الاثنين، 20 مايو 2013

مهرجانات وفعاليات إحياء ذكرى النكبة: هل لها ضرورة؟




ترافقنا هذه الأيام مهرجانات وفعاليات جماهيرية مختلفة في ذكرى النكبة تتخذ أشكالًا مختلفة، وبعد مرور 65 عامًا على نكبة فلسطين وقيام الدولة المسماة "إسرائيل"، نجد أن البعض لا يرى في هذه المهرجانات والفعاليات أكثر من رفع عتب أو فولكلور ثقافي لا يقدم أو يؤخر.


ولا شك أننا أمام معضلة معقدة ومركبة فحل القضية الفلسطينية يزداد صعوبة كلما طال الأمد، وفي المقابل لا يوجد الكثير يمكن فعله من أجل فلسطين ومن أجل تحريرها، والمهرجانات والمظاهرات والنشاطات الشعبية تساعد على بقاء الذاكرة حية لكنها لا تعيد فلسطين وحدها.


فإن كانت المقاومة المسلحة على مدار سنوات طويلة قد عجزت عن تحرير فلسطين فهل ستعيدها المهرجانات والفعاليات والوقفات الاحتجاجية؟ أما الجيوش الجرارة فأمرها ما زال طويلًا ولا يحتمل تأجيل الأمور حتى قدومها.



وقد يصل الأمر بالبعض لأن يهاجم هذه المهرجانات ويصفها بالعبثية وتبديد للأموال أو حتى أنها مسكنات تلهي عن واجب الجهاد لتحرير فلسطين، ونلحظ هنا شططًا ومغالاة بالطرح لذا لا بد من الإجابة عن أهمية هذه المهرجانات والفعاليات الشعبية، وما هو المطلوب منها، وأي هدف تخدم.


أولًا، لا توجد جيوش قادمة للتحرير:


يجب الإقرار بأنه لا يوجد حاليًا أي أفق لجيوش جرارة تأتي إلى فلسطين وتحررها وتطرد الصهاينة، فهل ننتظر قدوم تلك الجيوش من المجهول مهما طال الأمد أم نمهد لذلك ونسرع من تلك اللحظة؟


ثانيًا، كل شخص يتحرك من موقعه وإمكانياته:


واجب كل شخص أن يتحرك من موقعه ومن إمكانياته وإن كان عاجزًا عن تسيير الجيوش فهذا لا يعفيه من العمل، فتغيير المنكر إن تعذر باليد فليكن باللسان، وهل هنالك منكرًا أكبر من وجود الكيان الصهيوني على أرضنا؟


فعدم إمكانية العمل المسلح ليس عذرًا ويجب البحث عن طريقة ما يخدم بها المرء القضية الفلسطينية وكل حسب إمكانيته.


ثالثًا، قبل تسيير الجيوش يجب تهيئة النفوس:


من يتكلم عن العمل المسلح أو الجيوش يجب أن يدرك أنها ليست "كبسة زر" نقرر اليوم صباحًا أن نسيّر الجيوش، فتخرج وكأننا ذاهبون في نزهة نقضي على الصهاينة ونطهر فلسطين ونعود إلى بيوتنا بعدها.


فأي جيش في الدنيا يجب أن يقوم بتعبئة جنوده وتهيئتهم نفسيًا وعقليًا وبدنيًا وتقنيًا قبل دخول حرب جديدة، حتى يقبل الجندي على الحرب بكل همة وإخلاص، ولكي يكون مستعدًا للمخاطرة بحياته من أجل تحقيق الأهداف المرسومة، فكيف نتوقع من أمة أو من شعب السير لتحرير فلسطين والجماهير دون أن يكونوا مقتنعين بضرورة القتال والتضحية من أجل فلسطين؟


رابعًا، التهيئة والاستعداد عملية متجددة:


والتهيئة النفسية ليست كبسولة تؤخذ مرة واحدة، بل هي عملية مستمرة متجددة، وليست معلومات تدرس في المدرسة وانتهى الأمر، فكم من المسلمين يجهلون أن فلسطين محتلة والأقصى سليب؟ ستجدهم قلة قليلة وخصوصًا في الدول المحيطة بفلسطين، لكن كم منهم مستعد أن يضحي بماله أو وقته أو نفسه من أجل فلسطين؟


خامسًا، كل يشارك بحسب قدرته:


واليوم لا توجد جيوش قادمة للتحرير لكن هنالك مقاومة مسلحة، والسؤال المطروح هو كم نسبة المقاومين في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ نتكلم عن بضع مئات في الضفة (وربما أقل) وحوالي 20 ألف مقاتل في غزة، حسنًا وماذا عن البقية؟ ما دورهم؟ هل يتابعون المسلسلات التركية ومباريات الريال والبرشا؟


سادسًا، العمل الجماهيري هو المعبر نحو المقاومة المسلحة:


ليس الكل يمتلك الشجاعة أو القدرة لدخول ميدان العمل المقاوم، وليس الكل يصلح للعمل المسلح، ولا توجد مراكز علنية لتجنيد المقاومين وفرزهم بين من يصلح ومن لا يصلح.


لهذا كان الدور التاريخي للفعاليات السياسية والتنظيمات هو تجنيد الشباب في إطار العمل النقابي أو السياسي ثم الانتقال للمقاومة الشعبية وبعدها اصطفاء من يصلح للعمل المسلح العسكري.


ولهذا السبب بالذات نجد الكتلة الإسلامية (مثلًا) تعتبرها قوانين الاحتلال تنظيمًا خارج القانون ويعاقب المنتسب لها بالسجن لمدة لا تقل عن عام لمجرد العضوية (بدون أي نشاطات أخرى)، وذلك لأنها كانت الممر للكثير من الشباب نحو كتائب القسام، رغم أن نشاطات الكتلة نفسها لا تتضمن أي نشاطات عسكرية أو شبه عسكرية، فهي تنقسم ما بين مهرجانات ونشاطات سياسية (الكلام الفارغ كما يصفها البعض) وبين النشاطات النقابية والطلابية.


وحتى لو أتينا لإطار مثل الحركة الطلابية الإسلامية (الجناح الطلابي لحركة حماس في المدارس الثانوية) فهي أيضًا خارج القانون، ليس لأن أعضاءها ينخرطون في القسام، بل لأنهم عندما ينهوون الدراسة الثانوية وينتقلون للجامعات ينضمون للكتلة الإسلامية "الخارجة عن القانون".


فالانتقال للعمل المقاوم المسلح لا يكون بأن يستيقظ الشاب صباحًا ويقول أريد الانضمام للقسام ويذهب إلى "الحسبة" ويشتري بندقية كلاشينكوف ثم يتوجه لأحد الحواجز ويطلق النار، هنالك مراحل متعددة وكلها تعود إلى نفس الأصل: العمل الجماهيري.


سابعًا، المقاومة الشعبية والمسلحة مقدمات التحرير:


سواء كان عملًا جماهيريًا أو عملًا مسلحًا أو مقاومة شعبية حقيقية (وليس مقاومة سلام فياض الفولكلورية)، فهي لها دور في تحرير فلسطين لأنها تستنزف الكيان الصهيوني، وبدلًا من التفكير بالتوسع واحتلال المزيد من الأراضي ينشغل الصهاينة بمحاربة المقاومة.


ففكرة انتظار الجيوش القادمة هي فكرة ساذجة، لأن الصهاينة لا ينامون بل يخططون ويدرسون ويراقبون محيطهم، وهم مدركون جيدًا أنهم غرباء عن هذه الأرض، وبالتالي فليسوا غافلين عن "المخاطر" المستقبلية التي تواجههم، وما توسعهم الاستيطاني المحموم في الضفة إلا محاولة لاستباق الأوضاع وتمتين وضعهم، قبل قدوم أي تغيرات تهدد كيانهم المزعوم.


ثامنًا، الطموح في مواجهة السلبية:


شهدنا في السنوات الأخيرة (منذ انطلاق الربيع العربي) طفرة في المهرجانات والفعاليات الشعبية سواءً على المستوى الفلسطيني أو العربي، وارتفاع في سقف الرؤى والطموحات مثل "الشعب يريد تحرير فلسطين"، أو "بشائر الانتصار" وغيرها تعبر عن وجود رغبة بترجمة الطموح القديم بتحرير فلسطين إلى فعل وعمل، وهذه الطفرة قد تكون مثل النبوءة التي تحقق ذاتها، إن وجهت بالطريقة الصحيحة.


وبما أن التهيئة النفسية هي الأساس والمنطلق عملت هذه النشاطات على تحقيق هذا الهدف، فلا يعقل أن تخرج المواطن العربي من المقهى وتقول له توجه الآن إلى ميدان المعركة، يجب أن يمر بمرحلة وسيطة.


وهذا العربي أو الفلسطيني الذي يشارك بمسيرة أو مظاهرة أو وقفة تضامنية أو معرض فني، سيسأل نفسه: "هل هذا يكفي؟" و"كيف ممكن أن أخدم أكثر؟" و"ألا يوجد شيء أقوى وأفضل من هذا؟"، وتبدأ العجلة بعدها بالعمل والإنتاج.


أما الجلوس في المنزل والاكتفاء بطرح هذه الأسئلة التشكيكية لن يوصل إلى أي مكان، بل على العكس ترسخ الثقافة السلبية، وبدلًا من دفع الناس نحو التقدم والانتقال للمرحلة التالية، يتم تخذيلهم وإقناعهم بالانضمام إلى حزب القاعدين والمثبطين.


تاسعًا، الخلاصة:


نستنتج مما سبق أن التحرير والمقاومة والحرب ليست منتجات نشتريها من السوق متى نشاء، بل هي عملية بناء متكاملة تأخذ وقتها وتأخذ مداها، ومثلما لا يستقيم أي بناء بدون أساس سليم، فلا معنى لأساس لا يحمل بناءً فوقه، فالتوقف عند المهرجانات والفعاليات الشعبية وكأنها كل شيء، هو مثل من يبني الأساس ولا يكمل البناء.


بالتالي نصل إلى استنتاج أن الفعاليات الجماهيرية والمهرجانات هي ضرورة لا بد منها لتحرير فلسطين، لكن إن ظنّ الناس أن هذا هو المطلوب والغاية والمنى فلن تتحرر فلسطين، وعندها تتحول الفعاليات الجماهيرية إلى فعاليات فولكلورية لا قيمة نضالية لها.

ليست هناك تعليقات: