الاثنين، 22 أبريل 2013

حلف الشيطان: سر تحسن العلاقة بين نظام الأسد وسلطة محمود عباس





بعد أكثر من ثلاثين عامًا من الصراع العنيف بين النظام البعثي في سوريا وحركة فتح، بدأت العلاقة تتحسن في الأشهر الأخيرة لتتوج بتسليم النظام السوري المقر الرئيسي لتنظيم "فتح  الانتفاضة" في دمشق إلى حركة فتح، ولعل الكثيرين يتساءلون عن سرّ هذا التحسن وعن سرّ توقيته، وإلى أين سيقود الطرفين.


خلفية تاريخية:


حركة "فتح الانتفاضة" هي تنظيم انشق عن حركة فتح الأم بعد الاجتياح الصهيوني عام 1982م، وذلك احتجاجًا على عدم محاسبة المسؤولين عن التقصير خلال الاجتياح ومن هربوا من المواقع الأمامية مثل الحاج إسماعيل جبر والذي تمت ترقيته بدل معاقبته على الهروب من قلعة الشقيف التي صمدت بشكل بطولي في وجه الحصار الصهيوني (رغم هروبه) قبل أن تسقط بيد قوات الاحتلال.


وقاد حركة الانشقاق كل من سعيد موسى (أبو موسى – وباسمه عرف التنظيم؛ فتح أبو موسى)، وأبو خالد العملة، ونمر صالح (أبو صالح)، وشمل الانشقاق قسمًا كبيرًا جدًا من قوات فتح في لبنان بذلك الوقت، إلا أن قسم منهم عاد إلى حركة فتح بوقت لاحق وسرعان ما اختلف أبو صالح مع المنشقين وعاد لحركة فتح.       



لقد دعم النظام السوري المنشقين منذ اللحظة الأولى، وكان الانشقاق شرارة حرب المخيمات في لبنان والتي انطلقت من مخيمات طرابلس ثم انتقلت إلى مخيمات بيروت والجنوب، واستمرت منذ عام 1983م إلى عام 1988م، وكانت بالأساس بين المنشقين وحركة فتح لكن تدخلت القيادة العامة وتنظيم الصاعقة (المواليين للنظام السوري) وفي وقت لاحق حركة أمل ليحاربوا إلى جانب المنشقين.


قتل الآف خلال هذه الحرب العبثية وحوصرت مخيمات بيروت على يد مليشيا حركة أمل حصارًا شرسًا ودمويًا، وكاد أهالي مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة يقضى عليهم من الجوع والقصف والحصار، وقد جعلت حركة فتح هذه الحرب ملحمة بطولية قادتها باسم الشعب الفلسطيني ضد النظام السوري وحلفائه.


وبغض النظر عن تقييمنا لهذه الحرب العبثية التي أكلت الأخضر واليابس، إلا أنها أورثت أحقادًا وكراهية لدى حركة فتح وغالبية الشعب الفلسطيني ضد النظام البعثي، ولطالما استخدمتها حركة فتح وسيلة للتحريض ضد النظام السوري ولكل من مد اليد له، مثل حركة حماس التي اتخذت سوريا ساحة خلفية لها وخصوصًا في أكثر المراحل تضييقًا عليها (ما بين قمة شرم الشيخ عام 1996م وحرب غزة الأولى عام 2009م).


أما حركة فتح الانتفاضة فقد تعرضت لهزة عام 2006م مع انشقاق شاكر العبسي عنها وتأسيسه لحركة فتح الإسلام، مما حدا بالنظام البعثي بسجن رجل التنظيم القوي أبو خالد العملة واتهامه بالتواطؤ مع العبسي، ثم الإفراج عنه بشرط عدم تعاطي العمل السياسي، وقد أدى ذلك لحدوث استقطابات بين جناح الحركة في سوريا (وهو الأهم والأكبر) وجناحيها في الأردن وداخل فلسطين، ومع وفاة أبو موسى قبل عدة أسابيع يمكن القول أن التنظيم أصبح في عداد الموتى.


مصالحة أغرب من الخيال:


كانت حركة فتح تستخدم علاقة حماس بالنظام السوري (وحتى قبل اندلاع الثورة السورية) وسيلة للتحريض ضد حماس ولتسويغ حربها عليها، فوصفت مثلًا عمليات الثأر ليحيى عياش عام 1996م بأنها تمت بأوامر من النظام السوري، ولطالما اتهمت حماس بأنها تنفذ أجندة النظام السوري.


وفي بدايات الثورة السورية صعّدت حركة فتح من الهجوم الإعلامي على حماس وعلاقتها بالنظام السوري، وفي حين أن الرأي العام داخل فتح عمومًا يشكك بالثورات العربية ويعتبرها لعبة من أمريكا وقطر إلا أنه نظر إلى الثورة السورية على أنها "الثورة العربية الحقيقية الوحيدة".


إلا أن هذه النغمة خفت بعد خروج حماس من سوريا وانقطاع العلاقات وتدهورها بينها وبين النظام البعثي، وفجأة بدأنا نلحظ غزلًا بين النظام البعثي وحركة فتح، وقد كانت البدايات من الجانب السوري حيث قام التلفزيون السوري الرسمي بتغطية انطلاقة حركة فتح بداية هذا العام، تلاها تصريحات لعزام الأحمد ينتقد فيها حماس لقطعها العلاقة مع النظام السوري، لتتوج بتسليم مقرات فتح الانتفاضة لها.


خلفيات القرار:


ربما يتفاجأ البعض من الخلفية المباشرة للقرار وما سيق من مبررات لها، فقد كنت قرأت قبل عدة أسابيع عن مبادرة من السلطة لحل أزمة المخيمات الفلسطينية في سوريا تضمنت تسليم مقرات منظمة التحرير في سوريا إلى حركة فتح (ويبدو أن مقر فتح الانتفاضة هو المقصود)، وعندما قرأت المبادرة استهزأت بالصحفي الذي كتب الخبر وبركاكة طرحه (كما ظننت)، فما علاقة مقرات المنظمة وحركة فتح بأزمة اللاجئين وحصار مخيم اليرموك أو غيره من مخيمات سوريا؟


لكن تبين لاحقًا أن المبادرة كانت حقيقية وأن هذا هو بالفعل طرح السلطة وحركة فتح! وهذا ما تم تنفيذه وهذا ما يتم تبريره لاستيلاء حركة فتح على مقر فتح الانتفاضة (طبعًا هم يقولون عاد المقر لمنظمة التحرير لكن عمليًا لا فرق بين المنظمة وفتح ومن استلم المقر هو مسؤول من حركة فتح وليس المنظمة)، لنجد الماكنة الانتخابية الفتحاوية تتكلم عن أن ذلك تم من أجل مصلحة لاجئي سوريا.


مشكلة مخيمات سوريا أنها تقع في مرمى النيران خلال الصراع بين الجيش النظامي والجيش الحر، وليس الأمر خلافًا أو صراعًا بين النظام والفلسطينيين، وللعلم فقط فأكبر وأهم مخيمات سوريا (مخيم اليرموك) ليس مخيمًا رسميًا ولا تعترف به وكالة الأونروا وأكثر من نصف سكانه من السوريين، ويقع وسط مدينة دمشق، والمعارك التي تدور داخله وحوله أحيانًا في أغلبها هي معارك بين الجيش الحر وقوات النظام، فكيف سيساعد تسلم حركة فتح للمقر أهل المخيم؟


النظام السوري من ناحيته يظن أنه يؤذي بذلك حركة حماس ويغيظها، وهو عمليًا نظام مفلس ولا يملك الكثير ليفعله سوى هذه الحركات الرعناء، لكن السؤال ما الذي دفع حركة فتح للتقارب مع هذا النظام الذي هو على شفير الهاوية؟


حركة فتح توجهها عقدة التمثيل الفلسطيني، وهي مستعدة لعمل أي شيء من أجل أن يقال عنها أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولو تتبعنا معاركها منذ السبعينات مع النظام الأردني، ثم حرب المخيمات في بيروت، ثم تأسيس السلطة والتحالف مع الاحتلال ضد حماس، ورفضها انتخابات عام 2006م، نرى كل أفعالها توجهها هذه البوصلة، وبالتالي ليس غريبًا أن يأتي هذا التحالف مع النظام الأسدي.


لكن قد يتساءل المرء: هل من الحكمة أن يراهن محمود عباس وحركة فتح على النظام السوري وقد بات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار؟ ماذا سيستفيد من كومة حجار إذا كسب عداء الشعب السوري ؟


لعل الإجابة الوحيدة لذلك أن حركة فتح من الأصل لا تؤمن بالثورات العربية وتعتبرها جزءًا من لعبة الشطرنج التي تمارسها أمريكا، وبالتالي فالأفضل أن تتقرب لرأس النبعة – أي أمريكا، ومن الناحية الأخرى هنالك داخل قيادة حركة فتح وفي المحيطين لمحمود عباس من يؤمنون بأن النظام السوري لن ينهار وأنه بأسوأ الأحوال ستقسم سوريا بين النظام والثوار، وبالتالي يظنون أنهم أذكى من حركة حماس التي راهنت على سقوط النظام.


في الختام:


لعل صحيفة الحياة الجديدة والتي نشرت تقريرًا مفبركًا عن علاقة حماس وسوريا قبل فترة قصيرة، وملخصه أن حماس اشترتها قطر لكي تنقلب على النظام الأسدي، وهي صحيفة فتحاوية تدفع السلطة رواتب العاملين فيها، تعبر عن طبيعة هذا الحلف الشيطاني.


ولعل مؤسس الصحيفة حافظ البرغوثي، وهو من التيار القومي داخل حركة فتح، يكون نذير شؤم للنظام السوري، فقد كتب قبل أيام من سقوط زين العابدين بأنه راجع للتو من تونس وأن النظام يسيطر على كل شيء وأن الكلام عن المظاهرات مبالغ فيه، فلعل دخوله الآن على الخط إيمانًا منه بأن النظام السوري سيصمد وسيبقى سيكون بشرى بقرب سقوط النظام الأسدي.


لكن الأكيد هو أن حلف الشيطان بين النظام السوري وحركة فتح هو من أغبى التحالفات وأكثرها سذاجة على الإطلاق، فمن ناحية هو يفضح النظام السوري وشعارات دعم المقاومة وتحريضه الدائم ضد أوسلو وسلطة أوسلو، ويفضح حركة فتح التي طالما اعتبرت النظام السوري الشيطان الأكبر، ومن الناحية الأخرى يخدم حركة حماس لأنه يظهر فتح على طبيعتها الانتهازية، كما يخدم ثوار سوريا الذين طالما اتهمهم النظام بخدمة مصالح أمريكا والكيان فيما هو يتحالف اليوم مع كلب حراسة الكيان الصهيوني.

هناك 5 تعليقات:

غير معرف يقول...

من المجحف حقا ان نمحو تاريخ عريق للثورةالفلسطينية فلا مبرر للخلاف القائم مع فتح ان نشوه حقائق تاريخية حركة فتح ليست مجرد حركة في السبعينيات والثمانينات بل كانت تضم الشعب الفلسطيني يعني لما تغلط عليها في ذلك الوقت كانك تغلط على شعبك وعلى ثورتك وكأنك تدافع عن مرتكبي المجازر بحق شعبنا في الشتات في ذلك الوقت وكأنك تدافع عن الخيانة العربية التي وجدها الفلسطينين من قبل الاردن وقوات اللحد اللبنانية انا معكم اليوم انها تغيرت واسوأت لكن بداياتها كانت مشرفة ثم اخترقت بعد ذلك من العدو للأسف كما هو نفس الحال مع حركة حماس الشرفاء ماتوو وبقي من باع الوطن وتاجر به من الحركتين

ياسين عز الدين يقول...

مع تقديري لدور فتح الكفاحي في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات، إلا أنه لا يجوز اختزال الشعب الفلسطيني ونضاله بهذه الحركة، ففلسطين أكبر من أي تنظيم مهما قدم ومهما عمل.
كما أن حركة فتح لم تكن تنظيمًا من الملائكة في يوم من الأيام ولم يكن قادتها معصومين عن الخطأ.
وقد حرصت على أن أكون موضوعيًا قدر الإمكان في وصف المرحلة الحالية ومرحلة الثمانيات، ولم أنحز لهذا الجانب أو ذاك، وإن كان في التاريخ ما يعيب حركة فتح فالعار لا يقع على من يروي هذا التاريخ بل على من صنعه.

مدونة الكوثر يقول...

الأمور بخواتمها يا اخ غير معرف ، فإن كانت فتح لها تاريخ نضالي ، هي اليوم في قعر البئر بسياساتها الغير السوية ، لكن في مقدورها أن تعود للصف ، من يمنعها من ذلك ؟!
وفلسطين أكبر من الجميع وهو الواجب من يدعو الجميع للبذل والعطاء ، أما كلامك عن حماس فخير دليل معركة حجارة السجيل ، لكن لماذا نحصر أنفسنا في سجال عقيم ، ولماذا تتخدق تخندقا أعمى مع فتح رغم أخطاءها المميتة في حق فلسطين !!
فقط نكاية في من أعددتهم خصومك ، أعداءنا جميعا أخ غير معرف هو الحتل ومن سار في فلكه ، فحتى إن حققت حركة فتح بطولة فهذا لا يعفيها من النقد إن هي سلمت في الحق وحادت عن جادة الصواب !!
وأي حركة لتبقى في القمة عليها أن تقيم خطواتها وتصحح من أخطاءها وتصغي للنقد البناء فهو من سيحصنها وسيبقيها قوية متماسكة ..

طارق بن زرفة يقول...

مقالة غير منصفة للتاريحخ الجد مشرف لحركة فتح...كان من الافضل التركيز على الانقلاب الدموي في غزة في 2007 و ذكر من ساهم بالفعل و القول في الاقتتال الداخلي و الاعمال التخريبية من قبل حماس..يا لاسف الشديد لا احد انتبه لسقوط قناع المقاومة و الخندق التي لطالما ادعت حماس انتمائها اليه..لا يوجد مقاومة و لا شي اسمه مقاومة الاحتلال..على الاقل استطاعت الدبلوماسية الفتحاوية جعل العالم يعترف بدوبة فلسطين و هذا اتجاز بحد ذاته بينما محور الممانعة مازال مصدوم بالثورات العربية و موقف فتح من الثورات هو عدم التدخل في الشوؤن الداخلية و ان كان الكثير من الفتحاويين مع الثورة السورية روحا و دما عكس الجبهة الشعبية القيادة العامة و الجهاد الاسلامي

ياسين عز الدين يقول...

أولًا لم أتكلم عن تاريخ فتح بمقدار ما تكلمت عن واقعها.
ثانيًا المقال يعالج قضية معينة ومحددة وليس كل قضايا الشعب الفلسطيني حتى تطلب مني الكلام عن كل شيء يدور في خلدك.
ثالثًا الكلام عن الدولة الوهمية التي انجزتموها وتجاهلك لإجبار المقاومة الاحتلال على إخلاء مستوطنات غزة، فيما سلطتك عاجزة على "إبطاء" وتيرة الاستيطان، هو كلام مثير للسخرية والشفقة.
رابعًا قاعدة فتح تتعاطف مع الثورة السورية هذا صحيح، لكن هنالك توجه وخاصة من نخب فتح نحو التشكيك بكل ما له علاقة مع الثورات، ووصفه بالفوضى.