الأحد، 13 مايو 2012

قطاع غزة: الإغاثة مسموحة والتنمية ممنوعة



مر خبر رفض السلطات الأمنية المصرية السماح لوفد اقتصادي عربي مرور الكرام بدون أن تتوقف وسائل الإعلام عنده كثيرًا، حيث كان الوفد مكونًا من 124 مستثمرًا وصاحب رأسمال، كانوا سيشاركون في ملتقى بعنوان "نحو استثمار مستدام في فلسطين" حيث كان مقررًا مشاركة 185 مستثمرًا و20 هيئة واتحاد أصحاب الأعمال من عدد من الدول العربية والأجنبية، وذلك بهدف تشجيعهم على الاستثمار التجاري في قطاع غزة.

ويعيدنا مشهد المنع (بالرغم من حصولهم على التصاريح الرسمية) بالذاكرة إلى أيام المخلوع مبارك عندما كانت وفود الإغاثة والتضامن تعاني من مزاجية التعامل معها، بين رفض وقبول مشروط وقبول بشروط تعجيزية.
 
وطوال سنوات حصار قطاع غزة الستة وما قبلها، كان التركيز دومًا على الجانب الإنساني والإغاثي: طعام، وملابس، وبناء مدارس ومستشفيات، وما إلى ذلك من مبادرات ذات طابع استهلاكي، وطوال سنوات الاحتلال (بما فيه سنوات سلطة أوسلو) بقي قطاع غزة محرومًا من التنمية الاقتصادية ومن إيجاد بنية تحتية لاقتصاد حقيقي قائم على الإنتاج.

والحرمان لم يكن بسبب جهل أو فقر أو إهمال بل كان بقرار صهيوني ينبع من حقيقة أن أي تطور اقتصادي فلسطيني هو خطر داهم يهدد الكيان بالزوال؛ فالفلسطيني يجب أن يبقى دومًا ضعيفًا وغير قادر على المبادرة، وهذا يتطلب أن يعيش في دوامة اللهاث وراء لقمة عيشه وحياته اليومية حتى لا يفكر بما هو أبعد من ذلك، وحتى لا يفكر بالكيفية التي يستعيد بها حقه السليب.

وإبقاء الاقتصاد الفلسطيني أسير الدوران في فلك اقتصاد الكيان الصهيوني معناه شل الذراع الفلسطينية، فكيف لمجتمع يأكل ويشرب مما يمن عليه المحتل أن يستطيع محاربته فضلًا عن إزالته؟

وعملت حماس منذ استلامها الحكم في قطاع غزة على البحث عن طرق لفك قيد الارتباط الاقتصادي بالمحتل الصهيوني ولطالما طالبت بفتح الحدود مع مصر، وكان دومًا الجواب جاهزًا من سلطة رام الله ونظام مبارك أن فتح الحدود يعني "رمي قطاع غزة على مصر"، وهي كلمة باطل يراد بها باطل، فالسبب الحقيقي (كان ولا زال) هو أنّ قطاع غزة يجب أن يبقى تحت رحمة المحتل الصهيوني، فقط لا غير.

وفكر مسؤولون في حكومة غزة بالبدء باستجلاب أصحاب رؤوس الأموال من أجل بناء اقتصاد حقيقي وتحريك العجلة الاقتصادية، وبدلًا من أن يعيش الناس على الكوبونات أو الرواتب التي تدفعها سلطة رام الله للبطالة المقنعة المسماة بالوظيفة العمومية، سيصبح هنالك فرص عمل حقيقية ويأخذ الناس رواتب حقيقية ويحسنون من أوضاعهم المعيشية.

وبالرغم من أن القيد قد رفع عن دخول المتضامنين والوفود الإغاثية والإنسانية بعد سقوط نظام مبارك، وبالرغم من تذليل أغلب العقبات التي قد تبرز أمامهم؛ إلا أنّ الوفد الاقتصادي يختلف عنهم فهو سيغير طبيعة الدولة الفلسطينية بالمواصفات الصهيونية.

هذه الدولة الفلسطينية التي يقال لنا أنه ستكون لديها القابلية للحياة، من الواضح أن الحياة المقصود منها هو مثل الحياة تحت أجهزة الإنعاش في غرفة العناية المكثفة، وليس الحياة الطبيعية العادية؛ فيجب أن يبقى الفلسطيني متسولًا للمساعدات هنا وهناك، لأن المساعدات مهما كانت سخية ومهما كانت كريمة، فهي لا تبني دولة ولا تبني جيشًا ولا تبني مجتمعًا قويًا وغنيًا قادر على أن يفكر بما هو أبعد من قوت يومه.

لذا نجد هذا الإصرار القوي والعنيد (والمجلس العسكري جزء من هذه المنظومة) على منع أي مبادرة ترفع من مستوى المواطن الغزي، حتى سفينة الوقود القطرية ما زالت تنتظر الإذن بدخول غزة من الكيان الصهيوني؛ لأن المجلس العسكري لم يقبل دخول حمولتها إلا عبر معبر كرم أبو سالم الذي يسيطر عليه الصهاينة.

ومن يظن أنّ الوضع في الضفة الغربية أفضل فهو واهم؛ لأن كل مظاهر الحياة الاقتصادية في الضفة الغربية قائمة على أموال المساعدات وعلى تحويلات المقيمين في الخارج، وذلك بالرغم من أنّ للضفة الغربية موارد طبيعية وأراض زراعية واسعة (مقارنة بقطاع غزة)، إلا أنّ كل شيء تحت تحكم الاحتلال، والاستيراد والتصدير تحت تحكم الاحتلال، والمصادر الطبيعية كلها تحت تحكم الاحتلال.

الفلسطيني المزدهر اقتصاديًا، معناه الفلسطيني القوي، ومعناه الفلسطيني القادر على تحرير أرضه، وهذا ما لا يريده المحتل الصهيوني، وما لا يريده من يدعم المحتل ابتداءُ من أمريكا نزولًا إلى المشير طنطاوي والمجلس العسكري.

إنّ غزة تجاوزت مرحلة الإغاثة والمعونات، وهي بحاجة لتتقدم خطوة إلى الأمام، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وإن كان الشارع المصري قد فرض على المجلس العسكري رفع الحظر نهائيًا عن الوفود الإنسانية المتوجهة إلى غزة، فهل يستطيع فرض إرادته ويرغم المجلس العسكري على كسر حصار التنمية المفروض على غزة (كما الضفة)؟

ليست هناك تعليقات: