الاثنين، 2 أكتوبر 2017

الأسرة الشهابية وآل سعود.. المأساة تتكرر


يعود نسب الشهابيين إلى بني مخزوم، وقدم أجدادهم إلى بلاد الشام مع الفتوحات الإسلامية، واستقروا في سهل حوران، وخلال فترة نور الدين زنكي انتقلوا إلى جبل لبنان لمقاتلة الصليبيين واستقروا هناك.

وكان أغلب سكان جبل لبنان من الدروز والمسيحيين، وكان الشهابيون مسلمين سنة إلا أنهم استطاعوا انتزاع إمارة جبل لبنان من بعد الأسرة المعنية الدرزية، وكانوا في تنافس مع العائلات الإقطاعية الدرزية.

وفي حين كان المسيحيون الموارنة والروم يشكلون غالبية السكان، إلا أن نفوذهم السياسي كان ضعيفًا، لكن الأمور بدأت بالتغير مع أواخر القرن الثامن عشر ميلادي.

فبحكم الاختلاط مع المسيحيين والانبهار بأوروبا واستقدام مدرسين أوربيين لأبناء أمراء الشهابيين، بدأ الكثير منهم باعتناق المسيحية منذ أواخر القرن السابع عشر، وأكثرهم اعتنق المسيحية سرًا؛ مثلما يشاع عن الأميرين يوسف الشهابي وبشير الكبير.

لكن الكثير من أحفادهم جاهروا باعتناقهم المسيحية لاحقًا، وأصبح قسم كبير من العائلة موارنة مسيحيين، ومن بينهم رئيس لبنان السابق فؤاد شهاب (1958- 1964).


ما يهمنا هو مواقف بشير الكبير الذي بقي ظاهريًا مسلمًا، ويقال أنه اعتنق المسيحية سرًا، لكن الأكيد أن زوجته وأبناءه اعتنقوا المسيحية، فقد رفض مساعدة أحمد باشا الجزار أثناء حصار نابليون لعكا.

كما أنه تحالف مع خصوم الدولة العثمانية مثل محمد علي باشا، وكان ذلك سببًا في نهاية حكم الأسر الشهابية لجبل لبنان ونفيه (عام 1840م)، لكن الآثار المدمرة بقيت إلى يومنا هذا.

فقد أعطى الشهابيون المسيحيين الموارنة القوة السياسية التي كانوا يفتقدونها، وشجعوهم على التمرد، وكان هذا مبررًا لفرنسا لكي تتدخل لاحقًا في شؤون لبنان ابتداءً من أحداث عام 1860م إلى حقبة الاستعمار وإنشاء دولة لبنان لتكون كيانًا مارونيًا مواليًا للغرب.

لم يكن الشهابيون استثناءً بتأثرهم بالتغريب والبعثات التبشيرية، فأكثر أبناء النخب الحاكمة في أواخر عهد الدولة العثمانية وفي عهد الاستعمار، تأثروا بحكم دراستهم في المدارس التبشيرية وفي الغرب بالفكر الغربي، وكانوا هم من ادخل الفكر القومي واليساري والعلمانية إلى المنطقة.

هذه النخب وإن لم يتخلى أغلبها عن الدين الإسلامي إلى المسيحية، إلا أنهم حملوا أفكارًا علمانية معادية للدين.

ما نراه في الخليج اليوم مشابه في كثير من النواحي لما حصل مع النخب العربية أواخر العهد العثماني، ومع ما حصل للأسرة الشهابية، فأكثر أبناء الأمراء السعوديين تلقوا تعليمًا غربيًا وأكثر اختلاطهم مع الغربيين، والكثير من مستشاريهم مسيحيون لبنانيون (وغير لبنانيين).

فما يقوم به محمد بن سلمان ومحمد بن زايد هو انعكاس للتربية في محاضن فكرية تغريبية، وهما ليسا استثناء بين أبناء الأمراء في السعودية والإمارات والخليج عمومًا، ومن احتك بهم يدرك درجة انبهارهم بالحضارة الغربية.

الاختلاف اليوم بين السعودية وباقي الدول العربية، أن الدول العربية مرت بمرحلة الانبهار بأوروبا والتغريب والعلمنة، ثم جاءت الصحوة الإسلامية وتحديدًا الإخوان المسلمين، ووضعت كوابح، وميزت بين الاستفادة من منتجات الحضارة الغربية وبين الانبهار العقائدي والفكري بالغرب.

لكن السعودية بقيت في منأى عن تأثير الإخوان، لوجودها تحت سطوة الفكر الديني التقليدي العائد للقرون الوسطى، ورغم استقوائه بالسلطة إلا أنه كان عاجزًا عن مواجهة التغريب فكريًا، وما نراه اليوم في السعودية هو نتيجة لذلك.


وهذا أحد أسباب العداء الشديد للإخوان المسلمين، لأنهم هم الذين استطاعوا تحجيم العلمنة في مجتمعاتنا العربية، عكس الجماعات الدينية التقليدية الهشة فكريًا في مواجهة العلمنة.

ليست هناك تعليقات: