في مشهد لا يخلو من سخرية وسيريالية مفضوحة قررت
ما تسمى بالمحكمة الدستورية العليا حل مجلس الشعب المصري لأسباب معلنة أقل ما يقل
عنها أنها استغباء واستحمار للناس، وهي في حقيقتها محاولة جريئة ووقحة من فلول
النظام المصري من أجل وقف عجلة التاريخ وإعادة إنتاج نظام مبارك بكل قرفه وقذارته.
وبعد ما بدا لبعض الناس أن المجلس العسكري ينوي
تسليم السلطة للشعب وفق قواعد اللعبة الانتخابية، تأكد أنه كان طوال الوقت يراوغ
من أجل إطالة الفترة الانتقالية تمهيدًا لإعادة إنتاج النظام القديم.
ومثل كل فلول العالم العربي يصر فلول مصر على
معادلة إما نحن أو لتحترق البلد، ولعل قبول فلول تونس تسليم السلطة هو الاستثناء
الذي يثبت القاعدة، لنصبح اليوم على يقين بأنّ فلول العهد البائد مصرين على خوض
معركتهم الأخيرة حتى لو كان ذلك يعني خرق كل قواعد المنطق واللعبة الانتخابية، وحتى
لو أدى ذلك لجر مصر إلى هاوية الفوضى والاقتتال الأهلي.
هذه طبيعة الفلول التي تعبر عن التخلف السياسي
والاجتماعي في مجتمعاتنا العربية، وتعبر عن ضيق الأفق والأنانية المفرطة والغباء
السياسي، وبعدما تيقنوا أن نتيجة انتخابات رئاسية نزيهة لن توصل مرشحهم للسلطة،
قرروا استباق الانتخابات بحل مجلس الشعب، فاتحين الباب على إلغاء انتخابات الرئاسة
فيما لو فاز مرسي أو تسليم شفيق الحكم بصلاحيات مطلقة.
بالإضافة إلى ادخال الشعب المصري في دوامة إعادة
انتخابات مجلس الشعب، ومن ثم حله مرة ثانية وثالثة ورابعة، ما دامت النتيجة لا
تعجب الفلول وأذرعهم الممتدة في الدولة والقضاء غير النزيه.
عندما تخرق قواعد اللعبة السياسية من أحد
الأطراف وبهذا الشكل الفج فإنه يعطي الشرعية لباقي الأطراف من أجل عدم احترام
قواعد اللعبة مطلقًا، فاتحين الأبواب على الفوضى السياسية وربما الانحدار إلى
اقتتال أهلي وإعادة تجارب مريرة مثلما حصل في الجزائر بداية التسعينات.
ولعل الفلول يراهنون على إعادة السيناريو
الجزائري وربما إعادة سيناريو أحداث حماة عام 1982م لو تطلب الأمر، ولا يهمهم لو
قتل الآلاف أو عشرات الآلاف، ومن الواضح أنهم لن يسلموا بنتيجة انتخابات الرئاسة
فيما لو فاز محمد مرسي، وسيجدون ألف طريقة وطريقة لإخراجه من خلال أحكام قضائية أو
رفض التعامل معه مستغلين تحكمهم بمفاصل الدولة والأجهزة الحكومية.
ولكي لا يعيد الإخوان تجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ
أو إخوان سوريا، فلا يجوز أن يواجهوا النظام منفردين وإلا تخلى عنهم الشعب، يجب أن
يكونوا ضمن تحالف حقيقي ومتين مع قوى الثورة والقوى الشعبية، أما إن كانت الجماعة
لوحدها في مواجهة العسكر فالانتصار سيكون حليف العسكر وسيسحقون الإخوان وستنتكس
مصر وتعود إلى الوراء ولحكم أكثر سوءًا من حكم مبارك.
ويجب على القوى الثورية والشعبية أن تدرك الخطر
الداهم الذي يتهددهم فإعادة انتاج النظام سيكون أكثر سوءًا من الذي سبقه، وسيكون
مشبعًا بالرغبة في الانتقام من الشعب كله، وكان الخطأ الذي وقع فيه الإخوان وباقي
القوى الثورية أنهم انشغلوا في اقتسام الكعكة ونسوا أن هنالك مجلس عسكري يمسك بزمام
الأمور وغفلوا عن الفلول التي تعمل في الخفاء من أجل العودة.
نتيجة الانتخابات الرئاسية لا تعني الكثير، لأن
نوايا العسكر والفلول واضحة إما فوز شفيق وإما خراب البلد، وهذا ما يجعل المطالبة
بانسحاب مرسي من مرحلة الإعادة مطلبًا منطقيًا، وإن كنت أرى أنه من الأفضل أن
يرافق هذا الخيار تعطيل جماهيري للعملية الانتخابية ومنع إجرائها، وأن يكون هنالك
نزول إلى الشارع والمطالبة بعزل العسكر وإنهاء حكمهم بشكل فوري، فمن لا يحترم
نتائج الانتخابات ليس مؤتمنًا على إجرائها.
وربما لا يوجد وقت لمناقشة جدوى الانسحاب وقد
بقي يوم واحد فقط على مرحلة الإعادة، ويبدو الإخوان مصممين على المضي بها وعدم
الانسحاب، لكن يجب أن يضعوا في عين اعتبارهم أنّه سواء فازوا أم لم يفوزوا فالمجلس
العسكري لا ينوي التسليم وينوي التمسك بالحكم حتى آخر رمق.
مستقبل مصر وبكل أسف اليوم بيد العسكر وفلول
النظام، إما أن يقبلوا بقواعد اللعبة الانتخابية وإما أن يقودوا مصر إلى المجهول،
ومن الواضح أنهم لا يأبهون لمصير مصر، فالمهم مصالحهم الأنانية والضيقة ولتذهب مصر
إلى الجحيم، لذا يجب على أطراف الثورة من إخوان وإسلاميين وجماعات شبابية أن
يكونوا مستعدين للمواجهة الحتمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق