خلال احتفال بمناسبة تخريج أول دفعة من كلية
الشرطة في 14/6/2012م في غزة خرج علينا كل من رئيس الوزراء في غزة إسماعيل هنية
ووزير داخليته فتحي حماد، بتصريحات غير موفقة ولا لزوم لها أثارت جدلًا واستغلتها
أجهزة إعلام فتح للتحريض على حركة حماس ولإثبات مزاعمهم بأنّ حماس غير صادقة
بمساعي المصالحة.
جاءت التصريحات في سياق كلمات شددت على الإشادة
بدور الشرطة في غزة بوقف الانفلات الأمني، وعدم السماح بعودة الانفلات الأمني
مجددًا، والتأكيد على عدم السماح بملاحقة الأجهزة الأمنية في غزة للمجاهدين
والمقاومين، وهذا الكلام بمجمله جميل وفي مكانه وضروري.
إلا أنّ بعض العبارات تسربت خلال الكلمات خربت
كل شيء، وقلبت كل مضامين الكلام، وبدلًا من أن تكون لصالح حماس أصبحت عليها، فقال
هنية أن الحكومة قررت أن يكون 14/6 (ذكرى الحسم العسكري ضد حركة فتح) عيدًا
للشرطة، أما فتحي حماد فقال أنه لا مصالحة مع العلمانية وأنه لا مصالحة مع أحذية
الاحتلال.
ولنتكلم بدايةً عن قرار اتخاذ عيدًا للشرطة في
ذكرى الحسم (والذي يذكرني بقرار حسني مبارك بعمل عيدًا للشرطة ولا أدري لماذا يجب
أن نقلد الأنظمة البائدة في هذه الشكليات)، ونتساءل هل حكومة غزة هي حكومة حركة
حماس؟ أم حكومة الشعب الفلسطيني كله؟
إن كانت حكومة حركة حماس فالتسمية ليست في
مكانها لأن حماس قالت أن الحسم كان حدثًا استثنائيًا ومؤلمًا واضطراريًا، هل يصح
لحدث استثنائي وطارئ أن يصبح ذكرى ومناسبة للاحتفال؟ وإن كانت حكومة الشعب
الفلسطيني فالأصل اختيار مناسبات تجمع الشعب الفلسطيني ولا تفرقه ولا تنكأ جراح
الماضي.
لو اختير يوم 27/12 يومًا للشرطة (على سبيل
المثال) لكان مفهومًا ولما اعترض عليه أحد، ففي مثل هذا اليوم سقط المئات من رجال
الشرطة في العام 2008م في غارات الاحتلال على مراكز الشرطة في غزة، وهو تكريم لمن
خاطر وضحى بحياته من أجل إعادة الأمن والاستقرار لغزة، وبنفس الوقت ليس مناسبة
توتيرية ولا مناسبة خلافية تقسم أبناء الشعب الفلسطيني.
أما تصريحات فتحي حماد وخصوصًا كلامه عن عدم
الصلح مع العلمانية وعدم الصلح مع أحذية الاحتلال، فهي غير مقبولة ليس فقط لأنها
تستجلب أعداءً جدد لحركة حماس (وحماس لديها ما يكفي من أعداء أصلًا)، بل لأنها
تحمل مغالطات ورسائل غير صحيحة تضر بمصداقية حركة حماس قبل كل شيء.
فما علاقة العلمانية بالخلاف مع حركة فتح؟ أصلًا
حركة فتح بالأساس ليست علمانية، حركة فتح لا تحمل عقيدة أيديولوجية وكما وصفها
الشهيد عبد الله عزام "فتح لا دين لها" بمعنى أنها تتلون بالألوان
الموجودة على الساحة العقائدية، وبالفعل تجد في فتح من الماركسي إلى السلفي إلى
القومي إلى من لا يحمل أي فكرة.
صحيح أن قيادات فتح أغلبهم علمانيون لكن قاعدتهم
الشعبية أغلبهم محافظون ويحملون قدر معين من التدين وأكثرهم ضد فصل الدين عن
الدولة، وحتى من يصفون أنفسهم بالعلمانية قسم منهم لا يفقه ما العلمانية وقسم آخر
مضلل والمفاهيم لديه مشوشة، فهل يعقل أن يجمع فتحي حماد كل هؤلاء ويضعهم في قالب
واحد ويقول لا مصالحة معهم؟
هل العلمانية هي سبب الخلاف مع فتح؟ أصلًا فتح
لم تطرح في يوم من الأيام العلمانية كخيار للحكم (وأصلًا لا يوجد لدينا دولة
لنختلف على طريقة إدارتها)، فتح مشكلتها في التنسيق الأمني مع الاحتلال، وهنا نأتي
لعبارته الثانية وهو لا مصالحة مع أحذية الاحتلال.
عندما تقول هذه الجملة في سياق القطيعة مع حركة
فتح وفي ظل قرار بأنه لا مصالحة مع فتح حتى توقف التنسيق الأمني، فهذا يكون
مفهومًا، أما عندما تذهب حركتك للتفاوض مع
فتح وللمصالحة معهم وعندما يقترب الوقت للاتفاق على حكومة الوحدة الوطنية،
فمثل هذه الجملة تعني أنّ حماس لا قرار لها أو أنها تتكلم بوجهين: أمام فتح والدول
العربية بوجه المصالحة وأمام أنصارها بوجه الحرب المفتوحة.
ويزيد الطين بلة أنّ كل من هنية وحماد سيخسران
منصبيهما في حال أقرت حكومة التوافق الوطني، مما يلقي شبهة المصلحة الشخصية لإطلاق
هذه التصريحات، وكأنهما يريدان إفشال المصالحة من أجل البقاء في الحكومة والوزارة.
وما لا يدركه قادة حماس في غزة أن التصريحات
المتشنجة والتي تأتي بدون مسوغ منطقي، تستخدمها حركة فتح وأجهزتها الأمنية في الضفة
من أجل غسل أدمغة عناصرها وتسوّغ لهم العمالة المقنعة والمسماة "التنسيق
الأمني" فبدلًا من أن يقضوا على التنسيق الأمني كما يطالبون هم يعززون التنسيق
الأمني ويقدمون خدمة جليلة لأجهزة فتح الأمنية.
وأخيرًا كنا نتمنى أن نسمع تصريحات حادة من قادة
حماس في غزة ومن إسماعيل هنية وفتحي حماد ردًا على تزايد وتيرة الاعتقالات
السياسية في حلحول، بدلًا من نبش الماضي، فالناس لا تحب نكأ الجراح وتريد
المستقبل، الناس لا تريد تذكر الحسم العسكري لكنها تريد المستقبل ومن المفيد أن
تقولوا من أجل مستقبل أفضل فلتتوقف سلطة رام الله عن الاعتقال السياسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق