لم تكن الهجمات والمذابح التي تعرض لها مسلمو
عرقية الروهينجا في إقليم أركان غربي بورما هي الأولى، بل هي امتداد لمذابح
واضطهاد متواصل منذ أكثر من خمسين عامًا.
واللافت للنظر هو التجاهل الإعلامي لمأساتهم
المتواصلة وعدم وجود خطوات عملية لمساعدتهم لا من قبل الدول الإسلامية ولا من
الأمم المتحدة أو القوى العظمى، وهنا تطرح الأسئلة لماذا هذا التجاهل والتقاعس عن
نصرتهم ومساعدتهم؟ ولماذا هذا الحجم من الاضطهاد؟ وما هو السبيل لمساعدتهم ورفع
الظلم عنهم؟
بورما لمحة عامة:
تقع بورما (وتعرف أيضًا باسم ميانمار) جنوب شرق
آسيا ضمن ما يعرف بالهند الصينية، وتجاورها دول: بنغلادش والهند والصين ولاوس وكمبوديا،
ويبلغ عدد سكانها أكثر من ستين مليون نسمة غالبيتهم من عرقية البورميين ويعتنقون
الديانة البوذية، أما المسلمون فيشكلون 4% من السكان حسب الأرقام الرسمية، وحوالي 10%
حسب تقديرات مصادر إسلامية مختلفة، بمعنى أن عددهم يتراوح بين 2.5 مليون و6 مليون.
وبورما من الدول الفقيرة حيث لا يتجاوز دخل
الفرد 600 دولار، ويعتمد دخل الدولة على إنتاج وتصدير الأخشاب والأرز، بالإضافة للإنتاج
غير القانوني للأفيون حيث كانت بورما ولسنوات طويلة المنتج الأول لهذه المادة
المخدرة.
يختلف المسلمون في أصولهم وأماكن تواجدهم في
بورما، حيث يعيش قسم كبير منهم في العاصمة رانغون، وهنالك مسلمون من أصول صينية
يعيشون في شمال بورما ومن أصول ملاوية يعيشون في جنوب البلاد، وهنالك عرقية
الروهنيجا والتي تعيش في غرب البلاد في إقليم أركان وهي التي تتعرض لحملة الإبادة
والطرد والاضطهاد المنظم وغير المنظم، ويوجد إضافة لهم الزربادي (وهم خليط من العرب
والبورميين) ويعيشون بعدة مناطق في البلاد.
اضطهاد المسلمين في
بورما:
مأساة المسلمين في بورما مركبة ومعقدة، فهنالك
من ناحية نظام عسكري مستبد يحكم الدولة بالحديد والنار منذ الستينات، ويضطهد جميع
السكان وخاصة المعارضين بغض النظر عن ديانتهم أو عرقيتهم، وهو نظام منعزل عن
العالم الخارجي، ويتعرض لعقوبات خارجية وخصوصًا من أمريكا للضغط عليه من أجل تحسين
وضع المعارضة البورمية (البوذية طبعًا).
ومن الناحية الأخرى هنالك تهميش واضطهاد موسمي
يتعرض له المسلمون عمومًا في بورما بحكم كونهم أقلية دينية، مثلما حصل عند إحراق
عدد من المساجد بعد قيام طالبان بنسف أصنام بوذا في أفغانستان أواخر التسعينات.
وأخيرًا هنالك اضطهاد مستمر وخاص بعرقية
الروهينغا المسلمة منذ الستينات، حيث ترفض الدولة الاعتراف بهم كمواطنين في بورما
وتعتبرهم أجانب مكانهم في بنغلادش، ويتعرضون كل بضعة أعوام لمذابح وتهجير بالقوة
من أجل طردهم، وقد نزح مئات الآلاف منهم إلى بنغلادش التي ترفض استقبال المزيد
منهم، بحكم أنها لا تعترف بهم مواطنين بنغاليين، بمعنى آخر نحن أمام ظاهرة "البدون"
في بورما.
والاضطهاد الذي يتعرض له أبناء عرقية الروهينغا
هو مزدوج بين السلطة التي ترفض الاعتراف بهم، وبين الجماعات البوذية المتعصبة التي
تتولى عملية التحريض على قتلهم ومهاجمة قراهم وقتلهم وذبحهم.
والسبب المباشر للأحداث الأخيرة هو إعلان
الحكومة البورمية استعدادها لتجنيس أبناء عرقية الروهينجا مما أثار حفيظة متعصبي
الجماعات البوذية، والذين هاجموا المسلمين وقتلوهم وأجبروا الحكومة على التراجع عن
قرارها، وقد صرح الرئيس البورمي قبل أيام بأنه لا يمكن منح أبناء الروهينجا
الجنسية البورمية، واقترح تهجيرهم إلى بلد ثالث (غير بورما وبنغلاديش).
تختلف الإحصاءات حول عدد ونسبة عرقية الروهينغا
بين من يقول أنهم 50% من مسلمي بورما وبين من يقول أن نسبتهم تصل إلى 70% من
المسلمين، إلا أن رئيس بورما كان يتكلم عن 800 ألف من "البدون"
الروهينجا الذين يريد تهجيرهم، وهذا يشكل أقل بكثير من نصف مسلمي بورما، وأتوقع أن
السبب في الفرق إما يعود إلى أنه لم يشمل من تم تهجيرهم مسبقًا إلى بنغلاديش في
العدد الذي قدمه أو أن هنالك مسلمون في إقليم أركان (من الروهينجا أو غيرهم)
يحملون الجنسية البورمية وغير مستهدفين بهذه الحملة.
ما الحل؟
المشكلة أكبر من بضع عشرات يقتلون من المسلمين
في كل حملة عنف (وقد بلغ عدد قتلاهم في الحملة الأخيرة العشرات – وحسب بعض المصادر
وصل العدد إلى 400 قتيل)، بل يتجاوز ذلك إلى إلغاء الحقوق الأساسية لحوالي مليون
إنسان مسلم تمهيدًا لطردهم من أرض آبائهم وأجدادهم.
وإن كان المرء يتوقع من بنغلاديش (التي يتجاوز
عدد سكانها المئة مليون نسمة) أن تتدخل لمساعدة ونصرة مسلمي إقليم أركان، وربما لو
احتلت أماكن تواجد المسلمين من أجل حمايتهم لكان ذلك حلًا ولو بشكل جزئي، لكن بحكم
استشراء الفساد في أجهزة الدولة البنغالية بما فيه الجيش، وانعدام الإرادة
السياسية والعقلية الانعزالية التي تحكم الأحزاب الكبرى في بنغلاديش، فلا الجيش
قادر على شن حرب من أجل حماية المسلمين ولا الطبقة السياسية راغبة بحمايتهم.
وبحكم أن النظام البورمي معزول عالميًا وعلاقته
بالعالم الإسلامي محدودة فلا يمكن الحديث عن ضغوط ديبلوماسية أو سياسية أو
اقتصادية، وبحكم البعد الجغرافي فلا يمكن الحديث عن إرسال جيوش إسلامية (لو كان
بالإمكان ذلك لأرسلت الجيوش إلى فلسطين منذ زمن طويل).
أمريكا تمارس ضغوط على النظام البورمي من أجل
الانفتاح على المعارضة وتخفيف القمع السياسي، لكن هذا يبدو أنه يقتصر على المعارضة
البوذية والتي يظهر أنها مهتمة بتحقيق مكاسب ضيقة خاصة بها، مثلما بدت زعيمة
المعارضة "أونج سان سو تشي" سعيدة بدخولها البرلمان ومرحبة بتخفيف
أمريكا للحصار المفروض على النظام بعد تحقيقها هذا "الإنجاز".
فنحن أمام وضع غاية في الصعوبة، فالنظام المستبد
انحاز لتلبية رغبة المتعصبين البوذيين قاطعًا الطريق أمام أي أمل، بل يفتح الطريق
نحو المزيد من المذابح والتطهير العرقي، ولا بنغلاديش تريد نصرتهم أو حتى
استقبالهم كلاجئين، ولا يوجد أوراق كثيرة للضغط على النظام البورمي.
في ضوء قلة الخيارات المطروحة فأرى أن الحل
الجماهيري هو الضغط على الحكومات العربية والإسلامية من أجل تحريك منظمة التعاون
الإسلامي وإجبارها على التحرك، وفي ضوء وجود أنظمة الربيع العربي المستعدة للتفاعل
مع الضغط الجماهيري (وخصوصًا مصر وتونس وليبيا) فمن الممكن أن نرى نتيجة لهذا
الضغط، وأن تكون هنالك مطالب بفرض عقوبات عالمية (لأن العقوبات العربية أو
الإسلامية لن تكون ذات أثر) من أجل حماية حقوق أقلية الروهينجا واحترامهم
كمواطنين.
يجب التفكير بحلول عملية من أجل نصرتهم
ومساعدتهم بدلًا من اللطميات التي أراها منتشرة على شبكة الانترنت والفيسبوك،
والتي تتكلم عن المظلومية والدماء المسفوكة وتشتم البوذيين دون أن يقترح أي أحد
حلولًا عملية، بل يعمد البعض من أجل زيادة جرعة اللطميات بإحضار صور قتلى لفيضانات
أندونيسيا وزلزال هايتي ويعرضها على أنها صور لقتلى المسلمين في بورما، ولا أعلم
ما فائدة التزوير سوى زيادة جرعة الإحباط واليأس لدى المتابعين والمتعاطفين مع
مسلمي بورما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق