الجمعة، 12 أبريل 2013

انتخابات جامعة بيرزيت وسقوط نظرية المقاطعة




تؤكد نتائج انتخابات جامعة بيرزيت وتقدم الكتلة الإسلامية بمقعد مقارنة بالعام الماضي، وهبوط حركة الشبيبة بمقدار ثلاثة مقاعد، ومن قبلها تقدم الكتلة الإسلامية في جامعة خضوري بمقدار مقعدين، أنه من الممكن العمل تحت القمع والملاحقة الأمنية والإنجاز رغم كل المعيقات، وأن الطلاب والمجتمع يلتفون حول المؤمن القوي أكثر من تعاطفهم مع مظلومية حماس في الضفة الغربية.

وتثبت هذه النتيجة أن قرار الكتلة الإسلامية في أكثر من جامعة دخول الانتخابات العام الماضي رغم عدم الاستعداد ورغم عدم وجود الأجواء المناسبة كان قرارًا صائبًا، لأن الفكرة من وراء خوض الانتخابات والنشاطات الطلابية عمومًا هو الاحتكاك بالمجتمع وتعريف المجتمع ببرنامج وصناعة كوادر حركية ونشطاء ميدانيين يرتبط بهم الناس ويتعلقون بهم ويتحمسون لفكرهم.

وثبت أيضًا أن التباهي بانتصارات حماس في غزة والاكتفاء بها لا يسمن ولا يغني من جوع (وهذا حال قطاع لا بأس به من شباب الضفة يعتبر أن حماس في غزة قامت بالواجب وزيادة وأنه لا تكليف عليهم لأنهم يعيشون تحت القمع)، وأن كثرة اللطم والولولة والحديث عن المظلومية التي تتعرض لها حماس في الضفة لا يجلب تأييدًا ولا يصنع قاعدة جماهيرية، بل على العكس يعطي الناس انطباعًا بأن حماس غير جديرة بقيادة المجتمع لأنها عاجزة عن حماية نفسها.

كان بإمكان الكتلة الإسلامية أن تحرز نتيجة أفضل في جامعة بيرزيت لولا عدة اعتبارات ذاتية وموضوعية يجب أخذها بعين الاعتبار:

أولًا، فارق المقاعد الثلاثة بين الكتلة الإسلامية وحركة الشبيبة جاء بالدرجة الأولى من طلاب سنة أولى، بينما لم يكن الفارق يتجاوز نصف المقعد في باقي المستويات الدراسية، وهذا يعني شيء واحد أن أداء الكتلة الإسلامية في ساحة الجامعة كان مقنعًا لجمهور الطلبة، لكن طلاب سنة أولى القادمين من مجتمع خارج الجامعة ما زالوا يحملون انطباعًا غير إيجابي عنها.
وهذه مشكلة قديمة ومزمنة لدى الكتلة الإسلامية على امتداد جميع الجامعات في فلسطين، تعود إلى ضعف العمل الدعوي عمومًا في المساجد والمدارس، وتعود أيضًا بشكل جزئي إلى الطبيعة العمرية لطلبة سنة أولى وخروجهم من مرحلة المراهقة وما قد تتسم به من حب للتمرد على العادات والقيم الدينية، وخاصة أن المجتمع مليء بالمغريات التي تشجع على هذه السلوكيات وبرعاية السلطة.

ثانيًا، ما زال عامل الانهزام النفسي يعشش في عقول العديد من أبناء الكتلة الإسلامية يردعهم عن العمل الميداني الضروري واللازم لكي يستطيعوا إقناع الطلبة بانتخاب الكتلة الإسلامية، مما يجعل الماكنة الانتخابية للكتلة تعاني من ضعف بشري وتعمل بجزء من قدرات الكتلة وإمكانياتها.

ثالثًا، لا شك أن حركة الشبيبة ومن خلفها حركة فتح قد ألقت بقضها وقضيضها في هذه الانتخابات لما تمثله جامعة بيرزيت من رمزية للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، ويمكن القول بأنها كانت تعمل بأكثر من طاقتها المعتادة في الانتخابات الطلابية، وهذا صعب المهمة على الكتلة الإسلامية.

رابعًا، تبنت الشبيبة الطلابية في جامعة بيرزيت خطابًا سياسيًا مغايرًا لخطاب السلطة، فخلال العام الماضي كانت تشارك إلى جانب الكتل الإسلامية وغيرها في مواجهات سجن عوفر وكانت تتبنى خطابًا وطنيًا يتناقض مع خطاب أبي مازن التفريطي، طبعًا لم تتخل عن خطابها المعادي لحماس والمحرض عليها ولم يتخل أبناء الشبيبة من الأجهزة الأمنية عن دورهم القذر (لكن السري) في التنسيق الأمني لكن أتكلم عن خطابها السياسي العلني أمام الطلبة، وفضلًا عن ذلك لم تذكر دعايتها الانتخابية كلمة عن محمود عباس وقيادته للحركة ولا عن سلام فياض وقيادته لمشروع السلطة بل كانت كافة شعاراتها الانتخابية تتكلم عن ياسر عرفات والرصاصة الأولى والحجر الأول ودلال المغربي وتاريخ فتح الكفاحي والعسكري.

قد يتكلم البعض عن عامل الاعتقال السياسي والملاحقة الأمنية ومنع التمويل والترهيب والتخويف ودور كل ذلك في التأثير على الانتخابات بوصفه أداة تزوير ناعمة، وهذا كلام صحيح فهي أمور موجودة لكن يجب الانتباه فلا يجوز الكلام عنها وكأنها شيء طارئ على الضفة الغربية.

فالكتلة الإسلامية هي تنظيم محظور وفق القوانين العسكرية المعمول بها في الضفة الغربية منذ عام 1992م، وعلى هذا الأساس تتعامل معها كل من سلطات الاحتلال والسلطة الفلسطينية، ومنذ نشوء السلطة وليس منذ عام 2007م كما يظن البعض، وكان نشطاء الكتلة الإسلامية يقضون الشهور والسنوات في السجن بسبب عملهم  النقابي مع الكتلة ومنذ سنوات التسعينات وحتى اليوم، فالملاحقة موجودة طوال الوقت وإن تغير شيء فهي شدة وكفاءة هذه الملاحقة التي ازدادت شدتها في السنوات الأخيرة وهذا لا شك يؤثر لكنه ليس ذلك التأثير الجوهري والحاسم.

كما أن ممارسة حركة الشبيبة وحركة فتح أساليب التزوير الناعم من خلال الشراء بالأموال وبطاقات الجوال والتخويف والترهيب (إذا لم تنتخبنا فسنعاقبك) هي أساليب قديمة قدم مشاركة حركة فتح في الانتخابات النقابية أو السياسية، حتى قبل تأسيس حركة حماس، فلا جديد إذن ومن فاز بانتخابات المجلس التشريعي في ظل هذه الممارسات بإمكانه أن يحرز الانتصار في الجامعات أيضًا.

مشكلة حماس الأولى في الضفة الغربية هي الهزيمة النفسية التي يعاني منها عناصرها، وإن حصل تعافي جزئي منها لكنها ما زالت مخيمة وموجودة بشكل ملحوظ، وهي سبتقى العائق أمام تقدم الحركة في الضفة، فإن كان الاضطهاد والملاحقة والقمع بيد السلطة ولا يمكن إقناعها بالكف عنه فالهزيمة النفسية والتخلص منها بيد حركة حماس وأبنائها، وعدم الفكاك منها يتحملون وحدهم مسؤوليته.

وهنا أشير إلى اختلاف ردة فعل حماس على انتخابات جامعة بيرزيت ففي العام الماضي تكلم سامي أبو زهري عن وجود ضغوطات وترهيب وبالتالي فالنتيجة بحكم المزورة، أما العام الحالي فتكلم عن أن النتيجة تثبت أن حماس لا يمكن اقتلاعها من الضفة وأنه إنجاز رغم القمع، الكلام مضمونه متشابه لكن طريقة العرض تختلف، فالكلام عن تزوير وقمع يوحي بالضعف والناس لا يحبون الضعفاء، والكلام عن الإنجاز رغم القمع يوحي بالقوة والناس يحبون الأقوياء.

لقد بشرنا المتشائمون العام الماضي بأن الانتخابات الطلابية تهدف إلى شرعنة مشروع محمود عباس السياسي وهي فخ للكتلة الإسلامية وحماس من أجل كشف نشطائها واعتقالهم لاحقًا وتدمير ما تبقى للحركة الإسلامية في الضفة، وأنه كان الأولى مقاطعة الانتخابات لسحب الشرعية من السلطة وأجهزتها الأمنية.

لقد أثبتت الكتلة الإسلامية خلال العام الماضي في بيرزيت وخضوري وجامعة الخليل والبوليكتنك وغيرها من المواقع أن التفاعل مع الانتخابات والوقوف في وجه القمع الأمني كان عامل دفع للكتلة وزيادة تلاحمها مع الشارع الطلابي، وهذا أدى لزيادة في شعبيتها بالجامعات لكن الأهم من ذلك أنها أدت لتجديد الدماء في جسد الكتلة الإسلامية والحركة الإسلامية وضخ كوادر  وعناصر جديدة في جسدها.

وعلى صعيد البرنامج السياسي فبعد أن فازت الشبيبة في جامعة بيرزيت بأكثر من نصف المقاعد بالعام الماضي فقد فازت الكتلة الإسلامية والجبهة الشعبية بأكثر من نصف مقاعد الجامعة هذا العام، وبما تمثله الكتلتان من مواقف سياسية رافضة لأوسلو والتسوية السلمية، ناهيك عن أن برنامج الشبيبة العلني ينقض مشروع محمود عباس والتسوية السلمية وذلك لأن الشبيبة ملزمة على السير بهذه الطريق لتحافظ على شعبيتها بين الطلبة.

في النهاية تثبت هذه النتيجة أن المشاركة بالانتخابات حتى في ظل القمع السياسي والاضطهاد ودفع ثمن ذلك، وهو ثمن ليس بالبسيط إطلاقًا، هو أفضل بألف مرة من سياسة الحرد والجلوس في المنزل وإعلان موقف المقاطعة.

وقد رأينا ماذا جنته المعارضة الأردنية والمعارضة الكويتية من مقاطعة الانتخابات البرلمانية والاكتفاء بالمقاطعة وكأنها أصبحت غاية فقد استمر النظام بسياساته بل صعّد منها فأصبحنا نرى المحاكمات بالجملة للمعارضين الكويتين بسبب تصريحات ضد أمير الكويت واليوم فقط تم سن قانون في الكويت يجعل عقوبة انتقاد الأمير غرامة مقدارها مليون دينار كويتي، هذا باختصار حصاد المقاطعة، وما رأيناه في بيرزيت هو حصاد التدافع والمشاركة رغم كل شيء.

ليست هناك تعليقات: