الثلاثاء، 26 يونيو 2012

شكرًا لك أحمد شفيق


ربما يكون من واجبي كفلسطيني وكمهتم بالقضية الفلسطينية أن أتقدم للمرشح الخاسر أحمد شفيق بالشكر للخدمة التي أداها لنا، دون قصد منه طبعًا، عندما وضع القضية الفلسطينية وسط حملته الانتخابية محاولًا اللعب على ورقة التخويف من "الفلسطينيين وأطماعهم" من أجل اجتذاب الناخبين المصريين.

فالأصل أن الانتخابات الرئاسية المصرية كان اهتمامها ينحصر بالشأن المصري الداخلي، خاصة في ظرف ومرحلة انتقالية تنتقل فيها مصر من نظام بائد إلى نظام جديد، فكانت كل الأنظار والاهتمام حول كيف نتخلص من العهد البائد وتتم عملية بناء مصر جديدة.

ولا أدري من هو المستشار (غير الحكيم) الذي اقترح على أحمد شفيق أن يجعل استعداء الشعب الفلسطيني والوقوف إلى جانب الاحتلال الصهيوني عنوانًا لحملته الانتخابية، عندما أكّد على أن عاصمة مصر هي القاهرة وليس القدس، وعندما عملت الآلة الإعلامية الفلولية على نشر طوفان من الإشاعات عن نية حماس احتلال شبه جزيرة سيناء، وإرسال المقاتلين لتنفيذ حملة اغتيالات واسعة في صفوف قيادات الشعب المصري.


ربما تداعب مثل هذه الاتهامات مشاعر بعض الفلوليين الذين كانوا سينتخبون أحمد شفيق بكل الأحوال؛ إلا أنها تستفز مشاعر عموم الشعب المصري، الذي يعتبر نفسه منحازًا بشكل تلقائي إلى الشعب الفلسطيني، بل والكثير من المصريين يعتبرون فلسطين قضية داخلية وليست خارجية، وبالتأكيد مثل هذه التصريحات دفعت العديد من المترددين إلى انتخاب محمد مرسي، لا نستطيع أن نحدد عددهم لكن ربما (وأقول ربما) كانوا هم الكفة التي رجحت ميزان مرسي، ولولا أن الشأن الداخلي كان هو الطاغي على الحملة الانتخابية لكانت كفة مرسي رجحت بشكل أكبر بكثير.

على كل حال من حسن حظنا أنه فعل ذلك، لأنه جعل من الانتخابات المصرية مواجهة بين مرشح فلسطين "محمد مرسي" ومرشح الكيان الصهيوني "أحمد شفيق"، وبعد عشرات من السنوات التي ترسخت في ذهن الناس أنه لا يمكن لرئيس أن يتولى الحكم في بلد ديموقراطي أو ديكتاتوري ما لم يكن مرضيًا عنه من جانب الكيان الصهيوني أو أمريكا، جاءت الهزيمة لمرشح الكيان الصهيوني.

وبالتالي كان انتصار محمد مرسي من هذا الجانب هو انتصار للقضية الفلسطينية، انتصارًا رمزيًا في المرحلة الحالية، لكن بكل تأكيد سيلقي ظلاله على المرحلة المقبلة، لا نقول أنه سيجهز الجيوش ويزحف نحو فلسطين، لكن بكل تأكيد سنرى تغيرًا جوهريًا في موازين الصراع مع الكيان الصهيوني بما لا يسر الصهاينة.

في خلال الأعوام القليلة القادمة سيكون مرسي ومعه الإخوان وحلفاءهم (وآمل أن يكون حلفًا واسعًا وقويًا) من أجل رسم صورة ومضمون وجوهر مصر الجديدة، وقد قال الشعب المصري كلمته فيما يتعلق بجارة مصر الشرقية، ففلسطين من بين القضايا التي لا يوجد فيها اختلاف بين الثوار، إلا إن تكلمنا عن مزايدات حول من هو الأكثر ولاءً وحبًا لفلسطين.

وهذا ما يقلق الكيان الصهيوني ويقض مضجعه، ويخرج قادته عن طورهم عندما يصرح بيريس بأن مصر ستدفع الثمن إن لم تلتزم بمعاهدة كامب ديفيد، فما يخيف الصهاينة ليس تهديدات وشعارات لن تجد طريقها إلى التطبيق ولا مغامرة عسكرية غير محسوبة، بل إعادة بناء دولة على أسس جديدة بحيث تكون هذه الدولة قادرة على خوض مواجهة في المستقبل وتنتصر بها.

لقد خاض عبد الناصر مواجهات مع الكيان الصهيوني، لكن مصر لم تكن مهيأة لها فكانت الهزيمة تلو الهزيمة، ما يخيف الصهاينة هو دولة صلبة ومتينة تجاورهم حتى لو لم تعلن عليهم الحرب.
تمثل تركيا أنموذجًا لما أراه الدور المصري تجاه القضية الفلسطينية في المرحلة القادمة، وتحديدًا بعد إنهاء حكم العسكر وتطهير الدولة المصرية من أغلب الفلول، مع فارق مهم وخطير أن مصر تملك حدودًا مع فلسطين بكل ما يعنيه ذلك من ذخر استراتيجي لفلسطين وتهديد للكيان الصهيوني.

شفيق ربما ظن أنه سيكسب أصوات بعض "المتعصبين المصريين"، وربما كان يمهد الطريق للاستمرار بطريق مبارك والموقف المعادي لفلسطين والموالي للكيان الصهيوني، لكن بفضل صفاقته ووقاحته حولها لمعركة بين فلسطين وما تسمى "إسرائيل"، وكسبت فلسطين هذه الجولة؛ فشكرًا لك ولا عزاء للفلول.

ليست هناك تعليقات: