ما زال الكثيرون متشككين بإمكانية إجراء
الانتخابات الفلسطينية والمضي بمشوار المصالحة وذلك رغم أنه ستنتهي عملية تحديث
سجلات الناخبين اليوم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتثار أسئلة كثيرة حول كيف
ستجرى الانتخابات في ظل أن حماس ممنوعة من العمل بالضفة؟ وكيف سيتم ترتيب انتخابات
المجلس الوطني في الخارج؟ وهل ستحترم حركة فتح والعالم نتائج الانتخابات أم سيتكرر
سيناريو انتخابات 2006م؟ وهل ستجري الانتخابات أصلًا؟
وهي كلها أسئلة ومنطقية ووجيهة إلا أنه لا
يوجد لها جواب شافي في ظل الوضع الحالي، فالآلية التي تسير عليها المصالحة هو
التقدم خطوة خطوة في ظل انعدام للثقة وفي ظل وجود عوامل خارجية (وتحديدًا الاحتلال
الصهيوني) تعمل كل جهدها لإفشال المصالحة ووجود جهات داخلية (السلطة) تتخذ الضغوط
الصهيونية والأمريكية ذريعة وشماعة تعلق عليه أغلب مواقفها المتملصة والمخادعة.
ومن هذا المنطلق نجد الكثيرين ممن يشككون
بجدية ما يحصل (وللمقارنة فقد شكك العديد في بداية عام 2005م أن تكون السلطة جادة
بإجراء الانتخابات ومع ذلك فقد أجريت بالعام 2006م)، ويرفضون الكلام عن المشاركة
بالانتخابات والبعض يميل للمقاطعة، ويسوقون أمامهم مبررات أهمها:
1) لا يمكن إجراء انتخابات
في ظل الاعتقال السياسي والملاحقة السياسية بالضفة الغربية ومصادرة أي دولار يتبع
لحماس تحت ذريعة "غسيل الأموال".
2) لا ضمانات بأن يحترم
العالم نتيجة الانتخابات فيما لو فازت حماس ومشروع المقاومة من جديد.
3) هنالك من يرفض المشاركة
أصلًا بالسلطة لما تمثله من تبعية لأوسلو في نظره.
وهنا أريد الاختلاف مع هذه الفئة من الناس
(بالرغم من وجاهة اعتراضهم وتشكيكهم)، فإن كنت أتفق معهم بما يشترطونه على فتح
والسلطة من وقف الاعتقال السياسي وضرورة احترام نتيجة الانتخابات، فأنني اختلف
معهم في كيفية إدارة المرحلة القادمة مع السلطة، فليس المهم برأيي تسجيل موقف ضد
السلطة (فتسجيل المواقف هو فعل الضعفاء والعاجزين) بل كيف تدار المعركة (الإعلامية
والميدانية والسياسية).
أولًا، الساحة الفلسطينية تعاني من شلل قاتل، وما يجري في
الضفة الغربية من تهويد واستيطان متسارع وتهويد للمسجد الأقصى لا يخفى عن العين،
ومن يقول أن ما يسمى الانقسام لا يؤثر على ذلك فهو يكابر، ومن يقول أنه يمكن
مقاومة الاحتلال في الضفة بدون التوصل لتسوية فلسطينية داخلية فأقول له تفضل وشمر عن
عضلاتك و"هي الميدان يا حميدان".
ثانيًا، قد تجري الانتخابات وقد لا تجري، وفي إجرائها مصلحة
لمشروع المقاومة كما سأبين في النقاط التالية، وبالتالي فاستعداد معسكر المقاومة
للانتخابات ضرورة وواجب، وهو استعداد يجب أن يكون جديًا وكأنها واقع وستحصل، وأن
يرسم الخطط والبدائل في حال حصلت عراقيل من الجانب الآخر.
أما الاكتفاء بالتشكيك بحصول الانتخابات فهذا
لا يخدم سوى السلطة وفتح لكي يلقى عليكم مسؤولية أي فشل يحصل وأنكم تخافون من
"قوتهم الشعبية"، بكلام آخر إذا كانت فتح لا تنوي إجراء الانتخابات
فلتأت هذه الخطوة منها ولتتحمل لوم الجميع، لماذا تنقذوها وتظهروا على أنكم أنتم
المعارضين لإجراء الانتخابات؟
ثالثًا، كثرة الكلام في الإعلام عن المخاوف وعن تجاوزات
تظنون أنها ستقع لا تفيدكم بقدر ما تضركم، لأنه عندما تقع هذه التجاوزات وتقولوا
لا نريد إجراء الانتخابات لأن الاعتقالات لم تتوقف، فالناس ستفهم أنها مجرد حجة وفي
المقابل لو أظهرتم جديتكم بالمشاركة وعند لحظة حصول الخلل قلتم نريد التوقف هنا
لأن فتح قامت بتجاوزات واحد واثنين وثلاثة، فوقتها سيكون اعتراضكم منطقي وسيتعامل
معه الناس بجدية (فدائم الاعتراض بمناسبة وبدون مناسبة والمعترض على النوايا لا
أحد يأخذه بجدية).
رابعًا، مقاطعة الانتخابات لا يجب ولا يجوز أن تكون خيارًا،
وهذه سياسة فاشلة أثبتت فشلها في الأردن والكويت وفي الضفة نفسها (مقاطعة
الانتخابات البلدية)، فما الذي جنته سياسة المقاطعة؟ انتخاب مجالس نيابية وبلدية
موالية تمامًا للنظام الحاكم (مجالس بصيمة)، وكل ما يقال عن عدم شرعيتها وتعريتها
وأنها مجالس هزيلة وفاسدة وما إلى ذلك هو كلام لا يسمن ولا يغني من جوع.
بل على العكس رأينا في الكويت مثلًا كيف
ارتفع سقف النظام وزاد من حالات الاعتقال بتهمة التطاول على الذات الأميرية وأحكام
سجن تصل لخمس سنوات، وانخفض سقف المعارضة التي بات همها الآن فقط الإفراج عن
المتهمين بهذه القضايا.
خامسًا، الظروف المثالية لن تأتي أبدًا فهل ستبقى الأمور معلقة
للأبد؟ ألم تجر انتخابات 2006م في ظل حملة اعتقالات واسعة شنها جيش الاحتلال
بالتعاون مع السلطة؟ ألم يكن أغلب قادة حماس الميدانيين في الضفة في سجون الاحتلال
وقتها؟ مع ذلك شاركت حماس وتفوقت رغم كل القمع، ورغم محاولات التزوير (وللعلم فقط
نزاهة الانتخابات في 2006م لم تأت هبة مجانية بل انتزعت انتزاعًا).
أما مكافئة السلطة وفتح عبر الكلام عن إلغاء
الانتخابات وعدم المشاركة بها فهذا يشجعها على تصعيد حملة الاعتقالات، فمخطئ من
يظن أن السلطة يردعها التهديد بمقاطعة الانتخابات بل العكس تمامًا هذا ما تريده من
حماس أن تقاطع وأن تجري الانتخابات (ولو بالضفة وحدها) وأن تفوز فتح بدون عناء.
سادسًا، يتناسى أغلب المعترضين على الانتخابات وخاصة المعارضين
لوجود السلطة والتشريعي أهم نقطة في ما اتفق عليه، وهي أن تجري انتخابات المجلس
الوطني بالتزامن مع انتخابات التشريعي وأن يكون الانتخاب هو أساس الاختيار في كافة
مناطق التواجد الفلسطيني، وعدم الاحتكام للإسطوانة السخيفة والكاذبة بأنه "لا
يمكن إجراء انتخابات في الدول العربية" والتي كانت فتح تسمعنا إياه كل مرة
كان هنالك مطلب بإجراء انتخابات لمنظمة التحرير.
فإن كانت منظمة التحرير تعتبر شرعية والممثل
الوحيد للشعب الفلسطيني بالرغم من أنها معينة وغير منتخبة فما بالكم عندما تكون
منتخبة وممثلة لإرادة الشعب الفلسطيني؟ لماذا نرضى باحتكار محمود عباس للكلام باسم
الشعب الفلسطيني كرئيس للمنظمة؟ وأن يقرر باسم الشعب الفلسطيني أن فلسطين هي فقط
الضفة وغزة (وربما لحسة من القدس)؟
كيف يمكن إزالته وإزالة الديناصورات
والأحفوريات الحية (أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير) بغير الانتخابات؟ أليس
هذا مطلبًا وطنيًا وشعبيًا لكافة أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج؟ لماذا
لا يتم التمسك بهذا المطلب والمطالبة به وبقوة؟
في ظني أن انتخابات المجلس الوطني وإعادة
بناء منظمة التحرير هي خطوة هامة جدًا لوقف مهزلة التفاوض والتفريط والتنسيق
الأمني (فالمنظمة فوق السلطة الفلسطينية كما تقول فتح نفسها)، ولهذا السبب فإجرائها
أمر يستحق المخاطرة من أجله حتى لو كان هنالك مخاطرة بخوض انتخابات التشريعي في ظل
الوضع السيء بالضفة.
سابعًا، فيما يتعلق بنقطة احترام نتائج الانتخابات سواء من
الاحتلال أو من فتح فاعتقد أن عدم إجرائها أو مقاطعتها هي مكافئة تقدم على طبق من
ذهب لهم، فلتجر الانتخابات مرتين وثلاث وأربع ولنثبت كل مرة للعالم أجمع أن الشعب
الفلسطيني مع المقاومة، أليس هذا أفضل من الجلوس في البيت؟ فليتحمل الطرف المعتدي
مسؤولية التفكير بالشرعية، لماذا يتحمله الطرف الآخر؟
على الأقل في نظر الشعب الفلسطيني تكون حماس والمقاومة
قد جددت شرعيتها، ألا تستمد حماس قوتها من الشعب؟ فلتعتبرها تجديدًا للبيعة إذن،
لأنه لا توجد انتخابات لمرة واحدة في الدهر، يجب تجديد الشرعية من خلال الانتخابات
كل فترة زمنية، وبعد مرور سبع سنوات آن الآوان لتجديدها.
كما لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن الظرف
العربي الجديد ومواقف الدول العربية وحتى الغربية ليست نفسها التي كانت عام 2006م،
والكثيرون ليسوا مستعدين ليجاروا أمريكا والكيان الصهيوني في لعبتهم القذرة هذه
المرة، والكثيرون توصلوا لقناعة أنه لا يمكن محاربة وخنق خيار الشعب الفلسطيني،
صحيح ستستمر الحرب المعلنة لكن الظروف اليوم أفضل.
في الختام:
في النهاية نستنتج أنه لا مناص من المضي
قدمًا بالمصالحة ومن ضمن خطواتها إجراء الانتخابات، ولا يجوز أن يكون إلغاء
الانتخابات خيارًا بل يجب الاستعداد لها والمطالبة بأن تكون نزيهة (نقول نريد
انتخابات ونريدها نزيهة بدل أن نقول إن لم تكن الانتخابات نزيهة فلن نشارك)، كما يجب
الإصرار على انتخابات المجلس الوطني.
وإذا كان هنالك من يريد اللف والدوران وتزوير
إرادة الناخب أو رفض شرعية صندوق الانتخابات بعد صدور النتيجة فليتحمل هو
المسؤولية وليس الطرف الآخر صاحب النوايا السليمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق