عندما شن طيران الاحتلال غارته على مجمع البحوث للأسلحة
الكيماوية في بداية العام الحالي أوضحت في حينه أن الاحتلال سيستغل كل فرصة من أجل
ضرب سوريا حيث أنه يهدف إلى تدمير كافة القدرات القتالية التي تمتلكها سوريا، وما
هو مفاجئ بالنسبة لي هو تأخر الضربة التالية والتي لم تحصل إلا نهاية الأسبوع
الماضي.
وهنا نعيد التأكيد على أن الصهاينة ينظرون إلى كافة
الشعب السوري على أنه عدو، ولا يفرقون بين النظام والثوار من حيث المبدأ والجوهر.
سبب الغارات الأخيرة:
تذرع الصهاينة بضرب أسلحة كانت معدة للإرسال إلى حزب
الله، إلا أن الأهداف التي قصفت يوم الجمعة ويوم الأحد فجرًا كانت مخازن للسلاح
وليس قوافل متوجهة نحو لبنان، مما يعني أن حزب الله ليس إلا ذريعة إعلامية يبرر
بها الصهاينة عدوانهم.
أما الهدف الحقيقي فهو تدمير كافة المقدرات التسليحية
المتطورة للجيش السوري بحيث يضمن الصهاينة عدم وجود أي سلاح متطور في سوريا يهدد
أمنهم على المدى القصير أو المتوسط.
هل هدف الصهاينة تلميع النظام؟
لا شك أن الإعلام الرسمي السوري قد فرح بهذه الغارات
واستخدمتها جوقته للتدليل على المؤامرة العالمية ضد "نظام المقاومة"،
إلا أنه ومن تتبعي للسياسة الصهيونية فإنهم نادرًا جدًا ما يستخدمون قواتهم
العسكرية لتلميع حلفائهم العرب، هم يستخدمون وسائل مالية والحصار وغيرها من الضغوط
من أجل تلميع ورفع حلفائهم لكن أن يدخلوا في معارك وغارات فهذه نادرة الحدوث.
وقد يحصل أحيانًا أن يستغلوا العمليات العسكرية ونتائجها
من أجل الدفع بعملاء لهم إلى الواجهة، لكن هذا يكون على هامش العمل العسكري وليس
في جوهره.
الصهاينة لديهم هدف واحد ومحدد وهو بكل بساطة (كما أسلف
ذكره) القضاء على أي سلاح متطور موجود داخل سوريا، والوضع الحالي في سوريا هو
مثالي بالنسبة للصهاينة لينفذوا هذا العمل، ولا ينظرون إلى النتائج الجانبية لهذا
العمل.
هذا فضلًا عن أن الوضع الداخلي في سوريا قد تجاوز مرحلة
أن تؤثر فيه الصورة الإعلامية، فالاستقطاب أخذ مداه بين النظام وبين الشعب السوري،
ولن تؤثر فيه بضع صور إعلامية هنا أو هناك.
ما الذي يريده الصهاينة من سوريا؟
كان الصهاينة سيفضلون وجود أطراف داخل المجتمع السوري
تقبل بالتحالف معهم إلا أنه في ظل غياب مثل هذه الأطراف وفي ظل التطورات الحالية،
فإنهم يقفون بين أحد احتمالين: انتصار الثوار ونجاحهم بتشكيل نظام بديل للنظام
الأسدي، أو تفكك الدولة في سوريا وتحولها إلى صومال جديد، أما خيار بقاء النظام
وانتصاره فلم يعد واردًا وبالتالي لا يدخله الصهاينة في حساباتهم.
وهنالك اختلاف بين أجهزة المخابرات الصهيونية بين ما هو
أفضل (أو لنقل أقل سوءًا)، هل هو انهيار الدولة السورية؟ فهذا له إيجابياته تتمثل
بإعطاء الصهاينة القدرة لضرب سوريا متى أرادوا بالإضافة إلى انهيار القدرة
القتالية للجيش السوري، لكن من سلبياته تحول المناطق الحدودية مع الجولان إلى
ميدان لحرب عصابات، كما يمكن أن تمتلك المجموعات الصغيرة أسلحة كيماوية أو صواريخ
متطورة تستخدم ضد الاحتلال الصهيوني في الجولان.
والخيار الآخر ليس أفضل حالًا، فوصول الثوار إلى السلطة
قد يعني ضبط الحدود على الجولان على المدى القصير، إلا أن هذا سيعني إعادة ترميم
الجيش السوري وإعادة قدراته القتالية، وهذا سيء بالنسبة للصهاينة على المدى المتوسط
والبعيد.
فسواء انهارت الدولة السورية أو انتصر الثوار وحافظوا
على الدولة، فأجهزة مخابرات الاحتلال وبغض النظر عن الخيار الذي تفضله على الآخر،
قلقة من وجود هذه الأسلحة المتطورة، صحيح أنها تستخدم حاليًا بكثرة ضد الشعب
السوري، إلا أن كمية السلاح ونوعيته موجود بحجم كبير لدرجة أن النظام سينهار قبل
أن يستنفد غالبية مخزونه من هذا السلاح.
ويبدو أن الصهاينة أدركوا أن انهيار النظام بات مسألة
وقت لا أكثر، وفي تقديري لن يحل عام 2014م وبشار الأسد في السلطة، لذا بات عليهم
المسارعة بتدمير أكبر كم ممكن من السلاح المتطور (سواء كان أسلحة كيماوية أو أسلحة
مضادة للطيران أو صواريخ بعيدة المدى)، لترك سوريا بلا غطاء استراتيجي لأطول وقت
ممكن.
إلى أين ستسير الأحداث؟
لا شك أن ردة الفعل الضعيفة من جانب النظام السوري
والثوار والدول العربية، والتي لم تتعدَ الإدانة اللفظية ستشجع الصهاينة على تكرار
ما حصل وعلى نطاق أوسع، ولم تكن غارة الجمعة الماضية إلا جس للنبض، وعندما رأت ردة
فعل ميتة عاودت الكرة وبقوة أكبر.
ومن يعرف الصهاينة يدرك أنه لن يوقفهم أي حد، فسيواصلون
ضرب كافة مخازن السلاح المتطور، وهي تستهدف مناطق حاليًا بعيدة عن خطوط المواجهة
بين الثوار والجيش النظامي لكي تضمن استمرار المواجهة، فلو ضربت أماكن تواجد
النظام في تلك المناطق فستسهل عملية انتصار الثوار وانهيار النظام، وهو ما لا
تريده، لكن في حال بدء النظام بالتهاوي والتفكك فستبدأ بضرب كافة الأهداف
المحتملة.
بل وأكثر من ذلك ستسهدف مصانع السلاح السورية وقد
تتجاوزها إلى الصناعات المدنية (بحجة أن لها استخدامات عسكرية) لأن المطلوب
صهيونيًا هو سوريا مدمرة قدر الإمكان، وما عجز النظام عن تدميره فسيتولى الصهاينة
أمره.
وقد يغري ضعف الرد السوري والعربي الصهاينة للتوغل البري
داخل الأراضي السورية وبناء مناطق عازلة من أجل ضم المزيد من الأراضي السورية،
وهذا شيء متوقع من العقلية الصهيونية، فحتى لا تفكر سوريا ما بعد الأسد بالجولان
يختلقون لها مشكلة جديدة حتى ينحصر التفكير في كيفية تحرير هذه الأراضي وينسوا أمر
الجولان المحتل.
رد الفعل على العدوان الصهيوني:
الجيش النظامي السوري منهار ومفكك ولا يستطيع خوض حرب ضد
الكيان الصهيوني، لكن بإمكانه التصعيد ضد الصهاينة وإيذائهم بحيث يضطر العالم
للتدخل وفرض وقف متبادل لإطلاق النار، لكن يبدو أن القائمين على النظام لا يريدون
المخاطرة وعينهم الآن مسلطة على الوضع في الميدان داخل سوريا.
أما حزب الله فقد ورط نفسه بفضل غباء قيادته عندما راهن
على بقاء نظام الأسد ولم يضع في الحسبان وجود احتمالات أخرى، وقواته الآن مشغولة
داخل سوريا ولا يستطيع خوض حرب جديدة على جبهة الجنوب اللبناني لا عسكريًا ولا
سياسيًا، وهذا ما أراح الصهاينة وشجعهم على توجيه الضربات.
كما ينطبق الأمر على إيران التي عزلت نفسها بفضل سياسة
الدعم غير المحدود للنظام الأسدي وجعل من خوضها حرب ضد الكيان الصهيوني مخاطرة
عالية الثمن والكلفة المادية والمعنوية.
أما الثوار السوريين فيبدو أن من بينهم من لا يدرك خطورة
العدوان الصهيوني، ويظن أن الشعب السوري قد تخلص من بضعة كتائب صاروخية تقصفه ليل
نهار، غير مدركين أن الصهاينة يريدون تدمير كل المقدرات العسكرية التي سيحتاجها
الشعب السوري في السنوات القادمة (وهي لا يمكن الحصول عليها بسهولة وقد دفع الشعب
السوري ثمنها من عرقه وجهده)، فضلًا عن كونها مقدمة لهجمات واعتداءات مستقبلية
ستطال مناطق تحت سيطرة الثوار.
طبعًا لا ننكر أن غالبية (إن لم يكن جميع) ثوار سوريا
أدانوا العدوان الصهيوني وشجبوه، لكن يجب أن يدركوا أن هذه مجرد البداية فقط،
وأنهم ما لم يردوا فعلًا (وليس قولًا) فسيتمادى الصهاينة أكثر، إلا أن خيارات
الثوار محدودة، وقواتهم قرب الحدود مع الجولان قليلة العدد والعدة، ولا تستطيع فعل
أكثر من توجيه هجمات محدودة بالهاون والنيران الخفيفة ضد الصهاينة، وهذا ربما
يستجلب دخول بري صهيوني إلى الجانب السوري، مما يتطلب الاستعداد لحرب استنزاف
طويلة الأمد، مما يعقد المهمة عليهم، فإن صمتوا شجعوا الصهاينة أكثر وإن ردوا
فسيتورطوا بجبهة جديدة وعنيفة مع الصهاينة.
الخلاصة:
الحل الأمثل بالنسبة للصهاينة هو إطالة أمد الصراع داخل
سوريا حتى تستنزف الدولة السورية وتستهلك مقدراتها خاصة العسكرية، ومع شعورهم بأن
نظام الأسد قد اقترب وقت انهياره قرروا تدمير كافة الأسلحة المتطورة التي يملكها
حتى لا تقع بيد من سيخلف النظام الأسدي، فكل الخيارات سيئة بالنسبة للصهاينة.
وفي المقابل فالنظام السوري وحلفائه لا يستطيعون الرد
لأنهم يخوضون معركتهم الأخيرة، وهم ليسوا من الذكاء ليدركوا أن حربهم خاسرة،
فسيبددون ما يملكون من مقدرات في معركتهم الخاسرة، أما الثوار فلا يملكون
الإمكانيات اللازمة وبنفس الوقت فالاكتفاء بالإدانة اللفظية سيشجع الصهاينة على
التمادي أكثر.
وربما الحل الأمثل هو الإسراع بإسقاط نظام الأسد فهذا
وحده سيفرغ السوريين للتصدي لأي عدوان صهيوني مستقبلي، وسيوقف من عملية انهيار
الدولة وتبديد مخزون السلاح الاستراتيجي الذي يملكه الجيش السوري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق