للرئيس الأمريكي باراك أوباما خصومًا سياسيون
شرسون وخصوصًا من اليمين الأمريكي المتطرف وخاصة ما يعرف بحزب الشاي، ولا يتوانون
عن وصفه بأنه مسلم متخفي وأنه عدو لمصالح أمريكا وغير ذلك من الأوصاف، ولا شك أنها
مبالغات لا أساس لها من الصحة كونه جاء من داخل المؤسسة السياسية الأمريكية ويتكلم
باسمها ويعبر عن طموحاتها.
وزير الدفاع الجديد تشك هاغل |
وفضلًا عن ذلك فالنظام الأمريكي هو نظام مؤسسي
لا يمكن لفرد أن يتخذ قرارات يشذ بها عن التيار السائد حتى لو كان الرئيس نفسه،
والكل في هذا النظام محاسب وتتم مساءلته بشكل دائم، إلا أنّ التشكيلة الجديدة
لحكومة أوباما ومرورها أمام الكونغرس الأمريكي وبالتحديد وزير الدفاع الأمريكي
الجديد تشك هاغل تدفعنا للتساؤل عن إذا ما كان هنالك تغير مرتقب تجاه القضية
الفلسطينية (عقدة السياسة الأمريكية في المنطقة).
فالوزير هاغل هو سيناتور سابق عرف بمعارضته
الشديدة لحرب العراق بالرغم من كونه جمهوريًا (حزب جورج بوش)، كما أنه من معارضي
الحرب على إيران بل ودعا للتفاوض مع حركة حماس.
طبعًا من الضروري أن نؤكد على أن موقف أمريكا لا
يصوغها أفراد، وخصوصًا تجاه الكيان الصهيوني، كما أنه من الصعب والمستحيل أن تنتقل
أمريكا من النقيض إلى النقيض في فترة أربع سنوات (فترة رئاسة أوباما المتبقية)
مهما كانت آراء وتوجهات الأفراد الذين يشكلون إدارة أوباما.
خلفية تاريخية:
العلاقة بين الكيان الصهيوني وأمريكا يحكمها
اعتبارات كثيرة جدًا ابتداءً من الخلفية التوراتية للكيان الصهيوني ووجود تيار
متصهين قوي بين الإنجيليين الأمريكان، ووجود نقاط تشابه بين نشوء كل من أمريكا
والكيان (تصفية السكان الأصليين من أجل بناء حضارة جديدة)، مرورًا بالمصالح التي
يقدمها الكيان الصهيوني لأمريكا، وأخيرًا لجهود اللوبي الصهيوني الحثيثة داخل
أمريكا ومؤسساتها السياسية، وأكذوبة أن "إسرائيل هي الدولة الديموقراطية
الوحيدة في الشرق الأوسط".
وهنالك عامل هام للغاية لا يتكلم عنه الناس عادةً
وإن كان واضحًا ألا وهو ضعف المحيط العربي، وعدم استخدام الدول العربية قوتها
الكامنة من أجل الضغط على أمريكا لوقف دعمها غير المحدود للكيان الصهيوني.
وفضلت الأنظمة العربية تقليديًا ربط مصالحها
بأمريكا (وبعضها بالاتحاد السوفياتي ولاحقًا روسيا)، وأبقت سقف مطالبها بما يخص
فلسطين منخفضًا للغاية حتى لا تزعج الأمريكان، ومع سقوط الأنظمة المستبدة العربية
وموجة الثورات العربية فإن هذه المعادلة معرضة للتغير.
ولعلنا نرصد وجود مؤشرات للتغير سابقة للربيع
العربي ومتزامنة مع الضعف الأمريكي بعيد حرب العراق، فلدينا على سبيل المثال دراسة
ستيفن والت وجون مرشايمر عام 2006م وكتابهما بعنوان "اللوبي الإسرائيلي
والسياسة الخارجية الأمريكية"، حيث دعا الباحثين إلى مراجعة السياسة
الأمريكية تجاه الكيان الصهيوني وتبني سياسة تعتمد على مصالح أمريكا وليس مصالح
الكيان ووضع حدود لتأثير اللوبي الصهيوني.
وأهمية دراستهما أنها صادرة عن بروفيسورين لهما
مكانة مرموقة ومن جامعات مرموقة (جامعتي هارفرد وشيكاغو) وهما جزء من التيار
السائد بالسياسة الأمريكية وليسا مثل نوعام تشومسكي المحسوب على اليسار أو إدوارد
سعيد ذي الأصل الفلسطيني، كما أن احتفاء المجتمع الأكاديمي الأمريكي ببحثهما ودفاع
المفكر الأمريكي الشهير صمويل هنتنغتون عنهما (دون تبني وجهة نظرهما) أمام الهجمة
الشرسة التي شنها عليهما اللوبي الصهيوني الأمريكي، قد أضفى أهمية على البحث
والكتاب.
ولدينا أيضًا كتاب جيمي كارتر "فلسطين: السلام
وليس الفصل العنصري" والذي كتب بنفس الفترة تقريبًا والذي هوجم أيضًا من جهة
اللوبي الصهيوني، ووجود آراء ناقدة للسياسة الأمريكية المتماهية مع الموقف
الصهيوني مثل رئيس مجلس الأمن القومي السابق برنت سكوكرفت وإن كان أقل وضوحًا
وصراحة من كارتر.
كما أن هيلاري كلنتون أثناء عملها كعضو مجلس
شيوخ طرحت مفاوضة إيران قبل فرض العقوبات (مما أغضب اللوبي الصهيوني) بالإضافة
لمواقف تشاك هاغل عندما كان عضو مجلس الشيوخ، ثم جاء انتخاب أوباما عام 2008م
والذي عارضه وبشدة اللوبي الصهيوني لوجود علاقات شخصية له مع نشطاء أمريكان من أصل
فلسطيني معادين للكيان الصهيوني مثل الدكتور رشيد الخالدي (والذي إن كانت لغته
ومواقفه تعتبر عادية بالنسبة لنا في فلسطين والمنطقة العربية إلا أنها في عرف
اللوبي الصهيوني من الكبائر) فأي شخص له علاقة به فهو مشبوه حتى يثبت العكس.
الربيع العربي والعلاقة
مع أمريكا:
وأمريكا دولة براغماتية تبحث عن مصالحها، ومن
المؤكد أنه عندما يصبح الكيان عبء عليها فستراجع حساباتها (لا ينطبق الكلام على الإنجيليين
الأصوليين لكنهم مجرد جزء يمكن أن يتحولوا مع الوقت لأقلية)، وبالتالي يمكن فهم
التغير الطفيف في المواقف وفتح نقاش حول الموقف المتماهي مع الكيان الصهيوني في
السنوات السبع الأخيرة على أنه نتيجة للعقلية البراغماتية الأمريكية.
جاء الربيع العربي في ظل إدارة أوباما
البراغماتية (والبعيدة كل البعد عن العقائدية الإنجيلية وعقائدية اللوبي الصهيوني)
ورأت الإدارة أن الدفاع عن أنظمة الاستبداد هي معركة خاسرة وبالتالي فمن الأفضل
التخلي عنها والمشي مع التيار (مع الحذر طبعًا خاصة وأن التيار يحوي وزنًا كبيرًا
للإسلاميين الذين تتوجس منهم أمريكا تاريخيًا).
وأهم تأثير للربيع العربي أنه أكسب المواطن
العربي والثقافة العربية احترامًا في الغرب وأمريكا، فلم يعد العربي ذلك الغشاش
المخادع الكاذب واللص، والذي لا يفهم بالحضارة ولا بقيم الحرية والعدالة، بل أصبح
مثالًا للمطالبة بالحقوق وانتزاعها بالقوة من الطغاة والمستبدين، فتحسنت صورة
العربي بطريقة كان سيعجز عنها ألف لوبي عربي ومليون متكلم لبق يظن أن صياغة
العبارات المنمقة عن التسامح والتعايش سيغير من وجهة نظر الغرب تجاه العرب والمسلمين.
جاءت حرب غزة الأخيرة لتكون محطة هامة لفحص مدى
التغير في العلاقة الأمريكية الصهيونية، واستطاعت المقاومة بصمودها على الأرض
وبدعم دول مثل مصر وتركيا أن تفرض معادلة جديدة، وقبلت أمريكا هذه المعادلة وجاءت
كلنتون وفرضتها فرضًا على حكومة نتنياهو وربما الوجوه الكالحة لنتنياهو وباراك
وليبرمان في المؤتمر الصحفي الشهير بعد انتهاء الحرب هو أبلغ تعبير عن اتفاقية لم
تلاقِ أهواءهم.
نتنياهو، باراك، وليبرمان وجوه كالحة عقب حرب غزة |
في ظل سياق هذه التغيرات جاء تعيين هاغل في منصب
وزير الدفاع، وذلك بعد انتصار أوباما على مرشح اللوبي الصهيوني ميت رومني (والذي
كان سيكون داعمًا بشكل أعمى للكيان الصهيوني فيما لو فاز)، ويمكن القول أنه كان من
المستحيل تمرير تعيين مثله قبل عشر سنوات.
هل أمريكا ستكون المناصر
للقضية الفلسطينية؟
لكن كل هذا لا يعني أن الأمريكان سيكونون
فلسطينيين أكثر من أصحاب القضية نفسها، كما لن يتخلوا عن علاقتهم مع الكيان في يوم
وليلة، ولن يأتي اليوم الذي يكونون فيه مناصرين متحمسين للقضية الفلسطينية، فما
نراه هو مجرد بدايات متواضعة لعملية تغيير، يمكن لو أحسن استغلالها أن تحدث تغييرات
طفيفة متراكمة على السياسة الأمريكية تخدم القضية الفلسطينية مع التأكيد على أنها
لن تكون بديلًا على الإطلاق عن أن نعمل نحن كفلسطينيين وعرب من أجل خدمة قضيتنا
بأنفسنا.
ويظهر الفيديو أدناه أوباما في لقاء مع مؤيدي
حزبه وهو يجيب بتلعثم على سؤال من احدى الناشطات في الحزب وهي من أصول عربية مسلمة
عن موقفه من جرائم الاحتلال الصهيوني، ونلحظ في كلامه حرصه على أن لا يكون محسوبًا
على أي من الجانبين الفلسطيني أو الصهيوني، كما نلحظ في الفيديو كيف كان الجمهور
منقسمًا بين جزء مؤيد للفلسطينيين وآخر مؤيد للصهاينة، وكيف كان هنالك حدة
واستقطاب بينهما، مثل هذه المواقف لم يكن بالسابق حيث كان الولاء مطلق للصهاينة.
ولعل وجود أغلبية سياسية من اليمين الصهيوني في
الحكم داخل الكيان عاملًا مساعدًا، لأنها أغلبية مكروهة وإن كان نتنياهو هو الوجه
الأقل قبحًا في ائتلافه اليميني فهو مكروه كشخص، سواء من جهة بيل كلنتون (أواخر
التسعينات) أو من جهة أوباما وحتى ساركوزي ذي الأصول اليهودية والموالي للكيان وأستدل
هنا بالحادثة الشهيرة أثناء قمة G20 (في شهر 11 عام 2011م) بمدينة كان الفرنسية،
عندما كان ساركوزي وأوباما يتحدثان دون أن ينتبها إلى أن المايكروفونات تعمل، فقال
ساركوزي "أنا لا أحتمل نتنياهو فهو كاذب"، فرد عليه أوباما "إذا
أنت سئمت منه فأنا مضطر للتعامل معه أكثر منك (وتحمل كذبه أكثر)".
والحكومة الجديدة المنتظرة لنتنياهو ستحوي
ائتلافًا أخرق بما يكفي لكي لا يقدم شيئًا من أجل التسوية السلمية مع الفلسطينيين
وهذا سيعطي فكرة سيئة عنها في الغرب ويخف حماس الدفاع عنها ويقوي الجهات التي تحاول
دعم الفلسطينيين في دوائر صنع القرار الغربية.
ما الذي يجب عمله:
ما دمنا نتكلم عن مجرد بدايات خجولة للتغيير في
السياسة الأمريكية، وما دمنا نتكلم عن تغيير في إطار المصالح الأمريكية لا في إطار
صحوة ضمير، فالسؤال المطروح كيف يجب التعامل مع هذه التغيرات وكيف من الممكن أن
نسخرها من أجل خدمة القضية الفلسطينية؟
أولًا: يجب رفع سقف المطالب الفلسطينية
والعربية لأن الإدارة الأمريكية المقبلة تبحث عن مصالح أمريكا بدلًا من
التماهي مع مصالح الكيان، وعندما تشعر بأن هنالك مطالب عالية السقف تدرك أن
مصالحها مهددة لو لم تتعامل مع هذه المصالح، أما لو تصرف العرب معها كالمعتاد
وبدون أي مطالب فما الذي سيجبرها أن تغير سياستها؟
ثانيًا: عدم التعجل بالتوصل إلى تسويات مع الصهاينة (سواء من ناحية السلطة والمسيرة
السلمية أو من ناحية حماس وما تسمى بالهدنة طويلة الأمد) لأن الشروط الحالية هي
شروط سيئة جدًا للقضية الفلسطينية وستكرس الاحتلال الصهيوني على أغلب فلسطين بما
فيه نصف الضفة الغربية، يجب أن يستمر الضغط على الصهاينة وعزلهم دوليًا وإضعافهم
سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا قبل التفكير بأي اتفاقية مؤقتة أم دائمة.
ثالثًا: أن نحدد شكل علاقتنا مع أمريكا، فلا الانبطاح وتسليم الراية لها مقبول،
ولا مخاطبتها بلغة "الشيطان الأكبر" ومعاداتها في كل شيء مفيد ولا يعيد
الحقوق، فلنضع مطالبنا العادلة ولنطالب بها: وقف دعم أنظمة الاستبداد، ووقف دعم
الكيان الصهيوني، والانسحاب من الدول الإسلامية التي يوجد فيها احتلال عسكري أمريكي،
وما عدا ذلك فيمكن إقامة علاقات طبيعية على قاعدة الندية وليس التبعية.
رابعًا: أن نستمر بمسيرة الإصلاح والنهضة في دولنا العربية فهذا سيكسبنا احترام
العالم وسيفرض شروطنا على الطاولة، لأن العالم لا يحترم الضعفاء بل يحترم الأقوياء
وخاصة إن كانوا أصحاب قضية عادلة.
خامسًا: أن تكون لدينا خطة واضحة المعالم لتحرير فلسطين، ومبادرات ورؤى توجهنا في
طريق التحرير، لأنه بدون أن نتحرك ونبادر فلا أمريكا ولا غير أمريكا سيفيدنا، ماذا
سنكسب لو تعاطف معنا كل العالم فيما نحن جالسون في بيوتنا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق