السبت، 15 أكتوبر 2016

النظام السعودي وفقدان الأمل


 قرأت قبل سنوات في موقع للافتاء سؤالًا لأحد الشباب ملخصه أنه كان يريد الزواج من فتاة إلا أنها تزوجت غيره، لكنه بقي متعلقًا بها وكان يتتبع أخبارها، وكلما سمع عن مشكلة بينها وبين زوجها تفاءل خيرًا، بأنها قد تترك زوجها ويخلو لهذا الشاب الجو.

ملخص الإجابة عليه كان أن ينسى أمر هذه الفتاة وليجد له هدفًا آخر في حياته.

أتذكر هذه القصة عندما أسمع تفاؤل الكثير من الإسلاميين (وبالأخص المحسوبين على الإخوان) بحدوث شقاق بائن بينونة كبرى بين السعودية ومصر، وأن يترك النظام السعودي السيسي وأن يتحالف مع الإخوان.

ومثل الفتوى السابقة أنصح أؤلاء المتأملين خيرًا من النظام السعودي أن ينسوا أمره، لا أقول أنه يجب مقاطعته أو محاربته، لكن تعليق الآمال عليه بأن يقود مسار التغيير أو يكون جزءًا من تحالف الثورات العربية أو أن يتحالف مع الحركات الإسلامية هو وهم كبير لا يجب أن نقع فيه.

خلافات النظام السعودي مع مصر أو أمريكا هي خلافات الأسرة الواحدة، ولا يمكن أن تقود للطلاق بالسهولة التي يتخيلها البعض، وفي الوضع السعودي بالتحديد الطلاق مستحيل الحصول استحالة قطعية؛ وذلك لأن:


أولًا: التحالفات الاستراتيجية في عالم السياسة هي مثل الزواج الكاثوليكي "لايفرقهما إلا الموت"، و"ما جمعه الرب لا يفرقه إلا الرب".

وذلك لأن هذه التحالفات تكون مبنية على مصالح وليس على أمزجة.

ثانيًا: النظام السعودي ليس زوجة لأمريكا بل هو سبية لدى الأمريكان، أي ليس لديه من حقوق الزوجية شيء، فقط يمتلك الحق في الحياة (الوجود).

ولنتكلم بشكل أوضح في السياسة: فهنالك اليوم ثلاثة محاور متصارعة في المنطقة العربية: محور أمريكا وإسرائيل وأنظمة الثورات المضادة، ومحور إيران روسيا، ومحور الثورات العربية وهو مكون أساسًا من الإخوان المسلمين وحلفائهم من الإسلاميين وغير الإسلاميين، وبدعم من بعض الدول (تركيا وقطر بشكل أساسي).

في هذا الواقع يستحيل ثم يستحيل ثم يستحيل أن تتحالف دولة من محور ما مع جهة خارجية ضد دولة زميلة لها في ذات المحور، خاصة أن الاستقطاب في الصراع الحالي وصل ذورته الكبرى.

ربما نرى تحالفات أو تقاطع مصالح بين محورين ضد الثالث: مثل اليمن حيث هنالك تحالف بين السعودية وإخوان اليمن ضد الحوثيين وإيران، أو مثل سوريا حيث نرى تفاهمات أمريكية مع روسيا، ثم انقلبت أمريكا عندما رأت أن روسيا ستنفرد بالسيطرة على كل سوريا.

وربما نرى صراعات داخل المحور (خلافات عائلية) لكن يحرم على أي عضو في المحور الاستعانة بجهة خارج المحور في هذه الصراعات العائلية.

ومن زاوية أخرى فمشكلة النظام السعودي وأمريكا والكيان الصهيوني والأنظمة العربية مع الإخوان المسلمين هي مشكلة وجودية، وبالأخص مع إخوان مصر لأن نجاحهم سيقلب الموازين رأسًا على عقب.

بعض المدافعين عن الإخوان يتغنى بأنهم عقلاء ومسالمون ويريدون المصلحة العامة لشعوب المنطقة، لكن هذه بالضبط مشكلة الثورات المضادة مع الإخوان؛ لأن الإخوان سيقضون على هذه الأنظمة لو أتحيت لهم الفرص، ولا فرق بالنسبة لهم لو قضوا عليها بطريقة مؤدبة أو غير مؤدبة، عن طريق صندوق الاقتراع أو البندقية، فالنتيجة واحدة.

وقد عبر عن ذلك آفي ديختر الرئيس السابق لجهاز الشاباك الصهيوني عندما قال في محاضرة أن الإخوان أخطر (على الكيان الصهيوني) من داعش، وأوضح بأن داعش بلا جذور وخطرها غير دائم، أي أن الإخوان المسلمين مشكلتهم في قوتهم وجذورهم الممتدة بالمجتمعات العربية والإسلامية.

لهذا يخاف النظام السعودي من نجاح الإخوان في مصر، لأنه سينقل العدوى إلى داخل السعودية، وهنالك الكثير من السعوديين قريبين من التيار الإسلامي بكافة توجهاتهم، وأولئك سينقلبون على النظام السعودي سلمًا أو حربًا.

النظام السعودي تحالف مضطرًا مع إخوان اليمن ليتفادى خطر الحوثيين، لكنه يرفض إعطاء إخوان اليمن نصرًا سهلًا حتى يتفادى خطر الإخوان.

كما أن النظام السعودي يؤمن بأن فلاحه وصلاحه في الدنيا والآخرة مربوط برضا أمريكا، وأنه لا قبيل له بمحاربة أمريكا أو مناطحتها، وأمريكا رسمت له خطًا أحمرًا بأن عودة الإخوان للحكم في مصر هي خطية لا تغتفر.

النظام السعودي يا سادة يا كرام يفكر بهذه الطريقة، وهو أعجز من أن يفكر مثلما تتمنون، والنظام السعودي خذل الأمة الإسلامية والمسلمين السنة تحديدًا أكثر من مرة:

في العراق دعم الاحتلال الأمريكي والذي تلاه الاحتلال الإيراني، وفي سوريا شجع ودعم الثورة ضد الأسد وعندما وصلت الأمور إلى الجد تراجع ووقف عند الخط الأحمر الأمريكي، وفي فلسطين يدعم محمود عباس ويحارب حماس فقط لأن حماس مرفوضة صهيونيًا.


وفي مصر لن يختلف الحال وواهم من يظن أن الحال سيختلف، وفاقد الشيء لا يعطيه، والعبد لا يعطي الناس الحرية، ومن نخر السوس أركان دولته لن يبني لكم دولًا، والظالم المتجبر على شعبه لن يعطيكم عدلًا.

ليست هناك تعليقات: