الأحد، 24 فبراير 2013

الشهيد عرفات جرادات والتعذيب في سجون الاحتلال



الشهيد عرفات جرادات





أبرزت حادثة استشهاد الأسير عرفات جرادات بعد حوالي الأسبوع من اعتقاله أثناء التحقيق معه في مركز تحقيق الجلمة التابع للشاباك قضية التعذيب داخل سجون الاحتلال، ولا زالت ملابسات استشهاده غامضة كون المعتقل مفقودًا متى ما دخل مراكز التحقيق التابع للشاباك ولا أحد يعلم شيء عنه سوى ما يرغب به جهاز الشاباك والذي لم يبلغنا سوى أنه توفي بجلطة دماغية.


وهذه ليست أول حادثة وفاة أثناء التحقيق، وإن كان في السنوات الأخيرة قد خفت حالات الوفاة داخل مراكز التحقيق (لأسباب سأوضحها بعد قليل) إلا أن يد الشاباك مطلقة في التعذيب حتى الموت للمقاومين منذ لحظة اعتقالهم وحتى وصولهم لمركز التحقيق (أو ما يعرف بالتحقيق الميداني)، حيث استشهد العشرات (وخاصةً خلال انتفاضة الأقصى) ولم يعلن عنهم أنهم أسرى قتلوا تعذيبًا بل كان دائمًا الزعم أنهم قتلوا خلال عملية إلقاء القبض عليهم.

 
الشهيد مجدي أبو جامع برفقة ضباط الشاباك قبل قتله بدم بارد


ولعل أشهر حادثة لهذا النوع من القتل ما عرفت بعملية الباص 300 عام 1984م عندما حاول أربعة شبان من قطاع غزة (أعمارهم بين 18 و20 عامًا) خطف حافلة صهيونية باستخدام سكاكين وقنبلة وهمية، وبعد أن هاجم الجنود الحافلة أعلنوا عن مقتل الأربعة خلال الاشتباك، إلا أن صورة التقطها صحفي صهيوني فضحت الاحتلال، حيث أظهرت أحد الأربعة وهو الشهيد مجدي أبو جامع وهو حي يزرق ويقف على قدميه ومعتقل ومكبل اليدين وبرفقة اثنين من رجال الشاباك، ليتبين لاحقًا أنه ضرب حتى الموت أثناء التحقيق معه هو وشقيقه محمد، حيث قام رجال الشاباك بضربهما بالقضبان الحديدية والحجارة بعد انتهاء التحقيق الميداني معهما وبأمر مباشر من رئيس الشاباك.


ويحاول الصهاينة ترويج صورة كاذبة حضارية عن جيشهم وعن الشاباك، ويقارنون أنفسهم بأنظمة عربية مستبدة (بل حتى يقارنون أنفسهم بسجون السلطة) ويشيرون إلى أن عدد القتلى تحت التعذيب عندهم أقل وأن أصحاب العاهات والإعاقات أقل، ويزعمون أنه لا تعذيب سادي لديهم (مثل ما نراه بفيديوهات شبيحة النظام الأسدي)، لكن كما سأثبت الآن الفرق الوحيد بين ضابط الشاباك الصهيوني والشبيح الأسدي أن الأول مجرم ذكي يفعل الأفاعيل دون أن يترك أي أثر، والثاني هو مجرم "حمار" يفضح نفسه بنفسه.


فالصهاينة ليسوا رحيمين حتى نعقد مثل هذه المقارنات، وإن كانوا حريصين على عدم موت المعتقل أو ترك آثار جسدية للتعذيب، فإنهم يفعلون ذلك لأسباب تخص مصلحتهم (وليس من أجل سمعتهم في الإعلام فهذا سبب يأتي ربما بالمرتبة العاشرة لديهم)، وحتى نفهم ذلك أكثر أشير لوجود مدرستين بالتحقيق:


 أ- مدرسة التعذيب البدني: وتعتمد على الإيذاء البدني بالدرجة الأولى من ضرب وشبح بأوضاع مؤلمة وغير ذلك، وعيب هذه المدرسة (بالنسبة للمخابرات) أن الاعترافات لا تكون دقيقة وأحيانًا كثيرة يكذب المعتقل لإرضاء المحققين وبالتالي فالمعلومات لا يعول عليها، وميزاتها هي السرعة النسبية بأخذ الاعترافات وأنها لا تحتاج لمحققين ذوي خبرة (خلال فترة أقصاها 18 يومًا ينتهي التحقيق كما كان الحال في المعتقلات التابعة لجيش الاحتلال بالانتفاضة الأولى).


 ب- مدرسة التعذيب النفسي: وتعتمد على إيقاع السجين في دوامة نفسية ليصل إلى نتيجة أنه لا خروج له من هذه المعاناة إلا بالاعتراف بكل شيء، وعيب هذه المدرسة أنها بحاجة لطواقم مدربة جيدًا (ولهذا السبب غير مطبقة بأكثر الدول العربية) وأن التحقيق يجب أن يأخذ مدى طويل (قد يمتد ل100 يوم بل ويزيد في بعض الحالات الاستثنائية)، وإيجابيتها (بالنسبة للمخابرات) هو دقة المعلومات المستخرجة من المعتقل ومصداقيتها العالية (لهذا السبب يفضلها الشاباك ويعتمد عليها).


وهنا أشير إلى أن كلتا المدرستين تستخدمان التعذيب النفسي والبدني، لكن كل مدرسة تركز على جانب معين من التعذيب، فالتحقيق في سجون الاحتلال يحتوي على تعذيب بدني مثل تجويع المعتقل وتقديم طعام قليل الكمية لديه (وهذه أساسية للتحقيق لأن قلة الطعام تؤدي لقلة التركيز وبالتالي يكون المعتقل مهيئًا للوقوع بحيل وخدع المحقق)، ومثل الشبح والتحقيق المتواصل فجلوسك يوميًا على كرسي لمدة 8 ساعات متواصلة فما فوق ولأيام متتالية ليس بالأمر الجميل مطلقًا.


والشبح يؤدي لأمراض مزمنة وآلام مبرحة في عضلات الفخذين والورك والظهر، لكن كما قلت الصهاينة مجرمون أذكياء، فالشبح لا يترك آثارًا بدنية ظاهرة للعيان لكنها تترجم لاحقًا على شكل أمراض مزمنة، والحرمان من النوم بحد ذاته خطر على الحياة لذا يحرصون على أن ينام المعتقل قليلًا (لساعة أو أقل) مرة كل ثلاثة أيام من الشبح حتى لا يتوفى من الإرهاق.


ما تكلمت عنه هو ما يعانيه الأسير من تعذيب في مرحلة التحقيق، وهم يحرصون على ترك آثار نفسية داخله طويلة الأمد، ولا يمانعون من ترك آثار جسدية غير ظاهرة، فهدفهم تحطيم الأسير وتدميره وليس فقط استخراج المعلومات، وهم يحرصون فقط على عدم موته متى ما دخل مركز التحقيق فعندما يقترب من لحظة الموت يعطوه راحة قصيرة قبل الاستئناف، وما حصل مع الشهيد كما يبدو هو أن حساباتهم أخطأت قليلًا (ولا ندري تفاصيل وفاته ولن نعلم حقيقتها لأنها سر لدى الشاباك) وتجاوز الأمر معهم خط الحياة إلى الشهادة.


ولا ننسى هنا الإشارة إلى عمليات التدمير الممنهج لصحة الأسير النفسية والبدنية بعد خروجه من التحقيق إلى السجن، حيث يعيش نمط حياة مدمر للصحة، ويكفي هنا الإشارة إلى رحلة البوسطة أثناء نقله من مكان لآخر: يكبلون يديه ورجليه طوال الرحلة والتي لن تقل عن ست ساعات (لو كان محظوظًا وأمه داعية له) حتى لو دخل المرحاض فيبقى مقيدًا وحافلة البوسطة هي عبارة عن صندوق حديدي ضخم، فيه زنازين ضيقة والمقاعد داخلها حديدية، شديد البرودة شتاءً وشديد الحر صيفًا.


ولا يعفى الأسير من هذه الإجراءات كبيرًا كان أم صغيرًا، صحيحًا أم مريضًا، ناهيك عن المعاملة شديدة السوء (والتي تصل للضرب والتسبب بعاهات جسدية) على يد قوة الحراسة المعروفة بالنحشون، لذا مرضى يفضلون تحمل معاناة المرض داخل السجن على الذهاب إلى مستشفى سجن الرملة (لا تتوهموا باسم مستشفى) فقط ليتجنبوا معاناة البوسطة.


هذه مجرد لمحة عن أساليب تدمير الأسير صحيًا ونفسيًا، والتي أخرجت أسرى على حافة الموت ليموتوا خارج السجن بعد أيام قليلة مثلما حصل مع الشهداء زهير لبادة وأشرف أبو ذريع والعديد ممن سبقهم.


سيبقى الصهاينة أساتذة في إخفاء جرائمهم، لذا وجب التوضيح ووضع النقاط على الحروف.

ليست هناك تعليقات: