السبت، 11 يوليو 2020

مغالطات حول قضية مسجد أيا صوفيا


هنالك نوعان من المغالطات أريد الرد عليهما: الأول، الذين يقولون أن المسجد أصله كنيسة ويجب أن نعيده "لأصحابه". والثاني، أن محمد الفاتح اشترى الكنيسة من الرهبان وبالتالي أصبح من حق المسلمين.

لو أن هنالك أحد يريد أخذ كنيسة وتحويلها اليوم إلى مسجد لكنت أول المعارضين واعتقد الغالبية مثلي، لكن أيا صوفيا مسجد منذ 500 عام.

==============
تخيلوا كفار قريش يطالبون بالمسجد الحرام هل سنقبل؟ ماذا لو طالب الإسماعليون الشيعة باستعادة الجامع الأزهر والذي تأسس بالأصل لنشر مذهبهم؟ لماذا لا يعيد الأمريكان للهنود الحمر أماكنهم المقدسة التي أقاموا عليها ملاهي وبيوت دعارة وشركات ومؤسسات؟

في أوروبا مئات المساجد التي حولوها لكنائس في الأندلس وكرواتيا وأوكرانيا وغيرها، لماذا لا يعيدونها للمسلمين؟


الفاتيكان نفسه بني فوق معبد وثني قديم لماذا لا يعيدونه لعبدة الأوثان؟

==============
التاريخ يغير الحقائق شئنا أم أبينا، ولو أردنا تتبع أصل كل مكان عبادة فلن ننتهي وسندخل في متاهات ومتاهات، نحن أبناء اليوم، وكل أمة لها تاريخها الذي تؤمن به، نحن نؤمن بأن الأندلس لنا والأوروبيون يؤمنون بأن أسطنبول (القسطنطينية) وآيا صوفيا لهم، ومثلما لا يؤمنون بتاريخنا لا شيء يلزمنا بأن نؤمن بتاريخهم.

==============
صحيح أن الخلافاء الراشدين لم يحولوا أي كنائس إلى مساجد بحسب علمي، لكن فعلها الأمويون والأيوبيون والمماليك والعثامنيون والمغول المسلمين في الهند، كل حالة لها مبرر وقصة ولا أعرف أغلبها لكن هكذا حصلت الأمور.

وفي المقابل الأطراف الأخرى فعلوا ما هو أكثر من ذلك هجروا وطردوا المسلمين من الأندلس والبلقان والقوقاز والقرم وإيطاليا وفرنسا فقط لأنهم مسلمين، هذا لم يحصل لدينا وأغلب الكنائس بقيت على ما هي عليه دون مساس ولم يهجر مسيحي أو يهودي طوال مئات السنين، بل على العكس استقبلنا يهود الأندلس المهجرين بكل صدر رحب.

==============
سأذكر أمثلة من فلسطين كونها مجال اطلاعي: الجامع الصلاحي وجامع النصر في نابلس، أقيما مكان كنيستين صليبيتين، والصليبيون قبلها حولوا المسجد الأقصى إلى معبد ومقر لهم، وهدموا مساجد كثيرة.

المسجد الإبراهيمي في الخليل كان كنيسة بيزنطية ثم أصبح مسجدًا ثم أعاده الصليبيون كنيسة ثم عاد مسجدًا، وقبل كل ذلك فتاريخه غير واضح وأظنه أنه كان معبدًا لأحد الآلهة الرومانية في مرحلة سابقة، هل نعيده لعبدة الأوثان؟

المدرسة الصلاحية كانت كنيسة بيزنطية ثم حولها صلاح الدين إلى مدرسة إسلامية ثم قامت الدولة العثمانية بإهدائها لفرنسا وحولتها لكنيسة القديسة آن.

==============
التاريخ يفرض حقائق جديدة ولهذا أنا دائم التحذير من التأخر بإنقاذ فلسطين، وضرورة المسارعة للتصدي للمشروع الصهيوني، لأنه كلما طال الأمد أصبحت أمرًا واقعًا وأصبح اقتلاع الكيان الصهيوني أكثر صعوبة، شئنا أم أبينا ستصبح حقائق جديدة.
==============

ولنأخذ مثلًا كنيسة المسكوبية في الخليل، الأرض وقف إسلامي، جاء الروس قبل أكثر من مئة عام واستأجروا الأرض لمدة 99 عامًا، وبنوا فيها كنيسة وبعد انتهاء مدة الإيجار رفضوا إعادة الأرض وطلبوا من السلطة تسجيل الأرض باسم الكنيسة، وكلنا سمعنا بالنزاع حولها.

لكن لا أحد يطالب بهدم الكنيسة سواء من أصحاب الأرض آل التميمي أو حزب التحرير أو غيرهم، الكل يقر بوجود حقائق جديدة على الأرض ويريدون فقط تثبيت حق العائلة بالأرض.

لنأخذ مثالًا آخر: مدينتا سبتة ومليلية، عندما يقال لإسبانيا لماذا لا تعيدين المدينتين إلى المغرب، يجيب الإسبان: "صحيح هما في المغرب لكنهما تابعتان لنا منذ 500 عام وهذا التاريخ جعلهما مدينتين إسبانيتين".

مثال ثالث: قام ستالين بتهجير تتار القرم عام 1945م ومساجدهم حولت لزرائب ومتاحف وغير ذلك، وعادوا لوطنهم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي دون أن ينتظروا الإذن من أحد واستعادوا بعض مساجدهم دون إذن أحد، لقد أعادوا فرض الحقائق بسواعدهم وليس بفضل أحد آخر.

==============
فليأت الأوروبيون ولنجلس معًا: يريدون استعادة أيا صوفيا فليعيدوا لنا مساجدنا التي حولوها لكنائس، لماذا عندما يكون الأمر يخصهم يصبح حقهم وعندما يخصنا يصبح وجهة نظر؟ ولماذا بعض أبناء جلدتنا أوروبيون أكثر من الأوربيين؟

الأمر مشابه تمامًا لموضوع اللاجئين الفلسطينيين، يرفض الصهاينة عودة اللاجئين ويقولون أن "اليهود العرب تم تهجيرهم إلى دولة إسرائيل وأخذت الدول العربية أملاكهم، سامحونا نسامحكم" هكذا تقول روايتهم، بعد أن تخلت السلطة الفلسطينية والحكومات العربية عن عودة اللاجئين الفلسطينيين أصبح الصهاينة يطالبون "بحقوق يهود الدول العربية".
==============

أما من يقولون أن محمد الفاتح اشترى الكنيسة من الرهبان فهذه القصة أول مرة أسمع بها، ولا تبدو لي منطقية فأين كانت طوال القرون الماضية؟ على كل حال لو فرضنا صحتها هي ليست حجة ولا يجوز أن نقع في هذا الفخ.

ماذا لو أثبتوا أن الرهبان لم يبيعوا الكنيسة؟ هل سنعيدها؟ ماذا لو محمد بن سلمان باع الكعبة المشرفة وأرادوا بناء كنيسة مكانها هل سنقبل حجتهم بأنهم اشتروها؟

حتى لا نذهب بعيدًا فقد حصلت مع مسجد حسن بيك في يافا، عندما طمع الصهاينة بالمسجد وأرادوا هدمه وبناء مأوى للمشردين مكانه في الثمانينات، جاءوا بتاجر مخدرات وعينوه مسؤولًا عن الأوقاف الإسلامية، وتنازل لهم عن المسجد باسم الأوقاف، هل سكت الناس؟ هل سكت أهل يافا؟ "ما هو باعها"! لم يسكتوا ونزلوا وتصدوا وقاموا بترميم المسجد واستعادوه بالقوة بعد أن بقي مهجورًا لعقود بعد النكبة.

كنيسة آيا صوفيا والقسطنطينية يعتبرها الأوروبيون من صميم تراثهم المسيحي، وسيقولون لنا أنه لا يحق لأي راهب أن يبيعها، ولو صحت قصة البيع سيقولون أن الرهبان خونة ولا يمثلون المسيحيين، فماذا سنرد عليهم؟

سواء اشترى محمد الفاتح الكنيسة أم أخذها عنوة، لنترك ذلك الأمر للمؤرخين، ما يهمنا اليوم أنه مسجد والمثاليات "سكر زيادة" تضر ولا تنفع، لسنا في عالم مثالي والحق الذي لا تحميه القوة لا قيمة له.

ليست هناك تعليقات: