حملة مقاطعة جوال والوطنية...ولدت ميتة |
نظم نشطاء على الفيسبوك قبل أكثر من أسبوع حملة لمقاطعة
شركتي جوال والوطنية لمدة يوم واحد في (1/5/2013م) وذلك احتجاجًا على الأسعار
المرتفعة وسوء الخدمات المقدمة، ولو تجاوزنا الأولويات الوطنية التي قد يراها
الكثيرون أنها أحق وأولى من قضية اقتصادية مثل هذه، فيمكن القول أن الحملة قد
شابتها ومنذ البداية بذور الفشل ولذا كان من الطبيعي أن ينسى الكل أمرها بعد أقل
من أسبوع على أول (وآخر) خطواتها بمن فيهم من كانوا متحمسين لها.
أولًا، هذه شركات تجارية خاصة وليست شركات عامة حتى نستنكر
عليها السعي للربح أو الاستفادة المالية أو أن نملي عليها ماذا تقدمه من خدمات وما
لا تقدمه، ومن لا يعجبه شيء في أي شركة أو محل تجاري فليذهب لغيره.
معاقبة ومحاسبة المؤسسات التجارية يكون فقط في حال كان
هنالك غبن فاحش في الأسعار أو خداع صريح وكذب أو ممارسات احتكارية تستغل حاجة
الناس وانعدام البديل من أجل فرض أسعار خيالية عليهم.
لشركات الاتصالات خصوصية وهي أنها محدودة العدد ولا
تستطيع العمل بدون الحصول على تراخيص صعبة ومعقدة، ولا تمنح بشكل دائم أو دوري،
مما يجعلها عرضة لأن تمارس أدوارًا احتكارية تؤذي المستهلكين.
لهذا السبب توجد رقابة حكومية (من قبل حكومتي غزة ورام
الله) على الأسعار والعروض التي تقدمها شركات الاتصال، والتي لا تستطيع رفع
الأسعار أو تغييرها بدون إذن من وزارة الاتصالات، وذلك ضمانًا لحق المستهلك.
ثانيًا، هل توجه منظمو الحملة إلى وزارتي الاتصالات
للتأكد من قيامها بدورها الرقابي على الوجه التام؟ هل حددوا بالضبط أين هي
المخالفات القانونية وأين هو الغبن أو الغش وأوصلوه إلى الوزارة؟
إن كانت الوزارة مقصرة فهنالك النواب والمجلس التشريعي،
وحتى لو كان معطلًا فيمكن متابعة مثل هذه المطالب.
فيما لو كان هنالك تقصير من الوزارة أو النواب فوقتها
يمكن التفكير بخيارات أخرى، ومنها مثلًا النزول للشارع للضغط على وزارة الاتصالات
لتقوم بدورها، لأن الوزارة والحكومة يفترض بها أن تكون ممثل الشعب والحارس على
مصالحه.
ثالثًا، بما أن التدخل في عمل الشركات التجارية يكون
محدودًا ومقتصرًا على منع الغش والغبن، فلا يجوز لأحد أن يفرض قائمة مطالب تتجاوز
منع الغش والغبن، والقائمين على الحملة لم يوضحوا ولم يحددوا أي العروض أو أي
الأسعار حصل بها غش وخداع، ولم يفصلوا كيف انتهوا إلى أن الأسعار عالية بشكل غير
مقبول (أي بها غبن فاحش).
هم فشلوا بإقناع المتابعين (ومنهم العبد الفقير) كما لم
يطرحوا الأمر لا على الوزارة ولا على شركات الاتصالات، فقط اعترضوا على ارتفاع
الأسعار حتى بدون أن يقولوا لنا ما هو السعر العادل من وجهة نظرهم!!
رابعًا، اقتصار الحملة على الفيسبوك ووسائل الإعلام
الإلكترونية، يعني أن غالبية مستخدمي الجوال كانوا مغيبين عنها، فمستخدمي الإنترنت
في الضفة والقطاع بالكاد يتجاوزون ربع السكان، فكيف تمت مخاطبة الثلاثة أرباع
الآخرين؟
خامسًا، عندما نتكلم عن تنظيم حملة إلكترونية لنصرة
الأسرى فلا يشترط أن يكون هنالك نشاط ميداني دائمًا، لأن نشاطات الأسرى ونصرتهم
موجودة بشكل دائم، وهنالك تنظيمات وهنالك فصائل وهنالك جمعيات حقوقية، وهنالك
ناطقين، تجعل قضية الأسرى حية ودائمة الحضور، فيكون النشاط الإلكتروني داعمًا لها.
أما أن تكون حملة كاملة على الفيسبوك والإنترنت بدون
وجود ميداني وبدون وجود ناطقين يطرحوا مطالب الحملة على شركة الاتصالات أو على
عامة الناس أو الحكومة أو النواب، فهذا يجعلها حملة بلا هدف.
فهل يعقل أن مقاطعة ليوم واحد فقط ستجعل جوال ترضخ وتخفض
الأسعار؟ طيب كم حجم التخفيض المطلوب؟ فلا ناطقين رسميين ولا مطالب واضحة ومحددة؟
كيف ستسير الأمور قدمًا؟
سادسًا، عندما أشعر بالغبن أو الخداع من قبل بائع أو
شركة فردة الفعل الأولى لي أن أبحث عن بديل، ولست بحاجة لحملة إعلامية ولا
لتحالفات ولا لأي شيء من هذا القبيل، وقد كان لي تجربة مع شركة جوال قبل أشهر أن
خدعت من قبل إحدى عروضهم، فكان قراري الحاسم بأن لا أشارك بأي من عروضهم بعدها،
وهكذا كان.
البدائل عن الاتصالات الخليوية كثيرة (ولا أريد أن أتكلم
عن الشركات الصهيونية فالتعامل معها لغير المضطر محرم ولا يبرره السعي من أجل شيكل
أو خمسة شواكل أقل)، مثل الهواتف الأرضية أو الإنترنت، وحتى بالوضع الطبيعي يمكن
تقنين الاتصالات الخليوية من أجل التوفير.
سابعًا، جزء من مشكلة أسعار جوال والوطنية المرتفعة هي
ثقافة عدم إتقان العمل المنتشرة في مجتمعنا، فترى الموظفين بالشركة لا يقومون بما
عليهم بالكفاءة المطلوبة، وهذا يرفع التكلفة على الشركة ويدفعها لرفع السعر على
المواطن.
وهذه ليست مشكلة جوال أو الوطنية وحدهما، بل هي ثقافة
مجتمع بأكمله ونجده بكافة القطاعات، والحل ليس بالمقاطعة لأن المقاطع نفسه يرتكب
نفس خطيئة وإثم العاملين في جوال، ثم يأتي ويطالبهم بمعاملة مختلفة!
ثامنًا، جزء من المشكلة هي عدم وضوح العروض وشروطها
بالنسبة للمستخدمين، مما يجعلهم يتخيلونها بشكل مغاير لحقيقتها، وعندما يستخدمون
الجوال ويطبقوا العرض يجدون الواقع مخالفًا لما تخيلوه، ألم يكن من الأجدى توعية
الناس بما هو موجود من عروض في السوق؟
تاسعًا، فنحن وجدنا أمام حملة خرجت من المجهول، وقدمت
طلبات عائمة بعضها مشروع وبعضها غير مشروع، لكنها كلها غير محددة وغير واضحة بما
يكفي، كانت ليوم واحد ثم لا متابعة من قبل القائمين عليها، فالفشل كان المصير
المحتوم.
في الختام
وبناء على ما سبق نستنتج أن القائمين على الحملة لم
يكونوا جديين، وربما كان لديهم (أو لدى بعضهم) طموح أن يحرك الجماهير لكن بدون أن
يدفع ثمن عالي (كما لو حاول تحريكهم لأسباب سياسية)، أو كان لديهم قصور بالرؤية
جعلهم يقصرون كل شيء على إضراب يوم واحد (والله أعلم كم نسبة الملتزمين فعلًا به).
وربما كان من الأجدى ممارسة الضغط على النواب والوزارة
وطرح مشاكل محددة عليهم من أجل متابعتها وتصويب أوضاعها، كما من الأجدى تنظيم
حملات توعية للمستخدمين لتشرح لهم أي العروض مفيدة لهم وأيها أكثر جدوى، وما
يحتاجونه وما لا يحتاجونه (لأن موظفي المبيعات في هذه الشركات يعملون المستحيل لإقناعك
بشراء خدمات لست بحاجتها)، والأهم من ذلك أن يشرحوا للمستهلكين أين هي الثغرات
التي تستخدمها هذه الشركات للتملص من التزاماتها أو لخداع المستهلكين.
وأخيرًا هنالك حاجة لبث التوعية في المجتمع بأهمية إتقان
العمل، ولربما كان من الأولى أن ينشغل بذلك الأئمة والوعاظ من تكرار فتاوى وقضايا
استهلكت بحثًا وطرحًا، وبعضها قد لا يكون أولوية، فبدون ثقافة إتقان العمل والقيام
بالواجب، فيجب أن نتوقع صناعة وطنية سيئة وخدمات وطنية أسوأ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق