأخيرة الإجابة
عنها، وأي تغيير لا يجيب عليها سيكون بدون فائدة، وسيحول حماس إلى فتح (ب).
لقد قاد مشعل الحركة بنجاح في أدق الأوقات
وأكثرها حرجًا، وخروجه من القيادة هو خطوة تحسب له وهو بذلك يقدم قدوة لفصائل
فلسطينية تتشدق بالديموقراطية وقادتها متربعين على كراسيهم منذ 45 عامًا (لعلهم
يتعظون)، وبقدر ما هي مزعجة البكائيات التي تصور حماس وكأنها ستنهار بعد مشعل، فإن
المنطق الجهوي والنعرات الضفاوية – الغزاوية هي أكثر إزعاجًا ولاتليق بحركة
إسلامية، وعملية اختيار قيادة الحركة وتجديد الدماء يجب أن تكون أكثر عقلانية وملبية
لاحتياجات الحركة والشعب الفلسطيني بأكمله والقضية الفلسطينية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق