الجمعة، 4 نوفمبر 2016

الدكتور محمود الزهار وتحرير فلسطين في 24 ساعة



قبل يومين قال الدكتور محمود الزهار بأنه لو نقلت إمكانيات المقاومة من غزة إلى الضفة، لأصبح ممكنًا تحرير فلسطين في 24 ساعة.

ورغم أنه لم يقصد حرفيًا 24 ساعة لكنه طرح غير واقعي، سواء كان 24 ساعة أو 24 شهرًا.

وأنا أطرح الموضوع ليس من باب الإحباط أو التقليل من شأن هذه الخطوة (لو حصلت) لكن حتى نكون واقعيين ونفهم موازين القوى بشكل حقيقي، وكي لا نستهين بعدونا ونذهب إلى المعركة بدون الاستعداد الكافي.

نقل إمكانيات المقاومة إلى الضفة ستقلب الموازين بشكل كبير، لكنها ليست كافية لتحرير فلسطين، ولن أناقش الطرق التي يمكن عبرها نقل تجربة غزة إلى الضفة فهذا موضوع آخر يحتاج لنقاش مستقل.

إنما أريد الكلام عن التقليل من قدرات عدونا والظن بأن هزيمته بشكل نهائي يحتاج بعض الإجراءات والخطوات الجريئة، وتنتهي المعركة ويجلو عن أرضنا للأبد.

حجم السلاح والإمكانيات الاقتصادية والمادية لدى الاحتلال كبير جدًا، والفجوة بيننا وبينه كبيرة جدًا، ولو قلنا إن تحرير فلسطين يحتاج لصعود 100 درجة، فوضع المقاومة في غزة اليوم عبارة عن صعود درجة أو درجتين، ونقل التجربة إلى الضفة يعني صعود 5 درجات أو 10 درجات في أفضل الأحوال.
 
يتفوق الاحتلال علينا بمراحل مخيفة: من الطيران إلى المدفعية إلى التكنولوجيا إلى عدد الجنود وتدريبهم إلى سلاح البحرية، صحيح أن العقيدة القتالية لدينا تعوض بعض النقص لكن تبقى الفجوة كبيرة جدًا.

حتى لو قارنا الوضع بمعركة حطين وصلاح الدين (حيث يحب الناس الرجوع للتاريخ) فيجب التأكيد على النقاط الثلاث الآتية:

معركة حطين لم تكن قفزة بالفراغ بل كان هنالك تمهيد طويل قبلها، والسؤال هو أين تمهيدنا اليوم؟

 الفارق بالقوة بين المسلمين والصليبيين في ذلك الوقت كان بسيطًا وقابلًا للتعويض، أما اليوم فالغرب الداعم للكيان الصهيوني متفوق علينا في كل المجالات وليس فقط بالقوة العسكرية، والتفوق كبير جدًا.
 ورغم ذلك فمعركة حطين لم تنه الاحتلال الصليبي بشكل كامل، بل كانت خطوة حاسمة أدت لزواله بعد مئة عام، وتلتها خطوات كثيرة حتى تحقق هذا الهدف.

لذلك يجب أن تدرس موازين القوى بينا وبين الصهاينة من قبل مختصين بالشأن العسكري، بعيدًا عن لغة الأماني والأحلام، حتى ندرك ما المطلوب منا.

ما أخشاه هو أن نكرر تاريخنا المعاصر بكل مآسيه فمنذ نكبة عام 1948م ونحن نقلل من قدرات عدونا الصهيوني، ونتلقى الهزيمة تلو الأخرى، وتكون الصدمة النفسية أقوى وأشد من الهزيمة المادية، لأننا حلقنا في عالم الأحلام ولم ندرس الواقع كما هو.

إذن ما العمل؟

لا أريد الدخول في التفاصيل الميدانية لأنها تحتاج لمختصين ولدراسة مفصلة، لكن سأتكلم بصورة عمومية حول الخطوات الاستراتيجية المطلوب اتباعها حتى نصل إلى تحرير فلسطين، ولو أحسنا إدارة الحرب وأتت الأجواء المواتية فربما نصل لهدف تحرير فلسطين بعد عشرة أو عشرين عامًا.

أولًا: يجب استنزاف العدو ماديًا وميدانيًا وماليًا وسياسيًا ونفسيًا، من خلال وسائل مختلفة مثل الانتفاضة والمقاطعة الدولية وغير ذلك، حتى نقلص نقلص الفجوة مع الاحتلال الصهيوني قدر الإمكان بدلًا من تركها تتمدد.

ثانيًا: تحرير فلسطين لا يمكن أن يعتمد على الداخل لوحده، صحيح أن غزة والضفة والمناطق المحتلة عام 1948م بإمكانها أن تساهم بشكل كبير بتحرير فلسطين، لكن وحدها لا تكفي.

ثالثًا: يجب المزاوجة بين العمل السياسي والعمل العسكري، طبعًا ليس مثل طريقة فتح التي ركزت على السياسي واستعانت أحيانًا بالعسكري (أيام عرفات)، بل نحتاج لضربات عسكرية قاصمة للاحتلال لكي نجبره على تقديم تنازلات حقيقية.

والضربات القاصمة يقتل فيها (آلاف الصهاينة ويؤسر المئات منهم) وليس مثل ما رأينا بالفترات الماضية فرغم أنها كانت ضربات موجعة نفسيًا لكن ماديًا ليست ذات الأثر الكبير الذي يقلب موازين القوة.

رابعًا: بعدها يمكن طرح تسويات سياسية مثل: عودة اللاجئين الفلسطينيين وتفكيك الكيان الصهيوني مقابل دمج اليهود في الدولة الفلسطينية، أو قيام دولة فلسطينية على المناطق التي يتم تحريرها بدون قيد أو شرط.

وحتى نصل لمثل هذه التسويات يجب أن نكون قد استنزفنا الاحتلال لفترة كافية، ونسجنا تحالفات عربية ودولية حتى لا نترك وحدنا، وحققنا انتصارات عسكرية حاسمة بالمعنى الحقيقي.

إذا كانت هذه النقاط الأربعة واضحة لدى أصحاب القرار وعملنا وفقها، وتوافرت الظروف المواتية (مثل تغيير الأنظمة المحيطة بفلسطين)، فوقتها سيكون الكلام عن تحرير فسطين واقعيًا وممكنًا.

ربما يكون الكلام محبط للبعض لكن هذا هو الواقع، وإن أردنا تحرير فلسطين فيجب أن نبدأ من الواقع لا من الأمنيات والأحلام، لأن الأماني نصل لها في نهاية الطريق وليس في بدايتها.


ليست هناك تعليقات: