الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

في ظلال الصفقة: عندما تخلت إيرينا سراحنة عن أرض آبائها وأجدادها لكن مقابل ماذا؟



ولدت إيرينا بولياتشك عام 1977م في أوكرانيا لوالدين أوكرانيين، ولم يكن يربطها بفلسطين أي رابط، اللهم إلا ما يربط الكاثوليك بالأرض المقدسة مهد المسيح عليه السلام، إلا أن قدرها كان فلسطين وفقط فلسطين.


تعرفت على إبراهيم سراحنة اللاجئ من مخيم الدهيشة قرب بيت لحم، وتزوجا وأنجبا ابنتين وعاشا في المخيم، وإلى هنا تبدو القصة عادية وعادية جداً، لكنها كانت على موعد لكتابة فصل جديد من تاريخ فلسطين، ذلك التاريخ الذي كتبه آلاف الأبطال والشهداء والمجاهدون منذ أن وطأتها جيوش المسلمين في عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.


خلال انتفاضة الأقصى أنضم زوجها وأشقاؤه الاثنين (موسى وخليل) إلى كتائب شهداء الأقصى، ونفذوا عدة عمليات مسلحة ضد الاحتلال الصهيوني، وقاموا بالتخطيط للعملية الاستشهادية التي نفذها الشهيد رياض بدير وقتل فيها عدة مستوطنين، وكان لإيرينا دور في هذه العملية حيث كانت ترافق زوجها واحدى طفلتيها في نفس السيارة التي تقل الاستشهادي، لكي لا يثيروا شبهات شرطة الاحتلال فعندما يرون إمرأة وطفلة فآخر ما سيظنون عندما يرونهم أن هنالك استشهادي معهم بالسيارة.


ألقي القبض عليها وعلى زوجها وشقيقيه عام 2002م، وحكم على الرجال بالسجن المؤبد عدة مرات، أما الأسيرة المحررة إيرينا سراحنة فقد حكم عليها بالسجن لمدة 3 أعوام على أن يتم إبعادها إلى أوكرانيا بعد ذلك، كونها لا تحمل الهوية الفلسطينية.


كان أمامها خيارين: إما أن تقبل بالعودة لأرض آبائها وأجدادها وتتخلص من مقبرة الأحياء المسماة سجناً، وتتخلص من "الورطة التي ورطها" إياها زوجها، أو أن ترفض الإبعاد وتنتمي لفلسطين قلباً وقالباً مهما كان الثمن، فكان خيارها الثاني ودفعت الثمن غالياً عندما قررت محاكم الاحتلال تمديد حكمها إلى 20 عاماً بسبب رفضها الإبعاد.


اعتنقت إيرينا الإسلام بعد الزواج ولبست الحجاب، وفي السجن كانت تعيش مع أسيرات حركة الجهاد الإسلامي، ليكون انتماؤها إلى فلسطين أكثر من انتماء نسب وزواج بل انتماء عقيدة ومبدأ، لتأتي صفقة الوفاء للأحرار لتخرجها من ظلمات قبور الأحياء إلى فضاء الحرية، وكتب إلى جانب إسمها في قوائم الإفراج (إفراج إلى البيت) وبيتها كان مخيم الدهيشة والضفة الغربية وليس أوكرانيا، بالرغم من أنها لا تحمل أوراق إقامة رسمية وبالرغم من أن دخولها أساساً إلى فلسطين كان بأوراق مزورة وغير قانونية.


لكن الانتماء إلى فلسطين أكبر من كل الأوراق وكل المعاملات الرسمية، وأكبر من هذا الكيان المسخ، الانتماء إلى فلسطين ليس بالنسب ولا الحسب ولا الجينات، الانتماء إلى فلسطين هو الانتماء للأقصى، والانتماء إلى الإسلام، هو اليقين بأن هذه أرض عربية مسلمة مهما ظلم الظالمون ومهما اعتدى المعتدون، الانتماء إلى فلسطين هو عقيدة يحملها المرء داخل قلبه، وهذه كلها امتلكتها الأسيرة المحررة إيرينا سراحنة.


فلسطين هي لكل مؤمن بإسلامية وعروبة الأرض، وفلسطين لكل محبي المسجد الأقصى، وفلسطين لكل من يرفض الظلم والعدوان، وإيرينا لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، ففلسطين بحكم قدسية أرضها وموقعها الجغرافي كانت مكان استقطاب للمسلمين من كافة أنحاء الأرض، كلهم قدموا إلى فلسطين وانصهروا بالنسيج الاجتماعي العربي المسلم، بدون تقسيمات عرقية أو إثنية وبمساواة تامة، وهذا قبل أن يتكلم العالم عن حقوق المواطنة بزمن طويل.


قدم إلى فلسطين مع صلاح الدين عشائر كردية ومغاربية وعربية واستقروا في فلسطين بعد التحرير، وكانت مهمتهم حماية ما حرر من الأرض في مواجهة فلول الصليبيين ومعقلهم المتبقي في عكا، وأما بقايا الصليبيين الذين لم يعودوا إلى ديارهم فقد تعربوا واعتنق قسم منهم الإسلام وذابوا في المجتمع، وفي القرن التاسع عشر قدم اللاجئون المسلمون من البلقان (البوسنة وألبانية) ومن القوقاز واستقر قسم منهم في فلسطين، وغير ذلك هناك هجرات عديدة قبل وبعد ذلك، ما جمعهم هو اختيار فلسطين لقدسية ترابها واختيارهم لأن يكونوا جزءاً لا يتجزأ من هذه الأرض.


إيرينا سراحنة تعيد التاريخ وتنضم لرابطة محبي مسرى الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام، وكررت ما قامت به العشائر التي قدمت إلى فلسطين مع صلاح الدين، لكن على مستوى فردي ومحدود، لتعلمنا أن فلسطين هي عقيدة ومبدأ وليست عقاراً أو تجارة.


فهل تعلمنا الدرس؟

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

الله أكـــــــبر والعزة للإســـــــــــــلام
بارك الله في الأخت إيريناوبناتها وكل الأحرار وحفظهم من كيد الكائدين ، وعجل لمن بقي بالحرية ، آمين
مشكورين على المقال الرئع ، نفع الله بكم وبارك فيكم

ياسين عز الدين يقول...

حياك الله أخي الفاضل وشكراً على مرورك.

Unknown يقول...

مرت ابن عمة امي هي
الله يخليلنا ياهم ويفك اسرهم كلهم
ضحى سراحنة
الاردن

ياسين عز الدين يقول...

نسأل الله أن يحفظها.
شكرًا على مرورك.