حرك الاجتماع الذي كان مفترضًا بين محمود عباس
والوزير الصهيوني والزعيم الجديد لحزب كاديما شاؤول موفاز موجة احتجاج سياسي ضد
السلطة الفلسطينية في رام الله هي الأوسع منذ حرب غزة، ولأول مرة منذ انتهاء
انتفاضة الأقصى نجد إجماعًا سياسيًا لدى الفصائل الفلسطينية على قضية مثل رفض
زيارة موفاز أو الاجتماع معه، بما فيه حركة الشبيبة الطلابية التابعة لحركة فتح.
ولأول مرة في تاريخ السلطة ومنظمة التحرير يتم
تأجيل لقاء تفاوضي مع مسؤولين صهاينة تحت ضغط الشارع الفلسطيني، فقد اعتادت السلطة
والمنظمة أو بالأحرى مجموعة محددة من الأشخاص وكبار المفاوضين والمستكشفين، أن
يستمروا بالتفاوض والتفريط باسم مجموع الشعب الفلسطيني، غير آبهين بأي اعتراض شعبي
أو فصائلي ومتجاهلين كافة الاعتراضات وكافة أشكال الاجماع الوطني الفلسطيني.
حتى في أوج انتفاضة الأقصى استمرت اللقاءات
الأمنية وتبادل المعلومات بين أجهزة أمن السلطة وأجهزة أمن الاحتلال (وهو ما يطلق
عليه بالتنسيق الأمني)، لكن هذه المرة فاض الكأس وطفح الكيل مع الشارع الفلسطيني،
فلم يعد مقبولًا ولا مستوعبًا الاستمرار بلعبة التفاوض والاستكشاف وتقديم التنازلات
المجانية للاحتلال الصهيوني.
وربما ما زاد الغضب وخلق الاجماع حول رفض
الزيارة هو أنه لا هدف منها، باستثناء (ربما) تلميع صورة موفاز لكي يفوز في
انتخابات الكنيست القادمة على حزب الليكود، وذلك لأن موفاز هو مجرد جزء بسيط من
ائتلاف حكومي واسع مكون من أحزاب اليمين واليمين المتطرف واليمين المتطرف جدًا،
ائتلاف حكومي يرفض أي حل مع السلطة الفلسطينية، حتى لو كان الحل ينص على الاستسلام
التام والكامل للاحتلال الصهيوني.
تشبه الأوضاع اليوم في الضفة الغربية ما كان
سائدًا أعوام 1985م و1986م قبل اندلاع الانتفاضة الأولى، وأعوام 1996م – 2000م قبل
اندلاع انتفاضة الأقصى، وتتلخص بالآتي: انسداد بالأفق السياسي والقضية الفلسطينية
لا يبدو لها حل أو مكان تسير إليه، عنجهية للاحتلال الصهيوني واعتقاد راسخ بأن
الأمور تحت السيطرة ولن يحصل شيء، وانتفاضات صغيرة ومواجهات هنا وهناك سرعان ما
تفتر وتهدأ.
ولقد مرت الضفة الغربية خلال الأعوام القليلة
الماضية وخصوصًا في الأشهر الأخيرة بعدة مواجهات وانتفاضات صغيرة، خاصة أيام اضراب
الأسرى في شهر أيار الماضي، ومن الواضح أن هنالك يقين لدى السلطة ولدى قيادة
الاحتلال بأن الوضع لن يسمح لها بالتطور إلى ما هو أكبر من ذلك.
لكنها مجرد زلزال استباقي للزلزال أو البركان
الأعنف، ولا أحد يستطيع تحديد موعد انفجاره، وربما تهدأ هذه الموجة من المظاهرات
التي أصبحت تتكرر في رام الله ضد المفاوضات وضد اللقاءات التفاوضية والاستكشافية
والتي أخذت منحنى عنيف في اليومين الماضيين، والاعتصامات والمسيرات ضد الاعتقال
السياسي حيث تعتبر الخليل الأكثر نشاطًا على هذا المستوى، والتي اكتسبت زخمًا مع
اضراب المعتقلين السياسيين في سجون السلطة، وربما تزداد اشتعالًا.
وإن كانت اعتصامات التضامن مع المعتقلين
السياسيين يغلب عليها الطابع الإسلامي ومشاركة مؤيدي حماس، فالمظاهرات ضد زيارة
موفاز غلب عليها الطابع اليساري والتنظيمات الشبابية المستقلة وهي لحد الآن ما
زالت نخبوية، لكن الاحتقان الداخلي يجعل الأمور مرشحة للمزيد من التصعيد، إن لم
يكن في هذه الموجة فبكل تأكيد في أحد الموجات القادمة.
ولعل المختلف هذه المرة هو انضمام جزء من قواعد
حركة فتح للرأي العام الرافض لسياسة السلطة التفاوضية، وخاصة جناحها الطلابي تحت
ضغط المزايدات السياسية في الجامعات، ومن شبه المؤكد أن حركة فتح ستركب الموجة
(وهذه أحد تناقضات السلطة وفتح الغريبة) في حال رأت أن هنالك رأيًا عامًا جارفًا
ضد المفاوضات.
بالرغم من الوضع الاقتصادي الصعب وبالرغم من
انقطاع المياه لفترات طويلة في فترة الصيف وبالرغم من الفساد الإداري والمالي؛ إلا
أنه يثبت مرة جديدة أن ما يحرك الشارع الفلسطيني هو الوضع السياسي، فليس الخبز ولا
العدالة الاجتماعية ولا البطالة هو الهم الأكبر للشعب الفلسطيني، بل هي القضية
الفلسطينية وتحرير فلسطين ومقاومة الاحتلال.
الانتفاضة الأولى حركتها إرادة كسر التحكم
اليومي للاحتلال بحياة المواطن، وانتفاضة الأقصى كانت ردة فعل على زيارة شارون
للأقصى، وكليهما كانت نتيجة مباشرة لانعدام أي حل عادل يقبل به الشعب الفلسطيني.
لو كان الوضع الاقتصادي أو الحياة اليومية هي ما
تحرك الشارع الفلسطيني لرأينا انتفاضة في قطاع غزة ضد انقطاع الكهرباء المتكرر وضد
معدلات البطالة العالية، لكن ما يحرك أهل الضفة هو استيطان يتمدد بلا حسيب ولا
رقيب ولا رادع، وسلطة تقدم الخدمات المجانية والغطاء السياسي والأمني للتمدد
الاستيطاني، وأتذكر مقال قرأته لكاتب صهيوني (نسيت اسمه) العام 1986م استقرأ الوضع
المحتقن وتزايد المظاهرات الموسمية وتزايد عدد الشهداء بين عامي 1984م و1986م،
وحذر من انفجار الأوضاع بشكل أكبر لكن لم يسمع له أحد.
وموفاز نادى بعد انتصار الثورة المصرية بأن يتم
التوصل لاتفاق مع السلطة لأن الوضع في العالم العربي ليس مبشرًا بالنسبة للكيان
الصهيوني، ويجب أن يلحقوا أنفسهم بتسوية تنهي الصراع مع الفلسطينيين، وطبعًا كان
الصهاينة من الغرور والعنجهية بما يكفي ليتجاهلوا تصريحه (ويبدو أنه هو نفسه لم
يكن مقتنعًا جدًا بكلامه).
ستبقى الهزات الاستباقية تضرب الضفة الغربية،
إلى أن يصل حجم المظاهرات لما يسمى بالكتلة الحرجة وعندها لن تعود الجماهير إلى
بيوتها، وكان المراقبون طوال الأعوام الثلاثة الماضية (منذ العدوان على غزة)
يتوقعون أن يكون الانفجار في وجه الاحتلال، لكن ما حصل خلال الأيام الماضية يضع
احتمال بأن يتوجه الانفجار نحو السلطة التي فشلت في التفاوض كما فشلت في كل شيء
آخر.
ولسان حال الفلسطينيين في الضفة الغربية يقول لقيادة
السلطة إذا كان مبرر وجودكم هو توفير الرواتب لموظفي السلطة، فافعلوا ذلك وأنتم
ساكتون ولا تتبرعوا بلقاءات ومفاوضات تلمع وجه الاحتلال وتضفي عليه صبغة إنسانية،
وتوقفوا عن تقديم التنازلات المجانية باسم الشعب الفلسطيني.
هناك تعليقان (2):
انت انسان قدير لماذا وذا فكر منور وبعد قراءة نتقاد تصريحات هنية وحماد
بدى وضح فكرك باستقلالية وان كان كيرا مائلا لجهة على اخرى وباختلاف الصواب وغيره
فان ارى فيك شخصية جية مقبولة وان كان ايضا كثير الحذف بدون رحمه ولا تردد
فيا دكتور
حدثنا من عرفك وسالته عنك فقال وهو واثق تماما من لاكمه انه لا يظلم عندك احد ولا تاخذ في الله لمه لائم
فلا حذف ما طالب لك وما لا يطيب عليه يفيدا لمسملين وانت خير من يعلم بهذه دكتور
والله غالبا على امره ولكن اخر الناس لا يعلمون
تحياتي لك من كل فج وشعب
اخوك يوسف
ابو معاذ
حياك الله أخ أبو معاذ، وشكرًا لك على مرورك وأنا بالخدمة إن شاء الله.
إرسال تعليق