الاثنين، 15 أبريل 2013

الشعب السوري بين مطرقة البغدادي وسندان الجولاني





عندما تكلمت قبل فترة عن سعي جبهة النصرة لتلميع نفسها وذلك لمآرب في نفس قادتها، غضب مني الكثيرون وقالوا لي: "جبهة النصرة عملها لله وحده، ولا مطامع لها، ولا تريد جزاءً ولا شكورًا ولا تزاحم على الغنائم، وكل همها هو الجهاد ورفع الشدة عن المسلمين أينما كانوا".

 اليوم تفضح جبهة النصرة نفسها في كلمة قائدها الجولاني، والتي رد فيها على كلمة البغدادي، ففي حين أظهر البغدادي نيته مدّ تجربة القاعدة في العراق (بكل أخطائها وخطاياها) إلى سوريا، وكرر الطرح الكوميدي لدولة العراق الإسلامية التي أصبحت "دولة العراق والشام الإسلامية"؛ دولة إلكترونية في الهواء الطلق.

جاء الجولاني (وبالرغم من نفيه الاتفاق مع البغدادي على الدولة الإلكترونية) ليؤكد على بيعته للقاعدة والظواهري، وأكد لنا بأن لجبهة النصرة مشروع إمارة إسلامية وإن اختلف مع البغدادي في الأسلوب.
 
فنرى هنا محاولة قاعدة العراق التسلق على ظهر إنجازات جبهة النصرة وشعبيتها في سوريا، إلا أن الأمور لم تسر على هواها، وهذا يدل على العشوائية بالعمل وضحالة الفكر لدى البغدادي ومستشاريه.

 أما محاولة الجولاني الترقيع والتهوين من الأمر والقول بأنه لم تتم مشاورتهم، لا تمر على عاقل، فليست القضية عزومة أو طبخة مقلوبة، بل مصير تنظيم بأكمله ومصير سوريا كاملة، فهل يعقل أن تتخذ القرارات بهذه السهولة؟

 ليس عيبًا أن يكون لك مشروع سياسي، لكن يجب أن تكون على قدم المساواة مع الجميع ولا أن تفرض رأيك وكأنه قرآن مقدس، فلتحتكم جبهة النصرة لما يحتكم إليه باقي ثوار سوريا ولتنضم للائتلاف الوطني السوري وليشاركوا بالانتخابات وليعرضوا أنفسهم على الشعب وليختارهم إن شاء.

 وإن كانت جبهة النصرة مصرة على أنها بلا هدف ولا غاية سوى الجهاد والإطاحة ببشار فلا يحق لها الكلام في شكل الدولة بعد سقوطه، فهي ليست وصية على الشعب السوري، ولا يجوز أن يكون هنالك جسم سياسي فوق المحاسبة والمساءلة فما بالكم بأن يكون هذا الجسم هو الآمر الناهي وهو الذي يحدد للناس ما يفكرون به وما يقومون به وما يختارونه وما لا يختارونه.

 الشعب السوري لم يخلق ليكون عبدًا عند بشار أو الظواهري، ومثلما رفض العبودية عند بشار الأسد سيرفض العبودية عند الظواهري، ومصير الشعب السوري يقرر في صناديق الاقتراع وليس خلال التسجيلات الصوتية لاثنين أو ثلاثة من قادة القاعدة يتجادلون فيما بينهم عبر أثير الإنترنت.

وكلام البغدادي والجولاني يثبت أن الفكر القاعدي هو النسخة الإسلامية من النظام البعثي المستبد، لا أريكم إلا ما أرى، فهذا منهج البعث طوال الخمسين عامًا الماضية، وهذا ما نص عليه الدستور السوري من أن لحزب البعث خصوصية ودورًا رياديًا داخل المجتمع السوري، والآن تطل علينا جبهة النصرة تريد لنفسها مكانة ريادية بزعم أنها المطبق الحصري والوحيد للشريعة الإسلامية.

لا أحد يملك الزعم أنه ممثل الله على الأرض وأن من يرفض قيادته أو أوامره يرفض شرع الله، سواء كانت القاعدة أو حتى التيار الإسلامي ككل، وقد رأينا في ليبيا ما بعد الثورة كيف القوانين الإسلامية يتم إقرارها بالرغم من أن الحكومة رئيسها من ما يسمى بالتيار الليبرالي (وهي تسمية غير دقيقة بهذه الحالة)، فالذريعة التي يرددها أنصار الجبهة والقاعدة "لماذا لا تريدون شرع الله" مردودة عليهم، فرفضهم لا يعني رفض الشريعة ورأيهم ليس قرآنًا.

إن نوايا جبهة النصرة التي أبداها الجولاني في كلمته هي نذير شؤم على الثورة السورية، وقد استاء منها أغلب الثوار وفصائل المعارضة السورية من إسلاميين وغير إسلاميين، فقيام جبهة النصرة بواجبها لا يعطيها الحق بأن تطلب الثمن بهذه الطريقة (رغم الأسطوانة المملة التي زعمت فيها أنها لا تطلب أثمان على الإطلاق)، والخوف هو أن توجه بندقيتها إلى من يرفض "إعطاءها البيعة" من باقي فصائل الثورة السورية.

هذا فضلًا عن الإحراج الذي تسبب بها كلام الجولاني لقيادات الثورة وإعطائه ورقة ابتزاز جديدة بيد الغرب لكي يحرج ثوار سوريا ويحاصرهم ويحاول إملاء شروط جديدة عليهم، وذريعة جديدة للتنصل من تسليح الجيش الحر، وإعطاء النظام السوري هدية إعلامية على طبق من ذهب تعزز روايته عن "الجماعات الإرهابية التابعة للقاعدة القادمة من ما وراء الحدود."

وإن كان القائمون على جبهة النصرة يظنون أن شعبيتهم بين الشعب السوري قد جعلتهم يملكون رقبته وحرية التصرف بمصيره فهم مخطئون، فمن أيد جبهة النصرة أيدها لأنها تقاتل النظام المستبد أما عندما تريد فرض نظام مستبد جديد فستجد أن الغالبية الساحقة من الشعب السوري ومن دافع عنها سيقفون ضدها وسيحاربونها.


هناك 4 تعليقات:

أم كوثر يقول...

كنت سأرد على موضوعكم القيم في الشبكة ، لكن جين قرءت بعض الردود الغير الموضوعية والتي تتسم بالقدح في شخصكم الكريم ، وصراحة بت أكره مثل تلك الردود بل وتحزنني لأنها فقط تبعدنا عن الفهم الصحيح للموضوع القيم ، فضلت أن اردّ عليكم هنا في مدونتك الكريمة خوفا من سهام البعض وقدحهم ولغتهم البعيدة عن أي حوار هادف ..

ما تناولته هو عين العقل ، في أحد الأيام سمعت لأحد العلويين المناهضين للنظام الغاشم بعد أن أثنى على جبهة النصر طالبهم أن يضعوا سلاحهم حين تضع الحرب أوزارها وينخرطون في مؤسسات الدولة ، يعني مهمتهم ستنتهي عند سقوط بشار ، لماذا كانت النصرة لغاية وهي إزاحة الظلم أما تشكيل مجتمع مختلف الأعراق على مقاس ما فهذا لن يقبل به أحد ، والناس حين أرادت أن تزيح نظام غاشم لم يكن هدفها إتيان بمستبد آخر وإن لبس عباءة الدين فيفرض على الشعب تصوراته طبعا والتهمة جاهزة إن اختلفت معهم ، رفض الشريعة !! احتكروا الدين وشكلوه على مقاسهم وحسب منظورهم ونسوا أن جوهر الدين ومضمونه ليس كما يرونه هم بل كما جاء صافي نقي من منبعه ، لازلت أذكر عندما انزاح نظام طالبان كيف أحس الناس أن كابوسا جاثم على صدروهم فد رحل ، لماذا فرح الناس إذن بعد زول حكم طالبان ؟!!!! الإسلام جاء ليسعد البشرية فعن أي شريعة يحكون ..

الإسلام لا يفرض بالقوة وعن أي إسلام نحكي عن تشريع رباني عالي القيم ، مبادئ سمحة قيم عليا ، بل عندما انزاح طالبان رأينا كيف أن الناس اعلنت فرحها ، للاسف يفرضون ما يملونه عليهم قاداتهم دون تمحيص للحق ، الشعب السوري لن يقف مكتوف الأيدي وهو يرى ثورته ستسرق أو قد سرقت فإن جاءت النصرة للتحرير فما عليها إلا الرحيل فالعراق خير شاهد انزاح الإحتلال والعراق لازال ينزف دما متى يعي البعض أن الغرب هو من خلق القاعدة حتى يشوه صورة الإسلام فتبغضه الناس وتكرهه وتلصق له تهما جزافا والإسلام السمح بعيد كل البعد عن ما يروجون له ،ولو طرحنا عليهم سؤال ماذا تعني لهم الشريعة ؟ وكيف يفهمون الإسلام ؟ وكيف يريدون أن يطبقونه ؟ ووو...

القاعدة ممكن تخترق من قبل صهاينة يحركون بعض السدج كما يحلو لهم ما عليه إلا لبس قميص واطلاق لحية تم يندس بين العرب ومن تم يطلق عليه الشيخ الفلاني فيحكم كما يشاء من خلف الستار والسدج يطبلون له ويزمرون ، سبيل معوج شتت الشباب ، قبل أحداث وقعت في أحد البلدان قال أحدهم أن الفاعل كان يتناول جرعة من مخدرات كبيرة أفقدته الوعي فقام بما قام به دون وعي هل المسلم هذا هو حاله ؟! هناك جهة ما وراءه وهي من عبئته والحصيلة قتلى مسلمين والهدف ضرب حزب لتيار إسلامي بأكمله أو تفكيكه لولا ستر الله ، وعانى الابرياء كثيرا من هكذا تصرفات فأي تنظيم هش ممكن اختراقه بسهولة ومن تم يمرر سياسة معوجة دون تمحيص ، متى يستفيق الشباب ويدرس عن الإسلام رأينا كيف أن ذلك المسلم الهولندي لم يكتفي بالنطق بالشهادتين بل درس الإسلام ووعى قيمه الخالدة الطيبة ولازال يصحح مفاهيم مغلوطة ، بتت على يقين أن هناك حرب كونية لكن يدور رحاها على الشعب الطيب وحتى يفوتوا على الكل مآربه يجب أن تكون وقفة حازمة لكل طارئ ولكل جديد ، الغرب لا يحلو له أن يرى سوريا قوية فهو يخاف على حليفته في المنطقة ، كان الله في عون الشعب السوري من محنة النظام الغاشم لمحن نرجو من الله أن تنتهي

ياسين عز الدين يقول...

شكرًا لك على مشاركتك الطيبة أختي الكريمة أم كوثر والتي أثرت الموضوع.

وفيما يتعلق بالاختراق فما أراه أن أغلب ما نراه لا يعبر عن اختراقات أمنية بقدر ما تعبر عن جهل وعدم وعي منتشرين للأسف.
شكرًا لك.

Wohnungsräumung wien يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
Unknown يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.