بعد خروجه من فضائية الجزيرة واتهامها بالتآمر
على القضية الفلسطينية وتنفيذ أجندة أمريكية بسبب تغطيتها للثورة السورية
وانحيازها ضد النظام السوري، قرر غسان بن جدو إنشاء فضائية جديدة جاعلًا القضية
الفلسطينية والمقاومة في مركزها.
لحد هنا يبدو بن جدو منسجمًا مع نفسه وقناعاته،
لكن عندما نرى كيف ينوي إدارة هذه الفضائية التي ستعمل ابتداءً من يوم الغد كما تم
الإعلان عنه، فنتساءل عن المنحدر الذي وصل إليه هذا الرجل وعن الإنطلاقة المشبوهة
لقناته وما هي الرسالة التي ستقدمها لنا وللمشاهد العربي.
تملأ الإعلانات عن فضائية الميادين شوارع الضفة
الغربية على لافتات عملاقة، والتي لا يمكن نشر عليها شيء بدون رضا الأجهزة
الأمنية، علمًا بأن أهم شركات اللافتات وهي شركة سكاي يملكها ابن محمود عباس، فأي
قناة مقاومة هذه التي تروج لها سلطة محمود عباس؟
وليت الأمور توقفت عند هذا الحد بل إن مدير أهم
مكتب صحفي يتبع الفضائية، وهو مكتب فلسطين ليس إلا ناصر اللحام، الصحفي اليساري الناشط
السابق في الجبهة الشعبية، ومؤسس وكالة معًا (والتي تعمل كبوق صحفي لمقاطعة رام
الله)، وصاحب الاربتاطات الوثيقة بالأجهزة الأمنية التي قام دايتون بإعادة
تأهيلها، وصاحب الصداقة الوطيدة مع القاطنين بمقاطعة محمود عباس، وصاحب المقالات
التي تكيل المديح لسلام فياض ومحمود عباس وتجاربهما التفاوضية والإصلاحية.
أيعقل أن فضائية مدير أهم مكتب تابع لها بهذه
المواصفات ستكون رافد حقيقي للمقاومة؟ أم أنها مقاومة أكبر صحن حمص وأكبر قرص
فلافل؟ وجود شخصية مثل ناصر اللحام وتحكمه بكل ما يخرج من أخبار وتقارير تتعلق
بفلسطين، يعني تحكم الأجهزة الأمنية والجناح الفياضي بالسلطة بكل هذه الأخبار
والتقارير.
هل ثمن نجاح فضائية بن جدو وانطلاقتها هو هذه
الصفقة الشيطانية مع سلطة محمود عباس؟ كيف تسمي نفسك مقاومًا وتدعم المقاومة وأنت
تشغل العدو الأول للمقاومة؟ ماذا سيكون موقف ناصر اللحام من الاعتقالات السياسية؟
وماذا سيكون موقفه من تصعيد المقاومة داخل فلسطين؟ وماذا سيكون موقفه تجاه
المفاوضات العبثية التي يجريها سيده وولي نعمته مع المحتل الصهيوني؟
إن اختيار بن جدو الأكثر من سيء لللحام يعزز
الاتهامات له ولمن يمثله (من حكام دمشق وحزب الله) بأنهم يتاجرون بالقضية
الفلسطينية والمقاومة لا أكثر، وهذه دعوة لكل من دافع عن قرار بن جدو بترك الجزيرة
والانقلاب عليه ليراجع نفسه، فهل من المهنية والأخلاق العمل مع شخص امتهن الكذب
الرخيص في سبيل تلميع سلطة تدور في فلك الاحتلال الصهيوني؟ أم أن التجارة بالقضية
الفلسطينية تبيح كل المحظورات وذلك في سبيل تلميع نظام الأسد وحلفائه؟
وفي المقابل تثبت هذه الفضيحة لثوار سوريا ولكل
المتعاطفين معها أن كل المنافقين من أتباع أمريكا والذين كانوا يتظاهرون طوال
الوقت بدعمهم للثورة السورية لم يكونوا صادقين في يوم من الأيام، بل كانوا وقت
الحقيقة الأعداء الأوائل للثورة السورية.
فضحتم حماس وتهجمتم عليها لأنها وقفت على
الحياد، أما عندما تسخر سلطة رام الله أبرز إعلامييها لخدمة فضائية تلمع النظام
السوري فلا أحد يتكلم، وعندما تمنع السلطات السعودية الأئمة من جمع التبرعات
للثورة السورية وتستدعيهم وتهددهم بالاعتقال فلا أحد يتكلم، وعندما يعتقل النظام
الأردني شباب كانوا ينوون الذهاب إلى سوريا من أجل المحاربة في صفوف الثورة فلا
أحد يتكلم.
خلال العام الماضي تلبّس الأمر على الناس وظنوا
أنها معركة أنظمة الممانعة في وجه أنظمة الانبطاح، وكان مطلوبًا تجيير الثورة
السورية لصالح نظام الانبطاح العربي، لكن التطورات الأخيرة تثبت أنّ أنظمة
الاستبداد كلها (ممانعة ومستبدة) على قلب رجل واحد من دمشق إلى عمان إلى سلطة رام
الله إلى الرياض، وهي إن أظهرت الخلاف والعداء والتحريض في العلن، فهم حلفاء
بالسر.
كانت حركة فتح والسلطة المحرض الأول على حماس،
ولطالما زايدوا عليها بما يتعلق بالثورة السورية، وبعد أن خرجت قيادة حماس من
سوريا، أصبحت الثورة السورية خارج اهتماماتهم فالمطلوب كان إحراج حماس فقط لا غير،
والآن لم تعد الثورة تلزمهم وأصبح من الطبيعي عقد صفقات مع الشيطان نفسه وضد
الثورة السورية، فبقاء نظام الأسد هو صمام الأمان لكل أنظمة الاستبداد في العالم
العربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق