بين الحين والآخر تثور في غزة ضجة حول سعي بعض الأطراف داخل حماس والحكومة من أجل فرض أشكال معينة من اللباس والمظهر على الناس مثل فرض لبس الحجاب في جامعة الأقصى على جميع الطالبات، وما تردد عن حلق شعر أصحاب القصات الغريبة، ومطاردة الشباب الذين يلبسون بناطيل ساحلة.
ولقد تعرضت حماس وحكومتها لحملة تشهير وتشنيع على الإنترنت
بشكل تجاوز حجم المشكلة القائمة، وهو طبع عند التيارات العلمانية التي تبحث عن إشكاليات
بسيطة لتضخيمها وفتح المآتم واللطميات، في إطار سعيهم العبثي لشيطنة التيار
الإسلامي واتهامه بمحاولة "أسلمة المجتمع"، وما يقصدونه هو الأسلمة
بالقوة والقهر وليس الأسلمة من خلال الدعوة الحسنة.
ولعله من المناسب البدء بتوضيح بعض ملابسات ما حصل في
غزة مؤخرًا، حيث لا توجد حملة رسمية لمحاربة هذه الظواهر بقوة القانون، وما حصل من
اعتقالات تراوحت بين مبادرات فردية من مسؤولين بالمباحث وما بين معاقبة بعض
المراهقين والشبان على معاكستهم (الوصف المخفف للتحرش) لفتيات المدارس، وذلك من
خلال حلق شعور هؤلاء المعاكسين، وما بين قصص وروايات أبدعها خيال الإعلام المعادي
لحركة حماس، وفي المقابل كان هنالك قرار رسمي لإدارة جامعة الأقصى من أجل فرض
الحجاب ثم تراجعت عنه.
وإن كنا متفقين على أن لبس الحجاب هو واجب، وأن تقليد
الغرب من خلال اللبس الغريب أو ما يكشف العورات أو قصات الشعر الغريبة هو من
الظواهر السلبية التي يجب التصدي لها ومحاصرتها، فأين المشكلة إذن؟
أولًا، لا يجوز لأي ضابط أمن أو شرطي أن يكون القاضي
والجلاد في آن واحد، ولا يجوز له أن يطبق قوانين أو إجراءات غير منصوص عليها بشكل
واضح، وإلا دخلنا مرحلة الفوضى ومرحلة الإفراط والتفريط.
فإن كان هنالك مشكلة سلوكية أو مشكلة تحرش فليحضر أمام
القضاء ولتوجه له التهمة حتى لا يظلم الشاب، فربما كان مارًا من المكان بالصدفة
واعتقل مع المعاكسين، ألا تحصل مثل هذه الأخطاء؟ والعقوبات أيضًا يجب أن يكون
منصوصًا عليها بالقانون لا حسب اجتهاد وتقدير الشرطي الذي يتولى تطبيق العقوبات
بشكل خارج عن القانون.
فضلًا عن ذلك فتنفيذ أي عقوبة يجب أن تتم ضمن علم
القيادة وضمن الإجراءات السليمة حتى لا تظهر لدينا دولة موازية يكون فيها الشرطي
هو القاضي والمشرع والمنفذ، فهذا أحد مداخل الفساد والظلم والإفساد والاستبداد.
ثانيًا، ليس كل تصرف مخالف للشريعة يعاقب مرتكبه بقوة
القانون، فالكذب حرام لكن هل يسجن أو يجلد الكذاب؟ والغيبة والنميمة محرمين فما هي
عقوبة المستغيب؟ ألا تلحظون معي أن هنالك سلوكيات وأفعال يذمها الشرع ويحرمها لكن
لا يوجب تنفيذ عقوبة دنيوية على مرتكبها.
فملاحقة الناس في كافة تفاصيل حياتهم اليومية يؤدي إلى
قهرهم واستنزاف موارد الدولة في ما ليس بأولوية، كما أن ردع الناس عن ارتكاب
المحرمات لا يتم فقط من خلال قوة القانون بل هنالك الدعوة وهنالك التذكير بعقاب
الله عز وجل، وهنالك التوعية وتصحيح المفاهيم، وهنالك المجتمع الذي يفرض قيمه على
الناس.
ولو تتبعنا تاريخنا الإسلامي لوجدنا أن الدولة لم تطبق
في يوم من الأيام حدود أو عقوبات تعزيرية على النساء اللواتي لا تلتزم بالحجاب أو
اللبس الشرعي، فالذي كان يفرض ذلك هو المجتمع الذي حافظ على اللباس الشرعي طوال
مئات السنوات، حتى في ظل الجهل بأحكام الشرع وضعف التدين فترى نساءً لا يفقهن من
أمور دينهن شيئًا ولا يصلين وبالكاد يصمن رمضان لكن مع ذلك ملتزمات بالزي الشرعي
اقتداءً بالعادات والتقاليد وليس عن قناعة دينية.
فسواء كان الكذب أو الغيبة أو الشتم أو اللبس فالأصل أن
لا تتدخل الدولة بقوة القانون إلا في حال تم تجاوز الخطوط الحمراء، فإن أدت كذبة
أو تحريض إلى جريمة قتل يحاسب الكاذب أو المحرض على كلامه، وإن لبست امرأة لباس
البحر (المايوه) في العلن تحاسب على اللبس الفاضح، فهذه أخطاء واضحة وجلية وضررها
واضح لا ينكرها عاقل.
ومرة أخرى لا تعني عدم المعاقبة على فعل ما أنه إقرار
له، إنما الإنطلاق يكون من مبدأ أنه ليس كل خطأ يصحح بالسجن والعقوبة، وإلا أحلنا
حياة الناس إلى رعب وكوابيس وكبت، فكل الناس يخطؤون ويرتكبون التجاوزات بين الحين
والآخر، والصغائر والأخطاء التي لا تضر الآخرين يمكن معالجتها بعيدًا عن قوة
القانون وسوط السلطة الحاكمة.
ثالثًا، استطاعت الحركة الإسلامية طوال العقود الماضية
أن تأسلم المجتمعات العربية والمجتمع الفلسطيني في غزة لم يكن استثناءً بل على
العكس كان قصة نجاح كبيرة، فأصبح رؤية غير المحجبات أو غير الملتزمين أمرًا نادرًا
في القطاع، وهذا ما يستفز التيار العلماني والذي يزعم أن الحجاب منتشر بقوة
"الإرهاب الفكري" الذي تمارسه الجماعات الإسلامية.
ولا يعنينا هنا ما يقوله العلمانيون ولا حروبهم العبثية
ففي النهاية لديهم مشروع معادي للدين، وقد أثبتوا في الماضي والحاضر أنهم مستبدون
من الطراز الأول عندما يريدون قهر الناس على مبادئهم وأفكارهم ولا مجال لديهم
لحرية الرأي أو الفكر.
لكن ما يعنينا هنا هو أنه إن كانت الحركة الإسلامية
استطاعت من خلال الدعوة والكلمة الحسنة نشر الحجاب بين النساء والفتيات بنسبة 99% فهل
عجزت عن إكمال المشوار بنفس الطريقة لتستنجد بالشرطة والسلطة الحاكمة؟
وهنا نقول أنه إن كان الوصول للحكم عند الإسلاميين هدفه
فرض الحجاب والزي الإسلامي، فلا داعي إذن للوصول إلى الحكم وليتحولوا إلى جمعيات
دعوية غير سياسية، لأنه بالفعل قطعوا الشوط الأكبر نحو الهدف وهم بالمعارضة،
وبقليل من العمل الدعوي والمواعظ يمكنهم استكمال القلة القليلة الباقية ولا حاجة
لخوض ميدان الحكم والسياسة.
رابعًا، يوجد دولتين فقط في العالم فرضتا قيودًا واضحة
على الملبس إيران والسعودية، والمتتبع يجد أن القوانين المتعلقة باللباس (وخاصة
فرض الحجاب) أنتج ممارسات اجتماعية مشبعة بالنفاق داخل المجتمعين السعودي
والإيراني، وتحايلًا من غير المقتنعات بلبس الحجاب لإخراج خصلة من الشعر من تحت
الحجاب أو لبس حجاب شكلي مع الحرص على إظهار مفاتنها، أو السفر لخارج البلد من أجل
أخذ "راحتهم"، وغيرها من الممارسات التي تسيء لسمعة المجتمع.
وهذا ما دعا الشيخ راشد الغنوشي لأن يقول أنه لن يتم فرض
أي قيود للباس في تونس لأنه لا يريد مجتمع منافقين، وطبعًا خصومه أخذ الشق الأول
من كلامه على طريقة "ولا تقربوا الصلاة"، فلبس الحجاب بدون قناعة يورث
النفاق والكره للإسلام ولكل ما يمثله.
فهل المطلوب هو أن نرى النساء وقد تدثرن باللباس
الإسلامي أم أن يلبسنه عن قناعة بالإسلام؟ فإن كان هنالك قصور لدى المرأة أو
الفتاة وعدم قناعة فلا نقول أن نقرها على ذلك، بل نعمل على إيصالها لقناعة اللبس
بدون قهر ولا إكراه، سواء من خلال التوعية الدينية أو من خلال القيم الاجتماعية،
فما تعجز عنه الدعوة يتكفل به المجتمع، والدولة لا ضرورة لها بل وجودها يضر أكثر
مما ينفع.
في قطاع غزة هنالك حملات دعوية وبعضها تشرف عليه وزارة
الأوقاف من أجل نشر القيم الدينية في الملبس والمظهر، وهي امتداد للعمل الدعوي
طوال السنوات الماضية، وهي أكثر فعالية وأدوم أثرًا، أما القهر والإجبار الذي
تمارسه بعض الجهات في الداخلية أو المؤسسات الحكومية المختلفة فلا هو مطلوب شرعًا
ولا هو يؤدي لنتائج إيجابية، فضلًا عن إتاحة الفرصة للآخرين من أجل الانتقاد
والمهاجمة والتشويه.
هناك تعليقان (2):
أخى ياسين كلام جميل ومفعم بالمعانى الجميلة وبعيد عن الحزبية و ملتصق تمامأ بالواقع ولكن يوجد العديد من النقاط التى لم أكن أود أن تذكرها ولكن لى تعليقين على نقطتين أولهما بخصوص الدولة أو الداخلية فأنا أود أن أبشرك أخى أن مضوع ملاحقة أصحاب البنطال الساحل هو قرار رسمى فى الحكومة ومعمول به وأنا والكثير معه بكل صراحة لأننا أصبحنا لا نرى هذه الأشكال وجميع الشباب المراهق أصبح لا يستطيع فعل ذلك بسبب ملاحقة الحكومة له ولا تنسى أن هذه العادة خرجت من السجون الأمريكية وأنها لمحبين أغانى الراب بمعنى ان مصدر هذه الموضة هى الغرب فمن الطبيعى ان تقوم الحكومة بمواجهة نوايا الغرب فى افساد المجتمع الغزى .. وان لم تكن فعلت ذلك الحكومة لوجت الانتشار الأوسع لها واتمنى عليك تخفيف اللهجة ضد الحكومة فلربما ان كان موقف لديك خاص من الحكومة ان لا تشمل هذا الموقف بقضايا حساسة وذات أهمية كبيرة .. فالحكومة فى غزة ليست كدول أخرى فأنت تعلم مدى الحمل الذى تحمله على عاتقها .. فبالتالى من غير المنطقى ان ترى هذه الفئة المنفلتة والضالة بين صفوف هذا الشعب وان تقف عند حدود دعوتها فقط فان كنت تستطيع تغيير اى شىء مخالف للدين بيدك فهو أفضل من لسانك وقلبك كما حثنا الدين والمؤمن القوى خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف فما بالك ان كان مؤمن وبنطاله ساحل .. أعتقد بأنها مصيبة كبيرة .. والرد يطول فى هذا المقام ولو كنت اود الرد عليك فى قصة كاملة متكاملة البنود وانزالها على الشبكة ولكن فى هذا المقام أكتفى بهذا .. أما النقطة الأخرى فهى تتعلق بهذا النص المقتبس من كتابتك .. ولو تتبعنا تاريخنا الإسلامي لوجدنا أن الدولة لم تطبق في يوم من الأيام حدود أو عقوبات تعزيرية على النساء اللواتي لا تلتزم بالحجاب أو اللبس الشرعي، فالذي كان يفرض ذلك هو المجتمع الذي حافظ على اللباس الشرعي طوال مئات السنين .. لربما الدولة لم تطبق حد من الحدود التعزيرية على النساء التى ذكرتهن ولكن بين قوسين .. ليس المجتمع الذى حافظ على اللباس الشرعى طوال السنين الماضية ولنكن أكثر واقعية فالذى حافظ على بقاء اللباس الشرعى هو الدين لا كما ذكرت المجتمع .. لأن تعاليم المجتمع وبحكم أننا مسلمون هى تعود للقرأن الكريم والسنة وهنا الأصل فالمجتمع بالأصل هو مسلم ويلتزم بالتعاليم فلهذا كان الحفاظ على اللباس الشرعى ولو أوكلنا الأمر للمجتمع أخى ياسين لوجدت أن نسبة كبيرة وان قلت كبيرة أعى ماأقول لوجدتها تركت الحجاب واللباس الشرعى ولكن أحكام الدين وايمان الغالبية بالله عز وجل فرضت على المجتمع تنفيذ هذه التعاليم ومن ضمنها الزام الآخرين والمنفلتين والجاهلين بهذه التعاليم مع وجود قلة لا تتبع ذلك وأعتقد ان بالدعوة والحكومة ان تظافرت الجهود سيتم اقتلاع كل العادات التى تخالف الشريعة فالأصل أخى ياسين أن تقول الدين هو من حافظ على بقاء المجتمعات ملتزمة بالزى واللباس الشرعى بالاضافة الى الحكومة التى ترعى لك ولو قارنت بين حكومة غزة ومصر فى عهد حسنى مبارك لوجدت الافساد والفساد انتشر لان الدولة لم تتدخل بل ساعدت على انتشار الرذيلة وهنا أكتفى بالقول أنه بالدعوة وافهام المجتمع وتعزيز افكاره بالدين الاسلامى بالاضافة للدولة او الحكومة يتم تنفيذ كل ماأمرنا به الله عز وجل والحفاظ على أسلمة المجتمعات العربية بدلأ من أمركتها أو اغرقتها بالجهل .. فحقأ للحكومة فى غزة أن تفتخر بأن لديها أبناء مخلصين وقيادة رائعة تتحمل عبىء هذا الزمان والضغوطات التى تحاول اغراق بلدنا الحبيب فى الجهل والعتمة هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياك الله وشكرًا على مشاركتك وانتقادك.
أولًا لا يوجد أحد منزه عن الخطأ، وانتقادي لا يعني موقف ضد الحكومة ولماذا لا تراها نصيحة صادقة مثلًا؟
ثانيًا لا أدري ما علاقة الظروف الخاصة التي تمر بها غزة والبناطيل الساحلة؟؟ فالظواهر الاجتماعية المنحرفة كانت موجودة طوال الوقت ولم تمنع حماس أو المقاومة من محاربة الاحتلال.
بل على العكس هي اليوم أقل انتشارًا.
ثالثًا تناقض نفسك بأكثر من مكان مثل ما تقول أن المجتمع المسلم كان ملتزمًا بالإسلام فيما سبق، أما اليوم لو يترك بدون اجبار فلن يختار الإسلام.
فما الذي تغير؟
رابعًا حسني مبارك وغير حسني مبارك رعوا الفساد وشجعوه، لكن ألا تلحظ أن الحجاب ومظاهر التدين كانت منتشرة وبشكل واسع في مصر قبل قيام الثورة؟
وفي غزة قبل قدوم حماس للحكم فهل كانت النساءعاريات في الشوارع؟ ألم يكن الحجاب منتشرًا في غزة قبل وصول حماس للحكم؟؟ كيف فعلت ذلك؟؟
خامسًا بالنسبة لزعمك بأن الحملة ضد البناطيل الساحلة فهنالك نفي رسمي حكومي لذلك، ووصف ما يحصل بأنه ممارسات فردية.
وأنت بتأكيدك على وجود حملة فأنت تتهم الحكومة بالكذب، وبعدها تقول لي أن لا أحرج الحكومة!! فيما لا تتحرج من اتهامها الضمني بالكذب.
إرسال تعليق