سمعنا عن قيام
الحكومة الانقلابية في مصر برد الوديعة القطرية في البنك المركزي المصري، ومقدارها
اثنين مليار دولار، وذلك بعد فشل مفاوضات من أجل تحويلها إلى سندات مالية، ومن
الأكيد أن أكثر الناس وخاصة من غير المختصين بالأمور المالية لم يفهموا معنى كل
الكلام، وربما جل ما فهمه مؤيدو الانقلاب "أن الحكومة انتصرت للكرامة المصرية
وردت الفلوس المشبوهة القطرية"، وجل ما فهمه مؤيدو الشرعية "أن قطر
أحرجت الانقلابيين بطريقة أجبرتهم على التخلي عن الأموال".
لذلك وبما أني كنت
من الجمهور الذي لم يفهم ما حصل بالضبط فقد حرصت على البحث والسؤال، وسأقوم بشرحه
بطريقة مبسطة حتى يفهمه غير المختصين أمثالي:
ما معنى وديعة
مالية؟ قامت قطر أيام الرئيس محمد مرسي بتحويل مبلغ اثنين مليار دولار إلى
البنك المركزي المصري كوديعة مالية، ومعناه أنها وضعت المبلغ في البنك لكنه يبقى
ملكها هي، تسحبه من البنك متى شاءت.
إذن ما الذي
استفادته مصر من الوديعة؟ استفادت أمرين: الأول تشكل عامل استقرار للجنيه
المصري، فأسعار العملات تعتمد على العرض والطلب، وعندما ينخفض سعر الجنيه في السوق
(يرتفع الدولار) يمكن للدولة المصرية أن تستخدم جزء من المبلغ لتشتري به جنيهات
فيزيد الطلب على الجنيه ويزيد عرض الدولار، فيتوقف الجنيه عن الانخفاض.
الثاني وهو مهم،
توفير غطاء من العملة الصعبة الضرورية للتعامل التجاري مع العالم الخارجي، فعندما
تستورد مصر أي شيء من الخارج (قمح، ملابس، سيارات، أجهزة إلكترونية) فهي لا تستطيع
أن تدفع للشركات العالمية بالجنيه المصري، لأنه ليس عملة عالمية، يجب أن تدفع
بالدولار، ومخزون البنك المركزي المصري من الدولار تضاءل بشكل كبير بعيد الثورة
المصرية لأسباب كثيرة، منها انحدار مستوى السياحة (المصدر الأول للعملة الصعبة
المصرية) وتوقف الإنتاج (وبالتالي توقف التصدير)، كما يقال أنه كان عمليات سرقة
منظمة تمت في الأسابيع القليلة بعد سقوط مبارك لنهب الخزانة المصرية.
فكانت الوديعة
القطرية مساهمة من أجل الأمرين: استقرار سعر الجنيه وتوفير عملة صعب من أجل عمليات
الاستيراد.
ما هي السندات
ولماذا كانت حكومة الانقلاب تريد تحويل الوديعة إلى سندات؟ السندات المالية هي
شكل من أشكال القروض، وفي حين أن الحكومة القطرية تستطيع سحب الوديعة المالية في
أي وقت شاءت، وهذا يعرقل استخدام المال في مشاريع استثمارية (لأنه لو تم بناء
مصانع بهذه الأموال وأرادت قطر استرجاع المبلغ فكيف سيتم إرجاعه؟)، فالسندات
المالية هي قروض تستخدم عادة لمشاريع استثمارية ولا يحق لقطر المطالبة باسترداد
مالها إلا بعد مدة معينة، وذلك مقابل فائدة ربوية تدفعها الدولة المصرية لقطر.
قطر عرضت على
الحكومة الانقلابية أن تكون مدة السندات ثلاث سنوات (أي أن تستعيد المبلغ بعد
ثلاثة سنوات) ومقابل فائدة ربوية رأت حكومة الانقلاب أنها مرتفعة، لذلك لم يتفق
الجانبين وقررت الحكومة الانقلابية رد الوديعة المالية إلى قطر.
المعونة الأمريكية:
والشيء بالشيء يذكر
حيث أود هنا الإشارة إلى المعونة الأمريكية لمصر، وهي بمبلغ 2.1 مليار دولار
سنويًا، منها حوالي 800 مليون دولار معونة مدنية والباقي معونة عسكرية، فهذه لا
تدفع نقدًا للحكومة المصرية، بل على شكل مشاريع أو أجهزة، ويشترط أن تكون مقدمة من
شركات أمريكية (كي تستفيد هذه الشركات)، وهكذا أصبح معظم سلاح الجيش المصري
أمريكيًا ولا يقدم له إلا ما هو أقل من الجيش الصهيوني، وهكذا يصبح الجيش المصري رهن
الابتزاز الأمريكي.
فلو حصل أي خلاف
بين أمريكا ومصر فأمريكا لن تقطع المساعدات المستقبلية فحسب، بل ستقطع الصيانة
والدعم الفني وقطع الغيار عن المعدات الأمريكية التي قدمتها للجيش المصري، وهكذا
يصبح قسم كبير منها خردة لا ينفع لشيء.
وأكثر من ذلك فقسم
من هذه المساعدات لا تحتاجه مصر أصلًا، مثل عشرة ملايين دولار قدمتها وزارة الدفاع
الأمريكية الشهر الماضي لشركة أمريكية لكي تساعد الجيش المصري في تدمير أنفاق غزة،
وتقدم له المشورة والمعدات اللازمة.
وفي حين قامت حكومة
الانقلاب بالتهديد بالتوقف عن تلقي المساعدات الأمريكية يوم ما قال مسؤولون
أمريكان أنه انقلاب وليس ثورة، إلا أنهم لم ينفذوا تهديدهم وأبقوا أنفسهم أسرى
لهذه المساعدات، فيما قرروا إرجاع الوديعة المالية القطرية رغم أن ذلك يؤثر على
رصيد مصر من العملة الصعبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق