فتاوى لا تؤدي الدور المطلوب منها |
أثارت مشاركة المغني محمد عساف في مسابقة أراب آيدول ضجة
وجدالًا في الشارع الفلسطيني، وفيما نرى استغلالًا رخيصًا لاسم فلسطين من أجل حض
الناس على التصويت له، وإثارة نعرات قومية وقطرية بدعم اسم فلسطين أو حتى إثارة
النعرات الجهوية بدعم ابن غزة، بحيث أصبحت فلسطين مادة لكل من يريد المتاجرة
والكسب المادي والمعنوي، فعلى الناحية الأخرى أرى أن ردة فعل الطرف الآخر ليس
مبالغًا بها فحسب بل يجب أن تتوقف الحملة ضده للاعتبارات الآتية:
أولًا، المشكلة ليست خاصة بمحمد عساف بل ببرنامج أراب آيدول وما يمثله من استلاب
فكري وفراغ ثقافي ومخالفات شرعية لا داعي لسردها، وبالتالي فلا حكم خاص بمحمد عساف
بل هو حكم عام يتعلق بكل برامج الترفيه الهابطة ومسابقات الغناء والطرب.
ثانيًا، أقول لمن انتبه لوجود هذه البرامج اليوم صح النوم، فهذه البرامج لها عشرات
ملايين المتابعين من قبل محمد عساف ومن بعده، فهو مجرد نقطة في طوفان من الهبوط
الفكري، والحل يجب أن يكون للظاهرة كافة وليس لمحمد عساف حصرًا.
بمعنى آخر قبل أن تقنع الناس بأن لا يختاروا محمد عساف
يجب أن تقنعهم بأن المشاركة بهذه المسابقات ومتابعة هذه البرامج هي حرام!! فمن ليس
مقتنعًا بحرمتها لن يلتفت إليك بل سيستهجن دعوتك وتأخذه حمية النعرات القومية
والجهوية ويقول لماذا "محمد عساف"!
ثالثًا، وهذا يقودنا إلى فشل إعلامي لدى أغلب الإسلاميين إلا من رحم ربي، وهو عدم
مخاطبة الناس على قدر فهمهم، فتجدهم عندما يناقشون ملحدًا يستشهدون بآيات القرآن،
حسنًا هو لا يؤمن بالقرآن أصلًا أقنعوه بالإسلام والقرآن ثم استشهدوا بالآيات،
وأقنعوا الناس أن البرامج الغنائية حرام ثم اطلبوا منهم عدم التصويت لمحمد عساف.
رابعًا، قد يحاجج البعض ويقول أنها فرصة لنحارب اهتمام الناس بهذه البرامج، ما
دامت الأضواء مسلطة على محمد عساف، وهذا عذر أقبح من ذنب، وذلك لأن صاحب هذه الحجة
لا يدرك أبسط قواعد الحرب الإعلامية والنفسية والتي تقول أن تهاجم خصمك من نقطة
ضعفه لا من نقطة قوته.
واليوم هنالك حمية لمساندة "صوت فلسطين" وموجة
تعاطف معه وذرائع تساق لتبرير ذلك، فالمدافعين عنه لديهم ذخيرتهم وهم مستعدين لصد
أي هجوم يشن عليه أو على البرامج الغنائية عمومًا، فمن الخطأ أن تهاجمهم وهم
مستعدون للدفاع، يجب أن تختار الثغرات التي يغفلون عنها؛ مثل خبر وفاة مطرب نتيجة
جرعة مخدرات زائدة فوقتها تستغل الحدث لتوعية الناس بخطر هذه الطريق.
إن مهاجمة البرامج الغنائية في هذا الوقت بالذات سيجابه
بالقول لماذا الآن؟ ولماذا عندما يكون هنالك صوت يمثل فلسطين؟ ويجب أن توفر
الإجابات وإلا فستكون نتيجة هجومك عكسية.
وهذا يذكرني بقضية محرقة اليهود وهي أحد نقاط القوة
الإعلامية لدى الصهاينة يستدرجون بها العطف العالمي معهم، ليأتي مثل أحمدي نجاد
ويعقد مؤتمرًا ليثبت أن المحرقة كذبة وأنها لم تحصل، لتكون النتيجة عكسية فيحصل
اليهود على المزيد من التعاطف ضد المسلمين قساة القلب الذين يتعاطفون مع هتلر،
فمالنا ومال المحرقة؟ شخص عنصري كريه قتل اليهود لأن أنوفهم معقوفة وتسريحة شعرهم
لا تعجبه، فلماذا تدافع عنه وتعقد مؤتمرًا للدفاع عنه؟
يجب أن ننتقي ضرباتنا الإعلامية ضد خصومنا سواء في عالم
السياسة أو في عالم الاجتماع أو على مستوى الأديان.
خامسًا، لأسبابها الداخلية جعلت حركة فتح من دعم محمد عساف قضية وطنية، وقضية
مناكفة ضد حركة حماس، لأن بهذه الطريقة فقط تستطيع الحفاظ على أنصارها حولها، فهي
حركة فارغة المضمون وقد تخلت عن قضيتها الأساسية (تحرير فلسطين) وبحاجة لمعارك
صغيرة لإثبات نفسها كل فترة والأخرى.
واليوم القضية الفتحاوية هي مساندة "صوت
فلسطين" ضد الإنقلابيين الدمويين الحمساويين الذين يريدون محاربة صوت فلسطين
بتحريض من أمير قطر وزوجته (التي تحركها الغيرة والحسد)، وأي ردة فعل من المحسوبين
على حماس ضد محمد عساف سيعطي هذه القضية زخمًا قويًا في الأوساط الفتحاوي ويستدعي
النعرات الحزبية والفصائلية ويرفع سقف التحدي لديهم، ويدفعهم لإقناع كل أطياف
الشعب الفلسطيني لدعم محمد عساف وإلا فإنهم انقلابيون حمساويون.
أفضل موقف لحماس والمحسوبين على حماس في هذا الموقف هو
السكوت والترفع عن الدخول في مهاترات، ولو سئلوا عن رأيهم فلتكن الإجابة عند
الاضطرار وباتجاه واحد "نحن لدينا تحفظ من ناحية شرعية على كل البرامج
الغنائية وليست لدينا مشكلة شخصية مع محمد عساف"، أي إجابة تخرج عن هذه ستورط
حماس وستزيد من قوة الحملة المؤيدة لمحمد عساف.
سادسًا، إذا كنا متفقين على أن المشكلة هي في ذوق المجتمع واهتماماته، فمعالجة ذلك
لا تتم من خلال الفورات الإعلامية، ومن يثور وينتفض في بضعة أيام ثم يعود ليمارس
حياته اليومية وكأن شيئًا لم يحصل، فالدعوة الإسلامية ليست بحاجته، ولو سكت لكان
أفضل لها.
مكافحة الانحلال الأخلاقي والاهتمامات الهابطة تحتاج
لعمل دعوي طويل الأمد، ولدعاة ومربين يعملون على مدار سنوات طويلة، وليس بحاجة
لفرسان الكيبوردات الذين يطيشون على أقل شيء، ولا لأصحاب الأمزجة المتقلبة، ولا
متبعي الموضات الإعلامية: فاليوم موضة سوريا وغدًا موضة بورما وبعد غد موضة الفيلم
المسيء، وبعده موضة سامر العيساوي، وبعده محمد عساف، وكلما انتقلوا إلى موضة جديدة
نسوا سابقتها وكأنهم حلوا المشكلة ولم يعد لها وجود ولا أثر.
سابعًا، وعلى هامش الجدل الذي يثار فأكثر من يستفزني أولئك الذين يكررون كلمة
"وهل ترضاها لأختك"، وكأنها أصبحت دليلًا للحل والحرمة، وماذا لو أجابك
بنعم أرضاها لأختي، كيف ستناقشه؟ الآيات والأحاديث التي تكلمت عن الأخلاق والفضيلة
بالعشرات والمئات، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يستخدم هل ترضاه لأختك إلا مرة
واحدة عندما جاءه من يطلب الرخصة بالزنا، فجاء سؤاله ضمن نقاش وضمن سياق معين، فلم
يستخدمها دائمًا وأبدًا وكأنه لا يوجد في قاموس الدعوة غير هذه الجملة!!
هناك 4 تعليقات:
صحيح ما تفضلت به أ.ياسين
دعاة الحق في حوزتهم الحق لكن يفتقدون للآليات التي من خلالها يبلغون الحق ، ولا ننسى أن خصمك يوظف كل سلاح ضدك ، حتى وإن كان سلاحا خسيسا ، سياستهم الغاية تبرر الوسيلة يتصيد في أي ماء كان ، يلفق اتهامات جزافا ، يلتجئ لأسلوب المراوغة والتحريض ، استغلال كلماتك أو تجزيئها كما فعل معي أحدهم ، كنت أعتقد أن ردي موجه لمن ينشد الفهم لكنه استغل ردي أبشع استغلال وأراد أن ينال مني حين غيرت طريقة الرد فما كان منه إلا أن اشهر سلاحا آخر ..
وهذا هو ديدنهم ، فحين يعجزون على تفنيد ترهاتهم يلتجئون للمراوغة والهورب أماما ، لذلك تعلمت درسا مهما ، قبل الرد على أحدهم أن أعي نفسياتهم المريضة جيدا ..
في أحد البلدان يقام مهرجان كل سنة لا قيمة ترجى منه ، لكن حين أراد الإخوات التصدي كان الجواب من المعنيين به : أن رواده بالآلاف !!
يعني لن تحارب المهرجان ومن يقومون عليه ويروجون له ، بل ستجدك أمام غثاء ممن انخدعوا به ، هنا فطن الإخوة أن العلة في من يرتاده ، فلو بلغهم مضاره وكان الخطاب ناجعا لما زكوه واعطوه ما لا يستحه ، في المقابل إذا قبل به الغثاء وصوت عليه هل هذا يعطيه التزكية !!
المغرضين يا أخي ياسين لهم أسلحة فتاكة ويستغلون أية ثغرة ، بل يضخمون أي تصريح ومنه يشنعون عليك ، ويشنون حربا ضروسا على كل صوت حق ، مقاومة أذناب الباطل أصعب من مقاومة الباطل نفسه ، لأن هذا الاخير له وجه قبيح لا يخفى على أحد أما اذناب الباطل يراوغون وكل يوم له وجه يخدعون به الناس ، يستغلون هفواتنا ومن تم يركبونها للنيل منا ، الخصم لا يحتاج لذريعة ، حتى إن لم يجدها خلقها والهدف الاساءة لك..
شكرًا لك أختي الكريمة وأنا اتفق معك.
ومثلما قلتي العلة في رواد هذه المسابقات والحفلات فهم كثر، ولولاهم لما ازدهرت هذه البرامج.
اخي ياسين اريدك باستفسار ارجوك اريدك بموضوع خاص
بإمكانك أخي مراسلتي في الشبكة أو على حسابي بالفيسبوك.
إرسال تعليق