الجمعة، 6 يوليو 2012

هل كان الشهيد كمال غناجة ضحية المزايدات؟


عمل في هدوء ورحل شهيدًا بهدوء، هكذا نلخص حياة الشهيد كمال غناجة، والذي توفي في ظروف غامضة قبل أكثر من أسبوع في منزله بضاحية قدسيا الدمشقية، وإن كان يرجح أنه ذهب ضحية عملية اغتيال؛ إلا أن المنفذ المفترض بقي مجهول الهوية.

وبالرغم من أن الشهيد كان يعيش في الأردن مثل الكثير من اللاجئين والنازحين الفلسطينيين، إلا أن المخابرات الأردنية كانت تمنعه من دخول الأردن بحكم عمله داخل الجناح العسكري في حركة حماس، وآخر مرة منع من دخول الأردن كان قبل استشهاده بأيام قليلة عندما حاول العودة للقاء زوجته وأبنائه.
 
وجد الشهيد قرب مولد كهرباء محترقًا داخل المنزل، وحدد سبب الوفاة اختناقه من النار المتصاعدة من الحريق، وكان هنالك أكثر من جهة مشتبه بها: النظام السوري وشبيحته خاصة أن قدسيا كانت محاصرة من قبل قواته الأمنية وتتعرض لحملة مداهمات وقصف، والاحتلال الصهيوني وجهاز الموساد بحكم موقع الشهيد في المقاومة وكونه هدفًا محتملًا، وأخيرًا تردد احتمال أن تكون الوفاة نتيجة حادث خاصة مع عدم وجود أدلة لاقتحام المنزل كما وجدت متعلقات الشهيد من أوراق وأجهزة حاسوب في مكانها.

وقد يكون الشهيد قتل على يد الشبيحة قتلًا عشوائيًا بدون استهدافه بشخصه، وربما اغتيل ورتب الأمر ليبدو كأنه حادث (وهذا ما حاول الموساد فعله مع الشهيد المبحوح)، لكنها تبقى مجرد تكهنات وتوقعات فلا نستطيع الوصول إلى الحقيقة عن بعد.

لكن ظروف استشهاده وما تلا ذلك تسلط الضوء على عدة حقائق: بالرغم من أنّ قادة الصف الأول وأكثر قادة الصف الثاني لحركة حماس قد غادروا سوريا واستقروا بأكثر من مكان، إلا أنّ العشرات (وربما المئات) من كوادر الحركة بقوا في سوريا ببساطة لأنهم لم يجدوا مكانًا يستقبلهم، ومن بينهم الشهيد كمال غناجة، فقد لجأت عائلته من الضفة الغربية إلى الأردن، وهو لا يستطيع العودة إلى الضفة فيما رفض الأردن عودته إليها.

ومثله الكثيرون الذين لا يجدون بلدًا يستقبلهم، حتى اللاجئين الفلسطينيين من غير المنتمين لفصائل فلسطينية لم يجدوا سوى مخيم اعتقال يسمى "سايبر ستي" يؤيهم بالأردن بعد هروبهم من مخيمات جنوب سوريا، ويعيشون في ظروف سيئة للغاية ويمنعون من مغادرة المخيم، على عكس اللاجئين السوريين الذين يتم استقبالهم بحفاوة ورعاية كاملة بالأردن.

ولا شك أن المزايدات على حركة حماس في الشهور الأولى من الثورة السورية، قد أجبرتها على الخروج من سوريا، وأجبرت عدد من قادتها على التصريح بكلام داعم للثورة السورية، مما أثار غضب النظام وبالأخص قاعدته وعناصره الذين يمتلئون حقدًا على حركة حماس و"نكرانها للجميل"، بل امتد الغضب إلى الفلسطينيين ككل، مثلما ذكر المفكر الفلسطيني اليساري سلامة كيلة والذي اعتقل في سجون النظام قبل إبعاده للأردن بسبب دعمه للثورة السورية، حيث لمس تحاملًا كبيرًا على الفلسطينيين و"خيانتهم للنظام" بما يعكس التعبئة الكبيرة الموجودة في صفوف العناصر الأمنية.

كل هذا يجعل استهداف الشهيد من الشبيحة أمرًا واردًا، وإن كان عدم وجود أسبقيات يجعل الأمر غير مؤكد وغير واضح.

النقطة الثانية التي لفتت نظري هي موقف الاحتلال الصهيوني، حيث حرصت الصحافة العبرية على نشر تلميحًا وتصريحًا بأن للكيان ويده الطولى دورًا في اغتيال الشهيد، ونقلت "زلة لسان" مفترضة لباراك بأن الشهيد قد قطع رأسه وفقدت أوراقه، لتلمح لنا بأن الموساد هو من اغتاله.

كان من الواضح أن باراك استقى معلوماته (التي وصفتها صحافة الاحتلال بزلة اللسان) مما تناقلته وسائل الإعلام في البداية، لأنه تبين لاحقًا أنها معلومات غير صحيحة، مما يلقي الضوء على حرص الصهاينة بإظهار أنفسهم في مظهر أصحاب اليد الطويلة القادرة على إيذاء كل من يعاديهم، وهو ما يسمونه "كي الوعي"، وأرجح أنه لا علاقة لهم أصلًا بحادثة استشهاده، وكل ما تداولوه في صحافتهم محاولة لنسبة "إنجاز كبير" إلى أجهزتهم الأمنية.

فمن المستحيل أن يرسل الموساد عناصر له إلى داخل بلد مضطرب أمنيًا مثل سوريا، لأن في ذلك مخاطرة عالية وقد يقتلون عشوائيًا في بلد لا يعرفونها جيدًا، وقد ينكشف أمرهم وتتم تصفيتهم، كما أن تجنيد عناصر من الشبيحة (أو من الثوار كما ردد البعض) وإرسالهم إلى منطقة حرب (وهو حال منطقة قدسيا في الأسبوع الماضي) هو أمر مستحيل، فالمرتزق والعميل لن يخاطر بحياته بهذه الطريقة.

وعندما تردد احتمال أنه قتل بحادث عرضي بدأت بعض الأصوات تتعالى متهمة حماس ببيع دم الشهيد كي لا تغضب النظام السوري (عدنا إلى دوامة المزايدات)، مع أن قيادة الحركة لم تذكر شيئًا عن الحادث العرضي، ومع حقيقة أنه لو كانت معنية بتبرئة النظام لتمسكت برواية أن الموساد قد اغتاله وهي رواية صدقها وسيصدقها الكثيرون، فالقلة تجرؤ على التشكيك بها (لئلا يتهموا بأنهم يبرئون الموساد).

وعلى الجانب الآخر حرصت صحافة حزب الله وتلك المؤيدة للنظام على الترويج لروايات غير دقيقة مثل أن قدسيا ضاحية هادئة ولا يوجد بها اضطرابات أمنية وأن جهاز حاسوب الشهيد قد فقد بعد عملية الاغتيال وأنه عاد قبل يومين إلى سوريا (يبدو أنهم نسوا أن يخبرونا أنه عاد من المعبر الحدودي :) )، وذلك حتى يرسخوا نظرية أنه قتل على يد الموساد الذي استغل حالة "الفوضى" التي تعيشها سوريا.

نلحظ أن الكل يحاول تجيير حادثة استشهاد كمال غناجة لمصلحته والمتاجرة بها، ولا تهمه الحقيقة فبين من يريد إلصاقها بالموساد بأي طريقة كانت حتى يبرئ ساحة النظام، وبين من لا يقبل أي فرضية إلا أن شبيحة النظام هم الفاعلون وإلا فإن حماس تكون قد باعت دم الشهيد، وبين الصهاينة الذي يريدون أن يتباهوا بعمل ربما لم يقوموا به.

لكن الثابت أن الصهاينة هم المستفيدون من قتله، وأنهم يتحملون على الأقل بطريقة غير مباشرة استشهاده فقوائم الممنوعين من دخول الأردن موجودة بطلب من مخابرات الاحتلال، وهم بالتالي من أبقوه رهينة في سوريا بيد المجهول، كما أنه من الثابت أن من يزايد على حركة حماس لا تهمه حياة عشرات الكوادر الذين لا يجدون بلدًا يستقبلهم، من أجل تحقيق غايات آخرها نصرة الثورة السورية.

هناك 6 تعليقات:

جيفارا فلسطين يقول...

قرات المقال للدكتور ابراهيم حمامي عن ظروف اغتيال الشهيد كمال لكن قبل ان اخوض في تفاصيل استشهادة نرجع لقضية استقبال قادة الحركة باقطار دول عربية طبعا قبل فترة تم منع زوجة الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي دخول الاردن كما تم منع كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الاسلامية ..الدكتور حمامي قال بما معناه لو افترضنا ان من قام بهذة الفعلة هو نفسه الموساد فهذة يدل على ان النظام بدء يفقد الامن في السيطرة على الوضع ظروف الاغتيال غامضة والاحتمالات كثيرة لكن لناخد اقرب مثال اغتيال مغنية الذي اغتيل بسوريا تم اغتياله الموساد من خلال ضابط سوري لبسو مع بنت فاقدهم الى مغنية ربما والله اعلم اقرب فرضية لاغتيال كمال هي مغنية مع اختلاف المكان وظروف الاغتيال

ياسين عز الدين يقول...

حياك الله يا طيب.
بعد كتابتي للمقال بدت التصريحات الصادرة عن حماس تميل لتفسير ما حصل بأنه حادث عرضي. والله أعلم.

غير معرف يقول...

أخي الكريم لكن بماذا نفسر الحملة الشعواء على مخيمات فلسطينية في سوريا وقصفها هي أيضا ، وقد طال القدف حتى مواكب التشييع ، حسبنا الله ونعم الوكيل في هذا النظام المجرم ، قد يكون الحادث عرضي ، لكن أنا سمعت أحد المدافعين عن النظام أنه تحدى محاوره وكن نحاوره فلسطيني ، كأنه يُوجه له تحذيرا مبطنا ، لأن حماس خرجت من سوريا ، بماذا نُفسر هذا ؟؟؟؟

ياسين عز الدين يقول...

لا أظن أن ما يحصل في مخيمات سوريا له علاقة بموقف حماس. ما نراه هو من التداعيات الطبيعية للوضع الداخلي في سوريا، فحالة الاستقطاب وصلت ذروتها ولم يعد بإمكان أحد أن يبقى على الحياد.

ما فجر الشرارة في مخيم اليرموك هي مجزرة ارتكبت بحق مجندي جيش التحرير الفلسطيني، ويبدو أن أهالي المخيم مقتنعين بأن النظام هو من ارتكب المجزرة.

مع العلم أن جيش التحرير الفلسطيني يتبع اداريا وعمليا للجيش السوري. ولا علاقة له من قريب أو من بعيد بحركة حماس.

جيفارا فلسطين يقول...

سبب استهداف النظام للمخيمات الفلسطينية بسوريا هو هروب بعض السوريين من بطش النظام الى داخل المخيمات للاحتماء فيها فتمت ملاحقتهم داخل المخيمات وحصلت هناك مواجهات راح فيها ضحايا فلسطينين لا ذنب لهم وبعضهم نزح من المخميات

ياسين عز الدين يقول...

هو اتساع نطاق المواجهات يجعل الفلسطينيين وسط الحدث شاءوا أم لم يشاءوا، والنظام هو يتحمل مسؤولية كل ما يحصل، فتعنته وعناده ورفضه لأية حلول سياسية هو ما قاد سوريا إلى هذه المرحلة المؤلمة.