الأحد، 3 يونيو 2012

نظرة في نتائج انتخابات الرئاسة المصرية وانعكاسها على مرحلة الإعادة



أثبتت انتخابات المرحلة الأولى للرئاسة المصرية عدة حقائق يجب التوقف عندها مليًا حتى نفهم إلى أين تسير مصر، وكيف ستنعكس على نتيجة مرحلة الإعادة بين محمد مرسي وأحمد شفيق، وأبرز هذه الحقائق:
 
أولًا، العامل الأقوى والأكثر قدرة على الحسم هو الماكنة الانتخابية وشبكة العلاقات الاجتماعية التي تمتلكها أي جهة انتخابية، ويلي ذلك الإعلام والإنجازات التي حققتها هذه الجهة أو تلك.
فبالرغم من التشنيع الإعلامي على مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي ووصفه بالمرشح الباهت وعديم الشخصية، وصولًا إلى الاستهتار بفرص فوزه، وقد كانت وسائل الإعلام المصرية والعربية (بما فيه فضائية الجزيرة) تستهين بفرص فوزه ولا تعطيه المركز الرابع أو الخامس، مع ذلك فقد حل بالمرتبة الأولى، وذلك بفضل الماكنة الانتخابية وشبكة العلاقات التي تمتلكها جماعة الإخوان المسلمين، والتي استطاعت تقليل حجم الخسائر وتحجيمها.
 
وبنفس مماثل استطاع أحمد شفيق استغلال شبكة العلاقات التي يمتلكها النظام السابق وما يسمى الفلول (وهي تسمية مضللة لا تعكس حقيقتهم المتغلغلة في كافة مفاصل الدولة)، فيما فشل مرشح مثل عبد المنعم أبو الفتوح قام الإعلام بتلميعه لفترة طويلة وتقديمه على أنّه المرشح الإسلامي الأبرز والأقوى وذلك لافتقاره إلى شبكة علاقات وبنية حزبية تجاري الإخوان المسلمين أو بقايا النظام السابق، ورغم أنّ التيار السلفي قدم له الدعم، إلا أنّ تحالفه كان على مستوى القيادات فيما كان تفاعل قواعد التيار السلفي محدودًا مع حملته الانتخابية فلم يستفد كثيرًا من شبكة علاقاتهم الاجتماعية.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ أقل من نصف الذين يحق لهم الانتخاب شاركوا بالمرحلة الأولى، فهذا يعني أنّ القدرة على الحشد وتنشيط الماكنة الانتخابية سيلعبان دورًا كبيرًا في حسم المرحلة الثانية من انتخابات الرئاسة.

ثانيًا، أكبر حزبين في مصر هما حزب "ملعون أبو السياسة" وحزب "الأصوات العائمة"، وكل منهما يشكل حوالي ثلث الناخبين، وإن كان من الصعب جدًا (أو حتى من المستحيل) إقناع أعضاء الحزب الأول بالخروج للانتخاب، فأعضاء الحزب الثاني ولاؤهم متغير ومن السهل أن ينقلبوا من تأييد مرشح إلى مرشح آخر، وهذا يفسر سبب هبوط الإسلاميين من حوالي 70% من نتائج انتخابات مجلس الشعب، إلى أقل من 45% من أصوات الناخبين (وهو مجموع ما حصل عليه محمد مرسي وأبو الفتوح والعوا).
أكبر درس يجب أن يتعلمه الإخوان المسلمون والتيار الإسلامي ككل أن ولاء الناس المطلق للإسلام لا يعني بيعة دائمة للإخوان أو التيارات الإسلامية، وأنهم دومًا سيكونون تحت مجهر الناس والمجتمع، ويجب عليهم أن يبذلوا جهدًا لإقناع الأصوات العائمة بأنه يجب انتخاب مرشح الإخوان.
كما يعلمنا هذا أن مجرد الاتفاق مع أبو الفتوح أو حمدين صباحي لا يضمن الأصوات التي صوتت لهما، فمن الخطأ أن نتعامل مع أصوات الناخبين وكأنها ممتلكات شخصية للأحزاب أو المرشحين، أغلب الناخبين ليسوا مستعدين لأن يلتزموا مع حزب سياسي، وحتى الملتزمين قد يغيروا رأيهم إن رأوا ما لا يعجبهم من الحزب، فقط الحزبيون والمنتمون بشكل متجذر يمكن ضمان أصواتهم، وهم قلة قليلة وخصوصًا في مجتمع مستجد على عالم العمل السياسي مثل المجتمع المصري، وبتقديري فالأحزاب المصرية مجتمعة لا تتجاوز نسبتها الـ20%.

ثالثًا، لا شك أن ارتفاع المعنويات القاعدة الشعبية أو هبوطها لهذا المرشح أو ذاك يمكن أن يؤثر على نتيجة الانتخابات وبصورة كبيرة، وذلك لتأثيرها على عمل الماكنة الانتخابية وحماسة وفعالية أنصار المرشح وبالتالي قدرتهم على حشد الناس من أجل التصويت له.
ولا شك أنّ نتيجة المرحلة الأولى أثرت سلبًا على الكثير من مؤيدي الثورة، وربما دفعت بعضهم لاتخاذ قرار بمقاطعة المرحلة الثانية أو الانكفاء بحجة أن مرشح الفلول "سيتم تنجيحه بكل الأحوال"، واستغل معسكر شفيق هذه الصدمة من أجل شن حرب نفسية، وهو أسلوب مشابه لما اتبعته جبهة التحرير في الجزائر وحركة فتح في انتخابات الجامعات بالضفة؛ ألا وهو إشاعة جو إحباط بين معارضي النظام وإقناعهم بأنّه لا فائدة مطلقًا من خوض الانتخابات، وبالتالي يضمنوا الفوز والنجاح بدون الحاجة للتزوير، وبالتالي يضمنوا لأنفسهم "فوزًا نزيهًا".
ولعل الحكم على حسني مبارك وخوف الكثير من المصريين من العفو عنه في حال فوز شفيق، وحالة الغضب والاعتصامات ضد قرار الحكم المتساهل، والتي يقابلها حالة الإحباط وانقسام مؤيدي النظام إلى فريقين: مؤيد للحكم يعتبره دليلًا على نزاهة المجلس العسكري، ومعارض له يعتبره طعنة في ظهر حسني مبارك، عوامل تقلب موازين الحرب النفسية فيما لو استغلها الإخوان المسلمين بالطريقة الأمثل.

رابعًا، لا تعبر نتيجة المرحلة الولى عن ندم الشعب المصري على الإطاحة بمبارك كما يزعم البعض، فحتى مرشح الفلول أحمد شفيق يقول أنه لا عودة للعهد السابق، صحيح أنه (في رأيي على الأقل) كذاب أشرّ لكن مجرد تبرؤه من العهد السابق يعني أنه لا يوجد من يجرؤ على الإشادة بالعهد السابق علنًا.
هنالك أسباب مختلفة دفعت الناس لانتخاب أحمد شفيق، أما عمرو موسى فلا يمكن اعتبار جميع من انتخبه من مؤيدي النظام أو محبي مبارك فهو حاول ومنذ البداية التمايز عن النظام وركوب موجة الثورة، وحتى تصريحاته بعد نتيجة المرحلة الأولى تؤكد على عدم السماح للنظام السابق بالعودة (في إشارة لعدم قبوله بفوز شفيق).
وإذا ما جمعنا نتائج التصويت نجد أنّ مرشحي الثورة الثلاثة (مرسي وأبو الفتوح وصباحي) أخذوا أكثر من 62%، في حين أنّ مرشح الفلول والنظام السابق أخذ 24% فقط، أما عمرو موسى فكما قلت من الصعب أن نحسب الأصوات التي أخذها على أنها تصويت للفلول والنظام البائد.

في الختام:
أهم الدروس التي نستفيدها من المرحلة الأولى لانتخابات الرئاسة هي أنّه لا يوجد أي نتيجة مضمونة، وإن كانت المؤشرات تنبئنا بفوز محمد مرسي لكن حتى يكون فوزًا مضمونًا فهذا يتطلب تنشيطًا للماكنة الانتخابية الإخوانية والتوجه إلى القطاع العريض من الشعب المصري ومخاطبة همومه والالتحام بمشاكله.

ولأن الفترة المتبقية بسيطة فمن الضروري الإقدام على خطوات كبيرة ولافتة للنظر مثل أن يقبل الإخوان بشروط أبو الفتوح لدعم محمد مرسي، وأبرزها تشكيل مجلس صياغة الدستور وفق أسس تضمن عدم سيطرة الإخوان عليه (اتخاذ القرارات بأغلبية الثلثين وأن يكون المجلس مكون من خبراء قانونيين وما إلى ذلك)، وإلا فإنه من الصعب أن يقنع الإخوان الأصوات العائمة بأنهم يمثلون فعلًا مشروعًا لكل المصريين.

والأهم من السعي للفوز بالانتخابات هو أن يدرك الإخوان أنهم مقبلون على مرحلة يقودون فيها المجتمع المصري، فإما أن يكونوا قادة لكل المصريين واستيعاب كافة أطياف المجتمع وبكل تناقضاته، وبالتالي ينجحون بالمهمة ويجدد لهم الناس البيعة، أو أن يبقوا في قوقعة الجماعة والتيار الإسلامي وأن يتصرفوا وكأنهم ممثلون للتيار الإسلامي يريدون الاستئثار بمقدرات الدولة لصالحهم.

وأكبر خطيئة ممكن أن يرتكبها الإخوان والتيار الإسلامي العريض هو الظن بأن الشرعية الانتخابية هي شرعية أبدية، الشرعية التي حصلوا عليها عام 2011م يجب أن تجدد في كل مرحلة انتخابية، وأولها (وليس آخرها) انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012م.

هناك تعليقان (2):

مسلمة غيورة يقول...

والله من شدة يأسي لا أستطيع المتابعة وأكتفي في آخر النهار بمطالعة الموجز .
لماذا ؟؟؟
لأني بكل بساطة متأكدة أن نتيجة الآنتخابات سوف يتم تزويرها لرفع العملاء إلى القمة . من المستحيل أن تسمح أمريكا وأسرائيل لفريق إسلامي أن يمسك زمام مصر ... عصب إسرائيل في العالم العربي .

ياسين عز الدين يقول...

حجم المؤامرة يتضح يومًا بعد يوم، فالمجلس العسكري قام بالاحتفاظ لنفسه بصلاحيات التشريع والكثير من صلاحيات الرئيس.

على الأغلب سيستطيع محمد مرسي الفوز، لكن هنالك خطة لحصاره وجعله رئيسًا شكليًا.