ما زالت تفاصيل الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين
قيادة إضراب الأسرى ومصلحة سجون الاحتلال غير واضحة، في ظل تدفق معلومات من مصادر
عدة مع تضارب هذه المعلومات أحيانًا، حيث يحرص الجميع على أن يكون في صدارة أخبار
الانفراج (حتى لو كان في الصفوف الأخيرة وقت التصعيد)، وهنا لا بد أن نميز بين
مستويين من التفاوض جرت خلال الأيام الماضية.
هنالك مفاوضات جرت بين قيادة إضراب الأسرى
ومصلحة السجون على مطالب الأسرى، وفي موازاتها كان هنالك مفاوضات جرت في مصر بين
وفد من الأسرى المحررين والخارجية والمخابرات المصرية من أجل إكمال صفقة تبادل
شاليط، حيث كان من شروطها إخراج الأسرى المعزولين وإنهاء الإجراءات العقابية
المعروفة بقانون شاليط، وهنا نلحظ نوعًا من التقاطع بين مطالب الأسرى والمفاوضات
في مصر.
لحد اللحظة لم يتضح ما الذي تم الاتفاق عليه
بالضبط سواء على مستوى مفاوضات الأسرى أو على مستوى الوساطة المصرية، وكانت الجهة
الأولى التي سارعت للإعلان عن الخبر هي الإذاعة العامة الصهيونية وحرصت على تصوير
الاتفاق على أنه لبى أكثر مطالب الأسرى، على عكس عادة الإعلام الصهيوني بالتقليل
من شأن ما يحصله الفلسطينيون من إنجازات، وهي خطوة متوقعة فيوم الثلاثاء
(15/5/2012م) هو الذكرى الرابعة والستون للنكبة.
وعلى ما يبدو أنّه كانت هنالك تعليمات عليا من
قيادة الاحتلال من أجل التوصل لحل بأي ثمن كان قبل يوم النكبة، فالوضع في الضفة
الغربية كان يسير نحو التصعيد وكانت هنالك مخاوف صهيونية غير معلنة من خروج الوضع
عن السيطرة.
وفي المقابل فلا أحد يضمن التزام الاحتلال بما
وقع عليه ووافق عليه، فإنهاء العزل الانفرادي هو إنجاز تحقق عام 2000م وأخرج وقتها
كافة المعتقلين المعزولين، لتعود سياسة العزل في عام 2001م، لكن في النهاية لا
يوجد خيارات كثيرة أمام الأسرى، فما داموا بالأسر فهم معرضون بأي لحظة لمزاجات
سجانيهم.
ولهذا السبب لم تصدر قيادة الإضراب حتى اللحظة
أي بيانات، بالرغم من أنها حرصت طوال أيام الإضراب على إعلان كافة خطواتها، بل صدر
عنها أنّ الأسرى سيستمرون بالإضراب حتى التأكد من تطبيق الاتفاق، فهي معنية
باستمرار الغليان على الأرض خارج السجون فهذه وسيلة الضغط الوحيدة على السجان
الصهيوني، فالإضراب بحد ذاته ليس ضغطًا على المحتل.
ونقارن هنا بين تعامل سلطات الاحتلال مع الإضراب
الحالي وإضراب عام 2004م، فبالرغم من أنّ الحكومة الحالية هي أكثر يمينية وأكثر
عنصرية من تلك الحكومة؛ إلا أنّ إضراب عام 2004م قوبل من اللحظة الأولى بصلف لدرجة
أن قال وزير الأمن الداخلي أنه لن تتم الاستجابة لأي من مطالب المعتقلين حتى لو
ماتوا جميعهم، وتم التنكيل بالأسرى وقمعهم من أجل إجبارهم على فك الإضراب، في
المقابل كان هنالك حرص على مفاوضة الأسرى خلال هذا الإضراب.
والفرق في التعامل لا يعود إلى طبيعة الحكومة
الصهيونية أو الإدارة القائمة على السجون، فالموجود اليوم هو أسوأ مما كان موجودًا
عام 2004م، لكن الفرق هو على الأرض في الميدان ففي الإضراب السابق كانت الضفة
الغربية قد خرجت للتو من الاجتياحات وعملية السور الواقي وهنالك حالة إحباط عامة،
ونفس الشيء كان ينطبق على قطاع غزة وإن بحدة أقل قليلًا، راهن الصهاينة على عدم
انفجار الوضع وقتها وبالفعل كان ذلك.
أما في العام 2012م فالوضع الميداني مختلف، ففي
الضفة الغربية هنالك هدوء مرشح للإنفجار نتيجة انسداد الأفق السياسي، وفي قطاع غزة
هنالك قاعدة لحماس تستخدمها من أجل الحشد الإعلامي لصالح الإضراب، وقد أحسنت هذه
اللعبة وحشدت بشكل كبير، فرأينا تحركات على مستوى الوطن العربي وحتى على مستوى
البرلمان الأوروبي الذي أصبح يناقش قضية الاعتقال الإداري والأسرى المعزولين، وحوّل
ملف الأسرى إلى الأمم المتحدة وكان سيناقش في وقت قريب.
لذا لم يراهن الصهاينة على استمرار الهدوء حيث
كان هنالك خطر تحركات وضغوط دولية، ومن الناحية الأخرى كان التحرك في الضفة يتصاعد
شيئًا فشيئًا، وخاصة خلال الأيام القليلة الماضية، فالأمر لا يحتمل المخاطرة.
ولربما لو استمر الإضراب لعدة أسابيع قادمة
لتفجرت الأوضاع بشكل أكبر ولحقق الأسرى إنجازات أوضح، إلا أنّ الأسرى لا يمتلكون
القدرة على الاستمرار بالإضراب لأسابيع قادمة ففي النهاية هم بشر وقدرتهم محدودة.
ما تسرب عن الاتفاق يشير إلى إنهاء العزل
الانفرادي، وإن كان هنالك كلام عن أنّ الإنهاء لن يكون نهائيًا وستكون هنالك
استثناءات ولجان تابعة لمصلحة السجون تدرس كل حالة عزل لوحدها، وهذا لو صح فسيكون
خرقًا لاتفاقية شاليط.
أما بالنسبة للأسرى الإداريين فما تم التوصل
إليه، اعتبره حفظًا لماء وجه الأسرى، لأنه وإن كان يلتزم الصهاينة بعدم تمديد
الاعتقال الإداري، إلا أنهم احتفظوا بخط رجعة وهو أنه يمكنهم التمديد في حال توفر
"معلومات أمنية" وهذا يقرره جهاز المخابرات ولا أحد يطلع عليها سوى قاضي
التمديد وهو ضابط عسكري في جيش الاحتلال، بمعنى آخر يمكن نظريًا التمديد لأي أسير
إداري بحجة توفر معلومات جديدة، وهذا أصلًا ما كان موجودًا في أكثر الحالات
سابقًا.
وحتى إنجاز السماح لأهالي أسرى غزة بزيارتهم
معرض للخرق، فالصهاينة قالوا أنهم سيسمحون بزيارتهم، لكن يجب أن لا نتفاجأ إن
منعوا عددًا منهم (قليل أو كثير) بحجة الخطر الأمني، وسيقولون نحن لا نمنع زيارتهم
لأنهم من غزة لكن يوجد اعتبارات أمنية تمنع زيارتهم.
لذا من المبكر الكلام عن تطبيق ناجح لللإتفاقية
أو تلبية حقيقية لمطالب الأسرى، كما لا يفوتني أن اسجل استغرابي من الحالة الاحتفالية
في الضفة والقطاع، وكأن القدس حررت، فلا الاتفاقية طبقت ولا الأسرى انتهت
معاناتهم، وحتى لو طبقت بحاذفيرها، فهل خروج الأسير من الزنزانة إلى غرف السجن هو
أمر يستحق كل هذه الاحتفالات المبالغ بها؟ أم أن هنالك حرص من كل طرف سياسي على أن
يسجل لنفسه شرف إنجازات في زمن عزت فيه الإنجازات؟
هناك تعليقان (2):
صدقت .. وهذا ما اكدته الايام ما بعد التوقيع .
دمت بحفظ الله
حياك الله أختي الفاضلة.
كان من المتوقع أن يتصرف الصهاينة بهذه الطريقة، وكان بقاء الناس بالشارع هو الضمانة لإجبارهم على الالترام، لكن كان هنالك تسرع بالاحتفال وعودة الناس إلى بيوتهم فكانت هذه النتيجة.
إرسال تعليق